رمز الخبر: ۱۱۴۰۳
تأريخ النشر: 09:20 - 16 March 2009
محمد صادق الحسيني

مصالحات عربية 'باهتة' واصطفافات اقليمية 'لافتة'!


عصرایران - رغم كل الصراخ ودوي صفارات الانذار من الخطر الايراني المزعوم، وضرورة ابعاد ما سموه 'بدوره غير البناء' في الشؤون العربية، ورغم كل الدعوات الملغمة بما بات يعرف بضرورة انقاذ العراق من جارته المسلمة ايران، ورغم كل الحشد الغربي الاعلامي والنفسي لاخراج ايران من دائرة الصراع العربي الاسرائيلي من اجل الاستفراد بالمقاومين العرب والانقضاض على القلعة الفلسطينية من الداخل، لا تنفك الدوائر الغربية توفد الرسل والمبعوثين المباشرين وغير المباشرين الى طهران، لاقناعها بالتخلي عن خيار دعم الجهاد الفلسطيني والاعتراف بالكيان الصهيوني مقابل نيل كل ما تريد من موقع ودور ومكانة بما في ذلك السلاح النووي، ولكن بمرور الوقت ومن تحت الطاولة .

هذا هوجوهر ما يجمع عليه كل الرسل الذين يهرولون الى طهران منذ العام1979 حتى يومنا هذا، وذلك باجماع كل المتابعين والمهتمين الجديين والعميقين لمسلسل الوساطات الغربية مع طهران، لسنا بحاجة الى وساطة قد تخفي في ثناياها الانتقال من ضفة الى اخرى، هذا ماقاله احمدي نجاد الى الرئيس التركي الطامح الى البحث عن دور اقوى لبلاده في مصاف دول 'ائتلاف الطامحين' التي انضمت مبكرا اليها وها هي تبحث في العاصمة الايرانية عما يعزز ذلك الدور، اما مرشد الثورة بالمقابل فقد فضل تلطيف مشاعرالضيف الجار ودغدغتها في الوقت نفسه عندما حمل الدولة العظمى الاقوى في العالم مسؤولية عدم فاعلية الدور التركي الآن على الاقل عندما قال له بان لا تغييرات جدية وجوهرية في الافق يمكن رؤيتها في الادارة الامريكية الجديدة.

صحيح ان داعية التغيير الديمقراطي الامريكي الاسود سرعان ما كشفت ممارساته عن وجود مؤسسة اكثر فاعلية وعراقة منه في معاداة العالم الاسلامي والجنوب على العموم عندما مدد قرار سلفه الجمهوري الابيض للعقوبات ضد ايران واعتبارها 'الاكثر خطرا وتهديدا استثنائيا وغير عادي على الامن القومي الامريكي ' كما جاء في رسالته الاخيرة الى الكونغرس، الا ان العارفين ببواطن الامور يكادون يجزمون رغم ذلك بان 'شعرة معاوية' ما انقطعت يوما بين ايران والشيطان الاكبر حتى يشعر حاكم بلاد فارس بحاجة الى من يوصلها بينه وبين ساكن البيت الابيض الجديد ايا كانت جديته او قدرته على الخروج على ارادة المؤسسة الحاكمة. في هذه الاثناء كان العضو الآخر 'لائتلاف الطامحين' واميرهم الجسور قد انضم الى اجتماعات طهران الاقتصادية الاقليمية عبر استضافة احمدي نجاد اللافتة له، ربما لمكافأته على قمتي الدوحة التي ادخل فيها ايران الى الجامعة العربية من الباب السياسي العر يض، بعد الاعتراض 'الاداري' لدول محور 'الاعتدال' على تلك الخطوة، وربما لمناكفة قاهرة المعز تحديدا على تحفظها الجديد الذي جعل من عرين طهران ايسر منالا لعرض وجهة نظر الامير الاقليمية المتفاوتة من الوصول الى 'ديوانية ' قمة العرب المصغرة.

وائتلاف الطامحين هذا والذي يضم بين جنباته الكثير من الدول الصغيرة والمتوسطة والكبيرة التي التقطت اشارة التحولات الكبرى في معادلة العالم القديم، هو اللاعب الاهم الآن على الساحتين الاقليمية والدولية وهو القادر على وراثة رجل العالم المريض اي الولايات المتحدة الامريكية. لا احد من المتابعين الجديين يستطيع ان يقلل من اهمية ما حصل في قمة الرياض العربية التصالحية المصغرة، لكن اهم ما فيها هو ليس لغة التصالح الخجولة والمتواضعة المستخدمة فيها بقدر ما هي اشارة جدية على حصول تحول كبير في موازين القوى المحيطة بالاقليم جعلت بالامكان لطرف ما ان يبدي استعدادا ولو اوليا وظاهريا للانتقال من ضفة الى ضفة اخرى، وهذا الطرف ليس سورية بالتأكيد !

فسورية كما تشير كل حيثيات التحول المحيط بالاقليم هي الرابح الاكبر من كل تلك التحولات، من بغداد الى بيروت الى غزة الى كابول وصولا الى طهران وهي التي لم توفرها دمشق لا في الماضي ولا في الحاضر، ووضعتها في كفة من الميزان امام كفة العرب مجتمعين بقممهم الكبيرة والمتوسطة والمصغرة من الكويت الى الدوحة وصولا الى الرياض !

قد يكون صحيحا ظاهر المشهد السياسي بان واشنطن التي لا تزال تتصدر سدة الدول العظمى تحاول الايحاء بكل الصور المتاحة الى ان طهران لم تتسلم بعد تأشيرة الدخول الى النادي الدولي من جانب 'الشريف'، والايحاء اكثر فاكثر وبين الفينة والاخرى بان المشكلة هي في هواجس ومخاوف دول الجوار العربية مستخدمة العديد منها اوراق مساومة وابتزاز تجاه ايران، لكن الصحيح ايضا بان واشنطن توغل في الاذعان مع كل يوم يمر على تصدع قوتها واقتدارها المزيف وهيمنتها المتهاوية على تخوم الدولة الايرانية المترامية النفوذ، بان لا طريق لها للخلاص من اي من ازمات المنطقة والاقليمين العربي والاسلامي الا عبر بوابة التفاوض مع طهران والاعتراف بها كقوة اقليمية كاملة الاستقلالية وذاتية الدفع والاستمرارية !

ويبقى النظام العربي الرسمي هو المشهد الاكثر مأساوية في قدرته على تظهير هذه الصورة الناصعة، ضائعا بين نخب ليبرالية قديمة ومتجددة قلقة تضلله بسبب محاسبات خاطئة لموازين القوى الدولية وبين 'خلايا تائهة' من مدعي الاستقلالية والسيادة والحرية، ممن لا يزالون يحنون الى احلام الامبراطوريين الامريكيين الجدد الذين غرقت غالبية سفنهم في قاع المستنقع العراقي، فيما ضلت اكثر ما تبقى من قوافلهم طريقها في رمال افغانستان المتحركة. والانكى من كل ذلك فان هذا النظام العربي لا ينفك من دعوة سورية بكل الطرق المباشرة والملتوية لما يسميه بفك ارتباطها بايران، مغريا اياها بوجود فرص' سلام' اسرائيلية لا يعلم الا الله باي منظار متقدم يرونها، في وقت هم بحاجة فيه الى طهران اصلا حتى من اجل تحسين حيثيات مفاوضاتهم المتواضعة، ناهيك عن ضرورة تعزيز الانتصار العربي والفلسطيني غير القابل للانكار. ويحدث كل هذا في الوقت الذي لا يختلف فيه اثنان من العارفين بموازين القوى الاقليمية بان منسوب البقاء لدويلة الكيان الصهيوني حتى في تقارير الاسرائيليين والامريكيين قد انخفض الى ادنى مستوى ممكن في حين ان منسوب استمرارية بقاء نظام الجمهورية الاسلامية ليس فقط في ارتفاع، بل هو في حالة صعود كما تثبت ذلك وقائع التطور العلمي المنتشرة عن طهران. قد يجادل احدهم هنا ليخرج علينا بالقول بان معلوماته المتاحة تؤكد له بان واشنطن الديمقراطية الجديدة قد قررت عقد التسويات الكبرى مع كل من روسيا والصين وهي بصدد التركيز على عزل طهران دوليا باي ثمن كان لاسيما عن ميدان الصراع العربي الاسرائيلي. لهؤلاء نقول حفظت شيئا وغابت عنك اشياء .... !

ولمن لا يدري وليس مطلعا على خفايا الامور نقول بان حركة قطار التحولات الذي يمضي امامنا هي من السرعة بمكان ما يجعلنا غير قادرين على التوقف عند هذه المحطة او تلك من المحطات القلقة، وان عصر المفاجآت الكبرى بانتظارنا على احر من الجمر، والزمن القادم كفيل بان يحكم للنخب القلقة والخلايا التائهة التي تضلل زعماءها او حكامها او للقارئين الواقعيين للاحداث والوقائع العالمية ممن ينتمون الى جنس الناس الذين لم تخطئ حساباتهم يوما!

القدس العربی