رمز الخبر: ۱۲۴۹۷
تأريخ النشر: 12:13 - 30 April 2009
محمد أبوالفضل

إصلاح ما أفسده بوش في أميركا اللاتينية

عصرایران - اتسمت العلاقات الأميركية في عهد إدارة الرئيس السابق جورج بوش (الابن) بالتوتر مع دول كثيرة. وبدت واشنطن في نظر دوائر متعددة وكأنها (شيطان) يريد أن يفرض إرادته على الجميع ويملي كلمته على الأعداء قبل الأصدقاء ويستحوذ على ثروات الدول الفقيرة والنامية. ودخلت هذه الإدارة في خلافات وصدامات متباينة أفقدت الولايات المتحدة جزءا من بريقها السياسي وحضورها الاقتصادي وحتى دورها المعنوي اعتراه الصدأ. وكانت دول أميركا اللاتينية في مقدمة الدول التي انعكست عليها نتائج هذه الاجراءات. وبدأ الموقف وكأن هناك تباعدا من الصعوبة إصلاحه أو ترميمه بين الجانبين.

عندما طويت صفحة عهد بوش بمراراتها وعذاباتها تفاءلت دوائر كثيرة بخلفه باراك أوباما. وكانت قيادات أميركا اللاتينية هي الأكثر تفاؤلا بالرجل. فقد أدت سياسات سلفه إلى اهتزاز صورة الولايات المتحدة، خاصة أن العداء مع دول مثل المكسيك والبرازيل والأرجنتين تراجعت وحل مكانها الخلاف، الذي أوشك أن يصل إلى صدام على صخور المصالح المتضاربة. وبدأ المشاغبون والمارقون والخارجون عن الطوق، وفقا لبعض التصنيفات الأميركية، يشتد عودهم ويمثلون تهديدا حقيقيا لجملة كبيرة من الحسابات الأميركية. وأخذت ما يعرف بديمقراطية الصاعد في القارة اللاتينية تتسبب في إزعاج المصالح الأميركية القريبة والبعيدة. فتأثير الخروج على النص الذي أجادته كوبا والتحدي الذي أمعنت فيه فنزويلا امتد إلى خارج محيط القارة اللاتينية، وأكدت أن مناطحة واشنطن مفيدة سياسيا وربما اقتصاديا.

جاء إعجاب غالبية دول أميركا اللاتينية بالرئيس الأميركي الجديد من رحم ثلاثة عوامل رئيسية. الأول، شخصية أوباما القوية والعصامية التي أضفت عليه حضورا واسعا في الأوساط المختلفة. ولفتت انتباه الأميركيين وغيرهم. فهو يتسم بمميزات القائد - الكاريزما، بخلاف بوش الذي اعترف في أواخر أيامه بخطأ كثير من سياساته. والثاني، لون بشرة الرجل التي تميل الى السمرة. فلأول مرة يصل الى البيت الأبيض رئيس من أصول إفريقية. وتكمن أهمية الإشارة لهذه الصفة من انتماء عدد كبير من مواطني دول أميركا اللاتينية لجذور افريقية. لذلك تبدو فرص الحوار وإمكانية التفاهم عالية. والثالث، تأكيد أوباما على تبنيه توجهات تقوم على التغيير. وهو الشعار الذي رفعه إبان حملته الانتخابية وواصل العمل به بعد نجاحه في الانتخابات الرئاسية. ولا يقتصر على السياسات الداخلية، بل هو أحد الأعمدة الجدية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة في عهد أوباما. ومن يعيد قراءة رسائله للعراق وإشاراته نحو ايران وحتى تلميحاته لكل من كوبا وفنزويلا سيتأكد أن أوباما عازم على تبني تصورات والقيام بتصرفات مغايرة لبوش.

الحاصل أن قارة أميركا اللاتينية تمثل أهمية استراتيجية فائقة في السياسة الأميركية. فهناك مصالح متشابكة وحسابات معقدة. وفي هذا السياق قال باراك أوباما في خطاب ألقاه أثناء جولته الانتخابية في الإسكندرية بولاية فرجينيا (لقد شُغلنا مطولا بالعراق والشرق الأوسط وأهملنا أميركا اللاتينية وهي حديقتنا الخلفية). وما يقلق واشنطن أن دولا كثيرة بدأت تتكالب على هذه القارة وتضاعف استثماراتها. فالصين مثلا تقوم بإرسال الدبلوماسيين وخبراء التنمية الاقتصادية الى هناك ولا تتوانى عن إنشاء الطرق في جميع أنحاء القارة. بتعبير آخر، إهمال الولايات المتحدة الطويل لأميركا اللاتينية وفر لها قدرا أكبر من الحرية لتقوم بالتبادل التجاري مع بكين، التي أصبحت تشكل تهديدا مؤكدا لمصالح الشركات الأميركية.

الواضح أن السياسة الخارجية الأميركية في عهد باراك أوباما تقوم على أساس التزاوج بين المبادئ والمنهج العملي. وخلال قمة العشرين أكد أوباما للزعماء الأميركيين أن بلاده ترغب في تغيير علاقاتها مع جيرانها من خلال بناء (شراكة متكافئة)، مشيرا إلى عدم وجود شريك كبير أو صغير في علاقات واشنطن، هناك فقط تعاون على أساس الاحترام المتبادل والمصالح والقيم المشتركة. من هنا تبدو واشنطن غير قادرة على مواجهة التغيرات العالمية الكبيرة بمفردها، وأن الطريقة المثلى لتقليل التهديدات العالمية هي رعاية وقيادة التعاون الدولي. وفي قمة الأميركتين التي عقدت في ترينداد وتوباجو تعهد أوباما بالتعاون مع الحكومة الكوبية في عدد كبير من القضايا. وقال: (أثق بأننا نستطيع تحريك العلاقات الأميركية الكوبية في اتجاه جديد)، معلنا تخفيف القيود على السفر وتحويل النقود إلى كوبا وأعطى الضوء الأخضر للشركات الأميركية لاستكشاف أسواق الاتصالات وخدمات الإذاعة والتلفزيون عبر الأقمار الصناعية في الدولة الكاريبية.

وأوضح أوباما في مقال بعنوان (قمة التغيير) أن قمة الأميركتين مثلت فرصة لبداية جديدة، موضحا أن دفع الإزدهار والأمن والحرية لشعوب الأميركتين يتوقف على شراكات القرن ال۲۱ والتحرر من الماضي.

تكشف المعطيات السابقة عن أهمية الإعلاء من قيمة الاعتراف بالمصالح المشتركة بين الولايات المتحدة وكل بلدان العالم. فثمة اتجاه لتطوير العلاقات مع البلدان الحليفة والصديقة. وكذلك هناك عزيمة واضحة لإعادة النظر في العلاقات السلبية مع الدول التي دخلت واشنطن في عداءات معها، وتغليب توجهات الحوار على الخصام والحلول الدبلوماسية على الأدوات العسكرية. وفي هذا المضمار يتوقع كثير من المراقبين أن تشهد العلاقات الأميركية مع غالبية دول القارة اللاتينية تحسنا ملحوظا. وقد بدأت علامات وتجليات هذا المنحى في الظهور إبان قمة الأميركتين. وعلى أثرها خرجت قيادات متعددة بانطباعات تشير إلى إمكانية تصويب مسار العلاقات السابقة وتصحيح ما اعتراها من توتر وما شابها من غموض، لصالح بناء علاقات متوازنة تقوم على أساس الاعتراف بالمصالح المشتركة.

يمكن الإشارة إلى بعض المحددات التي تمثل ركيزة أو عنصرا تنطلق منه العلاقات المستقبلية بين الطرفين. مثل، تنامي المصالح الاقتصادية، ففي ظل الأزمة المالية التي ضربت جزءا معتبرا من هياكل المؤسسات الأميركية وأرخت بظلالها السلبية على المنظومة الاقتصادية في معظم دول أميركا اللاتينية، أضحى من الضروري البحث عن أطر مشتركة تخفف من تداعيات الأزمة. وعلى ضوء الاتجاه المتزايد لشراكة عمادها التعاون والتنسيق سوف تكون الفرصة مواتية لتعزيز المصالح المتبادلة. فضلا عن تذويب المشاكل الناجمة عن ارتفاع معدلات الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة. فقد فشلت الإدارات الأميركية في حلها بالطرق الإقصائية. لذلك فالتقارب بين الجانبين يمكن أن يساعد على التفاهم لإيجاد وسائل مرنة لهذه المشكلة التي قضت مضاجع كثير من الرؤساء الأميركيين وأدخلتهم في مناوشات وتجاذبات مع عدد من دول أميركا اللاتينية. وربما يسهم حل هذه المشكلة في قطع شوط كبير لترطيب الأجواء في ملفات أخرى لا تقل حيوية تتعلق بالحدود الجغرافية، التي كانت سببا لاندلاع كثير من المشكلات البينية. علاوة على التغيرات المناخية المنبثقة عن الانبعاثات الحرارية التي يتردد أن الولايات المتحدة ومصانعها مسؤولة عنها. بالتالي فالتعاون المشترك يمكن أن يؤدي الى إزالة سوء التفاهم وتخفيف حدة الاحتقانات الناتجة عن هذا النوع من المشكلات.

رغم النتائج الإيجابية التي خلفتها قمة الأميركتين، إلا أن هناك منغصات قد تتزايد وتفرض فرملة التوجهات الرامية لتحسين العلاقات. أبرزها، مصالح القوى اليمينية المتطرفة داخل الولايات المتحدة والمعادية أصلا لمبدأ الهجرة الجنوبية نحو الشمال. ومع أن انتخاب أوباما عكس جانبا مهما في العقلية الأميركية وصهر بعض الخلافات العرقية، لكنه أيضا ضاعف من مخاوف أجنحة في التيار اليميني المتشدد، ترى أن صعود أوباما سيؤدي الى انفتاح يتسبب في تشجيع الهجرة إلى الولايات المتحدة. بالتالي من الراجح أن يشن أنصار هذا التيار هجوما قويا على أي توجه أميركي لتطوير العلاقات مع دول القارة اللاتينية. كما أن عصابات التهريب الرائجة سوف تقوم بممارسات مناهضة للخطوات الصارمة لضبط الحدود. ناهيك عن غضب أو ضيق بعض الأوساط المسيحية في الولايات المتحدة. لذلك فنجاح أوباما في إصلاح ما أفسده بوش في أميركا اللاتينية، لا يتوقف على النوايا الحسنة، بل سيكون رهينة لمجموعة من العوامل الداخلية، التي يمكن أن تسرع أو تبطئ التصورات الإيجابية لتغيير كثير من أنماط السياسات الأميركية السابقة.

عمان- عمان