رمز الخبر: ۱۱۱۳۱
تأريخ النشر: 15:09 - 07 March 2009
عاطف عبد الجواد

التحقيق مع بوش

عصرایران - وكالة الاستخبارات الأميركية (سي. آي. ايه) اعترفت أنها دمرت ۹۲ شريط فيديو صورت عليها جلسات استجواب بعض المعتقلين والطرق التي استخدمتها في هذه الاستجوابات والتي تعتقد حكومة الرئيس اوباما انها بمثابة تعذيب. ورغم ان الرئيس اوباما يقول إنه لا يريد العودة الى الماضي والتحقيق في ممارسات حكومة سلفه الرئيس بوش، فإن كثيرين آخرين يطالبون بهذه التحقيقات، والرئيس اوباما يكشف الستار كل يوم عن اوامر سرية اصدرها الرئيس بوش لوكالة الاستخبارات ولوزارة العدل وكلها تظهر انه سعى الى تبريرات قانونية للممارسات التي تبناها بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر .۲۰۰۱ هذه الممارسات تتلخص في خمس نقاط هي اعتقال المشتبه بصلاتهم الإرهابية الى اجل غير مسمى، ومحاولات اخفاء هوية هؤلاء المعتقلين، ووسائل التعذيب التي استخدمت في استجوابهم، ونقل بعض المعتقلين الى دول اخرى للتحقيق معهم، ثم التجسس على المواطنين الأميركيين داخل الولايات المتحدة بدون امر من المحاكم.


بعض الديموقراطيين في الكونغرس الأميركي ومنهم النائب جون كوينر، رئيس اللجنة القضائية في مجلس النواب، يطالب بتحريات فيما يسميه تجاوزات الرئيس بوش. أما رئيس اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ السناتور باتريك ليهي فيفضل تشكيل لجنة للتعرف على الحقيقة على نمط لجنة تحري الحقيقة في جنوب افريقيا بعد انتهاء نظام الفصل العنصري هناك. ويهدف السناتور ليهي الى معرفة ما حدث بغية تحاشي حدوثه مرة اخرى في المستقبل. لكن النائب كوينر يريد تحريات قانونية تسفر عن مساءلة للمسؤولين عن الانتهاكات في عهد بوش. ويهدف بذلك الى ما يسميه صيانة شرف اميركا ومعرفة ما اقترف باسم اميركا.

الجدل يستمر في واشنطن بين مجموعتين من وجهات النظر. الأولى على رأسها باراك اوباما تقول إن التحريات لن تضيف جديدا على فهمنا لما حدث، وان اميركا اليوم تواجه ازمة كبرى وان التحريات من شأنها ان تشتت الاهتمام بعيدا عن التعامل معها. وتقول هذه المجموعة ومنها ايضا صحيفة (يو إس توداي) إن مثل هذه التحريات سوف تكلف ۳ مليون دولار على الأقل. وتقول هذه المجموعة إن تجاوزات حكومة بوش موثقة ومعروفة بما فيه الكفاية، وان تحريات ديموقراطية في ممارسات الحكومة الجمهورية السابقة سوف تسفر عن انقسام في اميركا في وقت تمس فيه الحاجة الى وحدة وطنية وتوافق حزبي للخروج بأميركا من الأزمة الاقتصادية والمالية الراهنة. وتعتقد هذه المجموعة أن التحقيق الوحيد الذي يمكن ان يكون مقبولا في هذا الوقت هو ما إذا كان التعذيب قد انتج معلومات مفيدة بالفعل ام انه انتج معلومات غير صحيحة. وتقول هذه المجموعة ايضا انه يجب الأخذ في الاعتبار بالنية وراء هذه التجاوزات، وان الرئيس بوش كانت نيته في ذلك الوقت هي حماية الولايات المتحدة، رغم ان تقديراته كانت خاطئة في نهاية الأمر.

المجموعة الثانية في هذا الجدل تقول إن الأميركيين لا يفهمون الا قليلا ما حدث من تجاوزات وإن تحريات شاملة تستكمل خلال فترة ثمانية عشر شهرا سوف توضح بجلاء الصورة كاملة. ولتحاشي الانقسامات في اميركا تقترح هذه المجموعة ان تقوم بالتحريات لجنة خبراء مستقلة وغير حزبية تسمح للرئيس اوباما والكونغرس والحكومة بالتركيز على التعامل مع الازمة الاقتصادية وهي تواصل تحرياتها النزيهة.

كان هناك داخل الكونغرس قبل فوز باراك اوباما بالرئاسة محاولات لمحاكمة الرئيس بوش ونائبه رتشارد تشيني بسبب هذه التجاوزات. ولكن الغريب انه بعد فوز ديموقراطي بالرئاسة، وبعد هيمنة الديموقراطيين على الكونغرس بأغلبية حققوها في الانتخابات الأخيرة، لم نعد نسمع اصواتا تطالب بالمحاكمة، بل تحولت هذه الاصوات اليوم الى دعوة للتحري او معرفة الحقيقة بدون تقديم احد للمحاكمة. السبب هو ان الرئيس اوباما امامه اجندة هائلة من الأعمال التي يريد انجازها للمستقبل. وإذا اهدر الديموقراطيون طاقاتهم في تعقب الماضي وتسوية حسابات سياسية فلن يتفرغ احد لإنجاز هذه الأعمال الضخمة. إنه جدل بين اصحاب الماضي واصحاب المستقبل. لكن لأن اميركا هي بلد لا يتفق فيه اثنان على رأي واحد، ولأنها بلد تجري فيه تحقيقات كل دقيقة، فليس غريبا ان يستمر هذا الجدل وليس غريبا ان نشهد عن قريب تحريات في تجاوزات حكومة الرئيس بوش، مهما بلغت ميزانية هذه التحريات.

الوطن - عمان