رمز الخبر: ۱۲۱۳۸
تأريخ النشر: 10:47 - 19 April 2009
جواد البشيتي
زيارة أوباما لتركيا.. بين الظاهر والكامن من الأهداف!

عصرایران - وَجْه آخر من (التغيير)، الذي وعد به، رأيناه إذ برَّ الرئيس أوباما بوعده أنْ يخاطب العالم الإسلامي (بلغة جديدة، أو بلهجة جديدة) عَبْر دولة إسلامية يزورها، بصفة كونه رئيساً للولايات المتحدة، ولقد انتهى التخمين والتكهُّن، فتركيا هي تلك الدولة الإسلامية التي وَقَعَ اختيار الرئيس أوباما عليها لتكون المنبر الذي منه يخاطب العالم الإسلامي، (معيداً الأمور إلى نصابها)، أو مُصْلِحاً ما أفسده سلفه الجمهوري، رئيس (الحرب على الإرهاب)، والتي خاض غمارها بما حَمَلَ كثيراً من المسلمين على النظر إليها على أنَّها استئناف ل(الحرب الصليبية)، أو حرب على المسلمين، والعالم الإسلامي، وعلى الإسلام نفسه.

الرئيس أوباما خاطب النواب الأتراك قائلاً: الولايات المتحدة هي مسيحية من الوجهة الدينية، فغالبية سكانها من المسيحيين، ولكنها ليست ب(دولة مسيحية)، وتركيا تشبهها، فهي إسلامية من الوجهة الدينية، لأنَّ غالبية سكانها من المسلمين، ولكنها ليست ب (دولة إسلامية).

أوباما، وبصفة كونه رئيساً للولايات المتحدة، لم يَزُرْ إسرائيل، أو لم يزرها بعد، فإذا زارها، وخاطب الإسرائيليين من منبر الكنيست، فإنَّي أتوقَّع أنْ يتحدَّث بما يُظْهِر ويؤكِّد التزامه المنطق ذاته، فإسرائيل، على ما ينبغي لأوباما أن يقول، تشبه الولايات المتحدة وتركيا، فهي يهودية من الوجهة الدينية، لأنَّ غالبية سكانها من اليهود، ولكنها ليست، ويجب ألاَّ تكون، (دولة يهودية)، فهلاَّ يفعلها، فنصفِّق له، نحن و(التغيير) ذاته، كثيراً.

نتمنى أن يكون مُحبَّاً لأرسطو أكثر، فلا يحاول أن يصوِّر لنا اليهود على أنَّهم الاجتماع الاستثنائي بين (الدين) و(القومية)، لأنَّه، عندئذٍ، سيؤكِّد لنا أنَّ البديهية الهندسية يمكن ويجب اغتيالها إذا ما تعارضت مع مصالح (شعب الله المختار). إنَّ أخذه بالمنطق ذاته يُلْزِمه أنْ يَرْفُض أنْ يُنْظَر إلى يهود العالم اليوم، أو يُعاملوا، على أنَّهم (شعب)، أو (جماعة قومية)، لأنَّهم يدينون بديانة عِرْق قد باد وانقرض منذ آلاف السنين، وغدا البحث والتنقيب عنه من اختصاص علم (الهندسة الوراثية).

رحم الله (المثل الديمقراطي الأعلى)، أي العراق، على ما أراد له بوش أن يكون، على ما زعم، فتركيا اليوم هي المثل الأعلى للعالم الإسلامي، وأحسب أنَّ الرئيس أوباما قد زكَّاها لقيادة العالم الإسلامي، فهي همزة الوصل، جغرافياً وثقافياً، بين الشرق الإسلامي والغرب الأوروبي المسيحي، والعضو المهم الآن، وأكثر من ذي قبل، في حلف الناتو، الذي يُعْمَل على توسيعه، جغرافياً، ولجهة مهماته أيضاً، وهي التي ستفتح أبوابها على مصاريعها ل(المارينز) العائدين إلى الوطن من العراق، وقد تفتح باباً من أبوابها لمغادرة مزيدٍ من جنودها (المدنيين) إلى أفغانستان، التي يحاول الرئيس أوباما نصراً فيها.

وتركيا بما تحمله في يدها من مفاتيح كثيرة يمكن أن تكون مفتاحاً كبيراً في يد الرئيس أوباما، الذي سيتوفَّر على تذليل كل العقبات، وفي مقدَّمها عقبة ساركوزي، من طريق انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فإنَّ لندن وأنقرة يمكن أن تفيدا واشنطن كثيراً في سعيها (المهذَّب هذه المرَّة) إلى تقليص نفوذ (محور باريس. استراتيجي) آخر في آسيا الوسطى (في بعضٍ جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق في هذه المنطقة) حيث الثروة النفطية الهائلة في بحر قزوين، وحيث خطوط أنابيب النفط والغاز تمتد من هنا إلى أوروبا الغربية.

وتريد للعراق (وأفغانستان) أن يكون قاعدتها العسكرية الاستراتيجية الإقليمية الأولى، فهذا البلد يستمدُّ أهميته الاستراتيجية (بالنسبة إلى الولايات المتحدة) من احتياطه النفطي الهائل، ومِمَّا يتمتع به نفطه من خواص إيجابية كثيرة، ومن كونه يتوسَّط نفط بحر قزوين ونفط الخليج الفارسي.
وإذا كانت الولايات المتحدة تستهدف ترسانة الصواريخ النووية الروسية بالدرع الصاروخية التي تعتزم نشر أجزاء منها في بولندا وتشيكيا فإنَّ انتشارها العسكري (التقليدي اليوم، والنووي غداً) على مقربة من أهم مصادر الطاقة النفطية في العالم (مَصْدَر بحر قزوين على وجه الخصوص) وفي محاذاة خطوط الأنابيب الجديدة، يستهدف (ترسانة الطاقة الروسية (من غاز ونفط)، فصراع النفوذ بين الولايات المتحدة وروسيا في أوروبا الغربية يُتَرْجَم الآن بصراعٍ بين (الأنابيب)، أي بين أنابيب نقل الطاقة الروسية إلى أوروبا الغربية و(الأنابيب البديلة والمضادة)، التي تتوفَّر الولايات المتحدة على إنشائها.

لقد جُرِّدت روسيا حتى الآن من سلاحين من أسلحتها الأربعة الإستراتيجية.. من (سلاحها العقائدي)، أو ما كان يسمَّى (النظام الشيوعي)، ومن (سلاحها الإمبراطوري)، أي إمبراطوريتها السوفياتية، وامتدادها في أوروبا الشرقية.

والآن، تخوض الولايات المتحدة حرباً (ناعمة) ضد روسيا من أجل تجريدها من سلاحيها الأخيرين: (الترسانة النووية) و(الترسانة الطاقية (أي نفوذها في أوروبا الغربية المتأتي من تزويدها الاتحاد الأوروبي بالنفط والغاز).

من أذربيجان، وضدَّ (ممرَّات الطاقة) الروسية إلى أوروبا عبر الأراضي الروسية، تُنْقَل (الطاقة) عبر الأراضي الجورجية إلى تركيا (ومنها إلى أوروبا) أو إلى البحر الأسود، أي غرب جورجيا، ومنه إلى أوروبا.

إنَّ للاتحاد الأوروبي مصلحة في بقاء (ممرَّات الطاقة) عبر الأراضي الجورجية سالمةً آمنةً، ولقد سعت الولايات المتحدة إلى (تحريره) من روسيا، نفطاً وغازاً، وإخضاعه، بالتالي، لها، نفطاً وغازاً، عبر أنبوب (نابوكو ۳۳۰۰ كلم)، الذي سيبدأ إنشاؤه سنة ،۲۰۱۰ ويصبح جاهزا للتشغيل سنة .۲۰۱۳

وكان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قد زار بروكسل سعياً إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي على تزويده نفطاً، وكذلك غازاً عبر هذا الأنبوب، الذي سيُكسِب تركيا، في المقام الأول، مزيداً من الأهمية الاستراتيجية في الأمن الطاقي للاتحاد الأوروبي، الذي تلبي له روسيا ربع احتياجاته من الغاز. وقد قامت روسيا بإنشاء خط منافس لينقل الغاز الروسي من البحر الأسود إلى إيطاليا، مروراً بصربيا وبلغاريا، وقد ينتهي العمل به قبل خط (نابوكو).

لقد (اكتشف) الرئيس أوباما تركيا، ولكن متى؟

عندما قرَّرت الولايات المتحدة أن يكون عهد أوباما عهداً جديداً لحلف (الناتو)، فهذا الحلف لا خيار لديه الآن إلاَّ أن (يكتشف)، مع الرئيس أوباما، أهمية تركيا، وأهمية موقعها الجيواستراتيجي) بين روسيا الاتحادية والاتحاد الأوروبي، و(المنطقة الوسطى) التي يمكنها الإفادة منها كثيراً في ممارسة الضغوط الإستراتيجية على الطرفين، أي على روسيا والاتحاد الأوروبي.

وتريد الولايات المتحدة لهذا (الحاجز) أن يكون متَّصِلاً متَّحِداً مع (حاجز جيو(فارسيتها)، فقد دعاها الرئيس أوباما إلى أن تختار أمراً من أمرين، صوَّرهما على أنَّهما متناقضان، يستحيل الجمع بينهما، فهي إمَّا أن تتوفَّر على (البناء العسكري)، وهو (الرذيلة بعينها)، وإمَّا أن تتوفَّر على تسليح نفسها بالحضارة، وهو (الفضيلة بعينها)، وكأنَّ هذه (الفضيلة) وتلك (الرذيلة) لم تجتمعا في الولايات المتحدة، وفي إسرائيل أيضاً!

الرئيس أوباما لا يقف من (القنبلة النووية) موقفاً (مُطْلَقَاً)، فهي شرّ مستطير إذا كانت في يد إيران، وخير عميم إذا كانت في يد إسرائيل.

ودرءاً لهذا الشر النووي والصاروخي الإيراني، شرع الرئيس أوباما يحاول إقناع الروس بأنَّ باريس عاصمة بريطانيا إذ قال لهم وكأنَّه يقترح عليهم صفقة: قفوا معنا ضدَّ البرنامج النووي الإيراني، وضد الترسانة الصاروخية لإيران، فنقف معكم في سعيكم إلى إزالة بواعث خوفكم وقلقكم من الدرع المضادة للصواريخ، والتي نعتزم نشر أجزاء منها في بولندا وتشيكيا، فلولا الصواريخ الإيرانية، التي قد تزوَّد، مستقبلاً، رؤوساً نووية لما قرَّرنا نشر تلك الأجزاء.

الروس لم يقتنعوا بأنَّ باريس هي عاصمة بريطانيا، لأنْ ليس في ذلك شيء من المنطق، ولأنَّهم مقتنعون بأنَّ (أوباما الأفغاني) في أمسِّ الحاجة إليهم، فإذا كان لا بدَّ من صفقة فَلْتَحِلَّ أفغانستان محل إيران في تلك المعادلة.

وإيران، على ما يَعْلْم الرئيس أوباما، ليس لديها من نزاع المصالح مع بولندا ما يحملها على إطلاق صواريخها (التقليدية أو النووية) على أراضيها، أمَّا روسيا (ومعها إيران) فتَعْلَم أنَّ الولايات المتحدة لم تتخلَّ بَعْد عن كثير من ذهنية وروح الحرب الباردة، فهي مستمرة في النظر إلى أوروبا الجديدة)، أي إلى دول أوروبا الشرقية، على أنَّها (الحاجز الجيوبرلين).

أمَّا إيران (الشعب والقيادة) ذات (الحضارة العظيمة).. و(العظيمة) ب استراتيجي على وجه الخصوص، وها هو الأمين العام الجديد للحلف يتعهد بالتعاون الوثيق مع هذا (الحليف الوثيق)، و(الشريك الاستراتيجي المهم)، أي تركيا.

الرئيس أوباما نظر إلى القرن الحادي والعشرين من (النافذة الأمنية .الاستراتيجية)، فرأى (القنبلة النووية) وهي تتحوَّل، أو توشك أن تتحوَّل، إلى سلاح في يد (الفقراء)، وكأنَّها أضحت سلاحاً لا يحتاج صنعه وحيازته إلى كثير من المال والجهد والوقت.

وهذا الذي رآه قاده إلى استنتاج مؤداه أنَّ عالماً يخلو من السلاح النووي يمكن أن يكون أفضل للولايات المتحدة إذا ما قرَّرت المضي قدماً في محاولتها قيادة العالم، فكوريا الشمالية، مثلاً، يمكنها أن تصنع قنبلة نووية، وصاروخاً يسقط في آلاسكا، ولكنها لن تتمكَّن من صنع طائرة كطائرة (ستيلث).

وهذا الفرق الذي حدث هو ما جعل الولايات المتحدة، في عهد أوباما، تتخلَّق بأخلاق نووية حميدة، فتدعو، من خلال (رئيس التغيير)، وفي حشد شعبي أوروبي، إلى قيام عالمٍ يخلو تماماً من السلاح النووي، وتدَّعي، في الوقت نفسه، أنَّ (الإثم النووي) الذي ارتكبته، (عن اضطِّرار)، في هيروشيما ونكازاكي، قد علَّمها الآن (الفضيلة النووية)، فعالم يخلو من السلاح النووي، تقوده، أو تحكمه، الولايات المتحدة، هو (أجمل وأبقى)!
الوطن - عمان