رمز الخبر: ۱۰۰۴۷
تأريخ النشر: 14:25 - 31 January 2009
قاسم سلطان

إدارة بوش والإرث السيئ

عصر ایران - مع نهاية عام ۲۰۰۸ وبداية عام ،۲۰۰۹ تغيرت الأوضاع العالمية بسبب الكارثة الاقتصادية التي هزت النظام الرأسمالي في أميركا وأوروبا وانعكست نتائجها على العالم كله، ومع مرور الوقت سيعاني الكل من تبعاتها، وقد لا نفرق بين الدول الغنية والفقيرة، فالكل سوف يتأثر بعواقبها، وبكل تأكيد الكل سوف يتذكر المتسبب فيها.

وهي حكومة جورج بوش وأداؤها السيئ خلال ثماني سنوات، باعتمادها نشر الأكاذيب وثقافة الخوف لدى الشعب الأميركي والتسويق بمبررات مصطنعة، من أجل شن الحرب على شعوب مسالمة بغية السيطرة على ثرواتها، وفرض رأيها على العالم دون أسباب ملموسة أو حقائق مؤكدة.

هذه كانت رؤيتها لفرض هيمنتها الاقتصادية والسياسية على دول العالم التي انصاع البعض لها، بما فيها بعض الدول العربية التي تصورت أنها لن تستطيع العيش إلا في ظل هذه الهيمنة، لكن دوام الحال من المحال، فمن اعتمد على ذلك النظام لدعمه ودعم اقتصاده فها هو قد ولى، دون رجعة بانتهاء صلاحيته، وبانهيار نظامه الاقتصادي.

ترك جورج بوش الرئاسة وشعبيته في أدنى مستوى حسب آخر استطلاع للرأي العام الأميركي، هذا المستوى الذي لم يصل إليه أحد قبله منذ بدأ الاستطلاع في أميركا في عهد الرئيس روزفلت، حيث دل على أن رضا المواطنين عن حكم جورج بوش لم يتجاوز ۲۱%، أي أن ۷۹% من الشعب الأميركي غير راضٍ عنه.

ترك الرئاسة والولايات المتحدة مديونة بحوالي أحد عشر تريليون دولار، بعد أن كلفتها الحرب على العراق وأفغانستان حوالي تريليون دولار، كما ورد في بعض وسائل الإعلام، ودون أن تحقق هذه الحرب أهدافها. هذا في الداخل، أما في الخارج فلا أعتقد أنه ترك أية بصمة يذكرها التاريخ له، خاصة بالنسبة للعرب.

حيث اعترف في مقابلة تلفزيونية بأنه شن الحرب على العراق استناداً إلى معلومات كاذبة بشأن امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، اكتشف ذلك بعد مضي ۸ سنوات على حكمه وكأنه حصل بالأمس القريب، بعد أن دمر بلداً وشرد شعباً بكامله، وكان الأكرم له أن يعترف بأنه اختلق معلومات ليكذب بها على الرأي العام ويشن حربه.

أما في خطابه الوداعي، فقال الكثير، وبرر مواقفه المتعددة والمتضاربة، لكن مبرراته هذه المرة لم تمر مرور الكرام، حيث علق المتحدث الصحفي السابق للبيت الأبيض ومؤلف كتاب (ماذا حدث؟ وثقافة الخداع في واشنطن) سكوت ماكليلان على خطاب الرئيس الوداعي قائلاً: إن حسن نية الرئيس عذر (غير مقبول لسياسته الخاطئة، كيف وهو شوه سمعة الحكومة الأميركية في العالم؟).

ويضيف: إن هذا الخطاب خدعة أخرى للشعب وعدم قول الحقيقة، ولابد له من الاعتراف بأخطائه عاجلاً أم آجلاً. أما (رمزي كلارك) وزير العدل السابق فقد ذهب إلى أبعد من ذلك، حيث قال: إنه جمع حوالي مليون ونصف المليون توقيع لاتخاذ الإجراءات القانونية لتقديم جورج بوش للمحاكمة كمجرم حرب.

لكن رغم كل هذا لم تتوقف أفعاله الشنيعة بحق العرب، حتى قبل أيام من انتهاء فترة حكمه فأعطى الضوء الأخضر لإسرائيل للقضاء على الجزء الصغير المتبقي من الإرادة العربية في غزة، فبدأت بتنفيذ خطتها بمحاصرة غزة، وتصورت أنه باستطاعتها القضاء عليها وعلى قادتها، ثم شنت الحرب عليها ودمرت كل شيء بأسلحتها الأميركية المتطورة والمحظورة دولياً، ظناً منها أن الشعب الفلسطيني سوف يستسلم.

ومن ثم تبدأ بالخطوات التالية، لكن صمود هذا الشعب العظيم كان أقوى من تصوراتها وجبروتها وقوتها العسكرية وغطرسة مموليها حكومة جورج بوش. فانتصرت الإرادة الفلسطينية في غزة، انتصرت رغم الحصار بشتى أنواعه وأشكاله، انتصرت بعدد وعدة قليلة رغم أنف الجميع وانهزم العدو الإسرائيلي ومن معه.

إن من يدعي أو يتصور أن انسحاب الجيش الإسرائيلي من مدينة الشهداء والأبطال مدينة غزة جاء بسبب مبادرة من هنا أو هناك، كمن يتصور أن انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان كان لنفس السبب.

فرض الانسحاب على العدو الإسرائيلي بفضل دماء الشهداء وصمود الشعب الفلسطيني، وقوة وإرادة المقاومة ووقوف شعوب العالم وعلى رأسها الشعوب العربية بجانبه وضغوطها على الحكومات، ولو استمرت إسرائيل في عنادها لحدث ما لم يكن في الحسبان. فشكراً لأهل غزة عنوان الصمود الفلسطيني والعربي، وشكراً لأبطالها عنوان التضحية والمقاومة.. ورحمة الله على الشهداء.

نتمنى أن يكون عام ۲۰۰۹ عام المقاومة وبداية الانتصار العربي، وعام هزيمة العدو بإذن الله، فإرادة المقاومة وقدراتها ودماء الشهداء وحدت صفوف العرب رغم خلافاتهم.

واستطاعت قمة غزة في الدوحة وقمة العرب في الكويت أن تصلح ما يمكن إصلاحه، آملين أن يستمر ذلك ويوحد العرب صفوفهم للرد على العدو الصهيوني، على الأقل بقطع العلاقات مع هذه الدولة المغتصبة التي لا تريد خيراً للعرب ولا معهم، بل تريد كل شيء دون أن تتنازل، لأنها قامت بالاغتصاب والغطرسة.

كذلك على العرب المطالبة بمحاكمة قادتها العسكريين والسياسيين كمجرمي حرب، لنغير بذلك نظرة الآخرين لنا، ونخلق واقعاً وموقعاً جديداً للعرب في هذا القرن، فنحن نملك تاريخاً مجيداً ورسالة إنسانية فريدة وشعباً لديه كل إمكانيات العصر.

وقدرات لخلق اقتصاد قوي، نستطيع بكل هذا أن نكون مع بعض القيادات الجديدة في منطقتنا وفي العالم، حضارة وعولمة جديدة، نكون أحد أعمدتها. علينا فقط الاعتماد على النفس والثقة في بعضنا البعض، والاستفادة من إمكانيات وقدرات الشعوب العربية حتى لا نعطي الفرصة لأحد مثل كوندوليزا رايس وزيرة خارجية أميركا السابقة أن تستهزئ بنا وتقول بدم بارد إن قتل المدنيين الفلسطينيين شيء طبيعي لأن إسرائيل تدافع عن نفسها، وكأنها تقول: إن هؤلاء ليسوا بشراً.

فمن المعتدي ومن المعتدى عليه؟ أم بسبب ضعفنا انقلبت الموازين؟
رغم كل ذلك إن الله لا يخذل قوماً على الحق، قوماً آمنوا بقدراتهم على تحقيق النصر، فلقد انتصرتم يا أهل غزة رغم معاناتكم وتضحياتكم، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم.
البيان - الامارات