رمز الخبر: ۱۲۰۰۹
تأريخ النشر: 17:36 - 13 April 2009
عبد الباري عطوان

عصر ایران - ان يجتمع وزراء خمس دول عربية، علاوة على الامين العام لجامعة الدول العربية، في العاصمة الاردنية عمان لصياغة رسالة يحملها العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني الى الرئيس الامريكي الجديد باراك اوباما اثناء لقائه به الاسبوع المقبل، فهذا امر جيد من حيث الجانب النظري، لكن من المستبعد ان يكون هذا الجهد مثمراً على ارض الواقع، لانه يستند الى سياسة 'الاستجداء' العربية التي اوصلت المنطقة الى حال الهوان التي تعيشها حالياً، وجعلت قيمتها في دائرة الفعل الدولي اقرب الى الصفر، ان لم تكن تحته.

التصريحات العلنية التي اطلقها السيد ناصر جودة وزير الخارجية الاردني قالت ان الرسالة الموقعة من قبل الوزراء العرب تركز على حل الدولتين، والمبادرة العربية للسلام، وتطالب بالتمسك بعملية انابوليس، وتحرك فاعل للادارة الامريكية الجديدة وفق هذه الخطوط العريضة في مساعيها للتعامل مع هذه القضية المتفجرة.

لا جديد على الاطلاق في هذا الكلام، فالادارة الامريكية السابقة التزمت بحل الدولتين، وخريطة الطريق، واطلقت عملية انابوليس للسلام، ووعدت مرتين باقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، فماذا كانت النتيجة؟... المزيد من المستوطنات والحواجز الامنية، والمزيد من الاراضي المصادرة، وفوق هذا وذاك حربان اسرائيليتان واحدة في لبنان، والثانية في قطاع غزة، ناهيك عن حربي العراق وافغانستان.

هذه 'الفزعة' الدبلوماسية العربية المفاجئة تأتي، حسب مهندسيها، بسبب وجود حكومة اسرائيلية يمينية متطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو لا تؤمن بحل الدولتين، وترفض الاعتراف بعملية انابوليس للسلام.. هذا كلام جميل ومعروف، ولكن ماذا فعلت الحكومة الاسرائيلية السابقة 'المعتدلة' التي 'آمنت' بحل الدولتين، وانابوليس، واوسلو، وخريطة الطريق، وقبلت بالمبادرة العربية للسلام بتحفظ؟

الرئيس اوباما لا يحتاج الى رسالة موقعة من خمسة وزراء خارجية لكي يقتنع بحل الدولتين، فالرجل طالب بالشيء نفسه اثناء خطابه الذي القاه في البرلمان التركي في انقرة، واكد تمسكه بخارطة الطريق، اي ان العرب ينطبق عليهم المثل الشعبي الذي يقول 'انه يبشّر بالمؤمنين' او 'Preaching to the Converts'

ما يحتاجه الرئيس الامريكي الجديد هو موقف عربي 'رجولي' مدعوم باجراءات عملية توظف اوراق القوة، السياسية والاقتصادية، في خدمة المصالح العربية، والقضايا المصيرية، وما اكثرها، ولا نعتقد ان الرسالة التي صيغت باللغة الانكليزية تتضمن اي توجه في هذا المضمار.

الرئيس اوباما لا يحترم العرب، ولا نريد ان نقول انه يحتقرهم، والا لماذا اختار ان تكون اول محطة له في المنطقة هي انقرة لكي يخاطب من على منبر برلمانها العالم الاسلامي بأسره، عارضاً غصن زيتون ومتحدثاً عن المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، ومكرراً عروضه للتفاوض مع الحكومة الايرانية؟ فلو كانت مشاعره عكس ذلك لذهب اليهم، والتقى قادتهم، واستمع مباشرة الى وجهات نظرهم.

فكيف يصدق اوباما العرب، ويثق بمواقفهم تجاه حكومة نتنياهو وتطرفها، وهو يرى ان اكبر دولة عربية 'مصر' تغازله علناً، وتوجه اليه دعوة للالتقاء برئيسها في منتجع شرم الشيخ، بينما يسارع الرئيس محمود عباس للاتصال به مهنئاً، وعارضاً الانخراط في مفاوضات مباشرة.

وربما يجادل البعض من منظري 'ثقافة الاعتدال' بأن من المفيد عزل نتنياهو وتعرية مواقفه امام العالم من خلال التمسك بخيار السلام، واظهاره، اي نتنياهو، بمظهر الرافض والمتصلب، الامر الذي يتسبب في احراجه وربما عزله دبلوماسياً.

وجهة النظر هذه، التي تعكس اصراراً على العجز المقصود، سمعناها اكثر من مرة في السابق، لتبرير الاستمرار في نهج سياسي عقيم مفلس، يرفض مجرد التفكير في البدائل الفاعلة والمؤثرة، كان آخرها اثناء القمة العربية الاخيرة في الدوحة، عندما اكد بيانها الختامي على التمسك بمبادرة السلام العربية، مع اشارة خجولة الى انها لن تظل موضوعة على الطاولة الى الأبد.

مبادرة السلام هذه تعفنت، ومن ثم تحللت، وفاحت رائحتها الكريهة التي تزكم انوف اكثر من ثلاثمائة مليون مواطن عربي، باستثناء الحكام العرب ووزراء خارجيتهم، بعد بقائها على الطاولة لأكثر من ست سنوات ومحاولة احيائها وشرحها عدة مرات، بما في ذلك نشر اعلانات مدفوعة، وبمبالغ طائلة، بكل لغات الارض، والعبرية على وجه الخصوص، وجاءت النتيجة معاكسة تماماً من خلال تحول الرأي العام الاسرائيلي الى يمين اليمين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

لن نستبعد، او حتى نستغرب، اذا ما 'اجهض' نتنياهو هذا النشاط الديبلوماسي العربي بالاعلان عن استعداده بقبول حل الدولتين، وعملية انابوليس، والانخراط فوراً في مفاوضات سلام مع السلطة الفلسطينية في رام الله، تطبيقاً لنظرية استاذه ومعلمه اسحق شامير التي تقول بالتفاوض مع العرب والفلسطينيين لعشرين عاماً قادمة، اي التفاوض من اجل التفاوض ولا شيء على الاطلاق بعد ذلك. ألم يسر 'المعتدل' ايهود اولمرت على النهج نفسه، ويثبت انه تلميذ نجيب في مدرسة شامير؟

ينتقدوننا دائماً بالقول اننا نركز دائماً على الحديث عن السلبيات، ولا نقدم اي اقتراحات عملية، او خطط عمل، وهذا ليس صحيحاً، ومع ذلك نقدم المقترحات التالية حتى يأتي التحرك العربي فاعلاً:

ـ اولاً: وضع جدول زمني مدته ستة أشهر لمبادرة السلام العربية على الاكثر، على ان يتم خلالها قبول اسرائيلي غير مشروط بجميع بنودها، مرفق بضمانات اوروبية وامريكية جدية بالتنفيذ على الارض، واذا لم يحدث ذلك فلتسحب فوراً والى الأبد.

ـ ثانياً: المطالبة برفع الحصار فوراً عن قطاع غزة، وفتح جميع المعابر، بما فيها معبر رفح، والبدء في اعادة الاعمار من خلال هيئة تابعة للأمم المتحدة. لأن بقاء هذا الحصار حتى الآن أمر معيب ووصمة عار للعرب والمجتمع الدولي كافة.

ـ ثالثاً: مقاطعة الحكومة الاسرائيلية عربياً، والمطالبة بذلك دولياً في حال استمرارها في رفض المبادرة العربية، والاستمرار في الاستيطان والحصار، وقطع العلاقات الدبلوماسية معها، تماماً مثلما فعلت فنزويلا وموريتانيا وبوليفيا، وفعل المغرب مع فنزويلا وايران.
ـ رابعاً: ارسال رسالة واضحة للادارة الامريكية الحالية، والدول الاوروبية مجتمعة، بوقف التنسيق الأمني العربي الرسمي مع الغرب في مواجهة الجماعات المتشددة، ومكافحة الهجرة غير الشرعية من جنوب المتوسط الى شماله، وعدم المشاركة في اي جهد مالي او اقتصادي تلبية لدعوة قمة دول العشرين، لانقاذ النظام الرأسمالي العالمي.

لا نعتقد ان الدول الموقعة على الرسالة التي سيحملها العاهل الأردني الى الرئيس الامريكي مستعدة، بشكل فردي او جماعي، للاقدام على اي خطوة من الخطوات المذكورة آنفاً، لأنها لا تملك النية، مثلما لا تملك القرار السيادي المستقل. وهذا ما يفسر ايضاً إحجام العديد من وزراء الخارجية العرب عن المشاركة في الاجتماع المذكور.

عندما يحترم العرب أنفسهم، ويقولون للرئيس اوباما نريد افعالاً لا اقوالاً، ستتغير الصورة، وسنجده يذهب اليهم بنفسه مستجدياً، وليس العكس.


القدس العربي