رمز الخبر: ۱۰۹۵۸
تأريخ النشر: 15:16 - 02 March 2009
عوني فرسخ

 من رؤية بوش الى مقاربة أوباما

 

عصر ایران - الرئيس باراك حسين اوباما في خطابه ابدى التزاما بالتغيير في تعاطي ادارته مع هموم المواطن الاميركي، وبخاصة القيود على الحريات والازمة الاقتصادية التي اورثها إياه سلفه.
 
ولكنه في كلمته عندما كلف جورج ميتشل بملف الصراع العربي - الصهيوني حدد مهمته بما لا يخرج عن استنساخ رؤية بوش. مدللا على صحة القول بأن الرئيس الاميركي، أيا كان حزبه وبصرف النظر عن اسمه وجذوره، محكوم باستراتيجية وضعت خطوطها العريضة ادارة الرئيس ويلسون، عندما اقر وعد بلفور قبل ان تصدره بريطانيا سنة .۱۹۱۷ أي قبل أن تغدو جماعة الضغط اليهودية (اللوبي) مؤثرة في النظام والمجتمع الاميركي، مما يعني انها استراتيجية قومية اميركية، مؤسسة على النظر للمشروع الصهيوني باعتباره ابرز ادوات تحقيق المصالح الكونية للقوى الاجتماعية الاشد تأثيرا في صناعة القرارات الاميركية. وهي استراتيجية تقوم على اعطاء الاولوية لكل ما فيه تمكين المشروع الصهيوني، ولو اقتضى ذلك عدم التعاطي بموضوعية مع الواقع القائم على ارض الصراع، واهمال متعمد لحقائق تاريخه الممتد. كما تجلى ذلك في موقف اوباما من المحرقة الصهيونية.

فالرئيس لم ير من مشاهد المحرقة غير اطلاق صواريخ المقاومة على مستعمرات النقب الفلسطيني المحتل، في تجاهل كلي لالاف غارات طائرات اف ۱۶ ومروحيات الاباتشي اميركية الصنع، ومئات آلاف القنابل الفسفورية والعنقودية التي قذفت بها القطاع الاعلى كثافة سكانية في العالم، وما تسببت به من تقتيل مريع ودمار شامل. إذ بلغ الشهداء ،۱۵۳۰ وبمقارنة عدد مواطني القطاع بسكان الولايات المتحدة يبلغ ما يعادلهم ۳۵۷ الف قتيل اميركي. فيما زاد عدد الجرحى على ۵۳۰۰ ما يعادل ۲۳۶,۱ مليون اميركي. وبلغ الذين شردوا من بيوتهم المدمرة مائة الف ما يعادل ۳۱۰,۲۳ مليون اميركي. فضلا عن تدمير شبه كامل للبنية التحتية في القطاع، والاوبئة التي تهدد حياة مواطنيه، خاصة الاطفال والحوامل وكبار السن، كما تحذر الهيئات الدولية المختصة. اضافة لشلل الحياة الاقتصادية، وما أصاب المؤسسات التعليمية والمساجد وغيرها من المؤسسات. والسؤال الذي تفرضه هذه المقارنة. ماذا كان الرئيس اوباما فاعلا لو أن كوبا قذفت جوارها الاميركي بمثل الحمم التي قذفتها اسرائيل على قطاع غزة واوقعت بالاميركيين مثل الذي اوقعته المحرقة الصهيونية بأهالي القطاع؟

ولو أن الرئيس أوباما تحرى أسباب اطلاق صواريخ المقاومة، التي يدينها بحكم مسبق وهو القانوني الضليع، لتبين أن اطلاقها لم يجاوز كونه مقاومة مشروعة في القانون الدولي لاحتلال غير مشروع بموجب قراري مجلس الامن ۲۴۲ و .۳۳۸ ولكنه تمادى في نظرته غير الموضوعية للواقع باعتباره ضحايا الارهاب الصهيوني هم المعتدين الذين يخالفون القرارات الدولية. بل واعتبر اسرائيل بارهاب الدولة الذي تقترفه تمارس حقا مشروعا بالدفاع عن النفس، في مخالفة مفضوحة لما يقضي به العرف الدولي من أن الدفاع المشروع عن النفس انما هو دفاع دولة معتدى عليها من قوة تفوقها في امكاناتها المادية وقدراتها البشرية. وهذا غير قائم على ارض الواقع !

وهذا ما تكرر بعدم شمول جولة ميتشل الاولى للمنطقة زيارة القطاع المنكوب تحسبا من لقاء سلطته الشرعية. وإن ظن الرئيس الاميركي - ومثله حلفاؤه الاوروبيون - انهم بذلك يعزلون حماس وفصائل المقاومة الاخرى فهم واهمون، بل ويعزلون انفسهم عن التواصل مع القوة صاحبة الشرعية والقدرة الفاعلة والمؤيدة فلسطينيا. فاستطلاعات الراي في فلسطين المحتلة من النهر الى البحر والشتات الفلسطيني، تشير الى أن المقاومة بافشالها غايات المحرقة، وبسلوكياتها وادائها السياسي، عززت مكانتها عند حاضنتها الشعبية في القطاع، واكتسبت تأييد ودعم شعوب الامة العربية والعالم الاسلامي واحرار العالم، وغدت الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني.

وان حسب الرئيس أوباما وكذلك حلفاؤه الدوليون والاقليميون انهم بالمناورات السياسية، وبإحكام الحصار البحري والبري على قطاع الصمود والعزة، قد يحققون لأداتهم الصهيونية ما عجزت عنه المحرقة. وإن هم تصوروا انهم بالتحكم في عملية اعادة الاعمار من خلال السيطرة على المعابر فتصورهم وظنهم بلا اي أساس موضوعي. وليتذكروا أن اللاجئين الفلسطينيين، يوم أن كانوا في أكثر حالاتهم بؤسا وحاجة، رفضوا كل مشاريع التوطين والاسكان، وتمسكوا بحقهم في العودة لديارهم، وانهم بالاعتماد على أنفسهم بالدرجة الاولى انتزعوا اعتراف العالم بانهم الشعب الذي لا يفرط بحقوقه ولا تستلب ارادته. وليوفر الرئيس اوباما والقادة الاوروبيون وغيرهم (المعونات) التي يتحدثون عنها لدعم اقتصاداتهم المنهارة، وليأخذوا في حسبانهم ان المقاومة بصمودها استنهضت مواطن الخير لدى شعوب الامة العربية والعالم الاسلامي واحرار العالم، ما يوفر لقطاع العزة ما يغنيه عن جزرة حماة اسرائيل بعد ان تكسرت على صخرته الشماء عصيهم.

ولا شك ان الرئيس اوباما، ككل الرؤساء الاميركيين السابقين، محكوم باستراتيجية التمكين لاسرائيل باعتبارها رصيدا اميركيا. غير أن ما يواجهه من تحديات مختلف كيفيا عما واجه كل سابقيه. بدءا من كونه من اصول افريقية وأب مسلم يحتل موقعا كان حكرا على البيض ذوي الاصول الاوروبية، مما يجعله ينحو للغلو فيما اعتادوه ليكسب ولاءهم. ثم انه يتولى منصبه في مواجهة انهيار اقتصادي ومأزق متفاقم خارجيا، خاصة في العراق، وتصاعد التمرد على الادارة الاميركية، سيما في الاميركيتين الجنوبية والوسطى. فضلا عن تداعيات المحرقة التي عرت الطبيعة العنصرية لاسرائيل، واكدت فقدانها لقوة ردعها، وسقوط اساطير تفوقها، وصيرورة قادتها ملاحقين دوليا لاقترافهم جرائم ابادة الجنس، وبحيث غدت عبئا على رعاتها وليست رصيدا استراتيجيا لهم. وذلك في مقابل امتلاك قوى المقاومة الفلسطينية زمام المبادرة واكتسابها عطف وتأييد أحرار العالم، بمن فيهم الاميركيين منهم. وبالتالي فاوباما مرشح للفشل اكثر من بوش في تعاطيه مع الصراع العربي - الصهيوني، ما لم يؤسس مقاربته على حقائق الصراع، وأولها كون الاحتلال الصهيوني للارض العربية هو المشكلة، وأن التفاعل مع حماس وبقية قوى المقاومة سبيل التعاطي المنتج مع القوى العربية مالكة المستقبل.

 
 الشعب - مصر