رمز الخبر: ۱۲۶۴۵
تأريخ النشر: 13:46 - 05 May 2009
د. عبدالله الأشعل

هل يمكن إنقاذ حياة غزة؟

عصرایران - يبدو أن العالم كله قد ترك مأساة غزة وفق تصرف إسرائيل حتى تكمل إبادة هذا الشعب بعد أن دمرته ودمرت مرافقه ومساكنه ومؤسساته في يناير. بعد الوقف الرسمي للمحرقة العسكرية استمرت المحرقة الإنسانية، حيث لا يزال الحصار مفروضاً والغارات مستمرة، والاغتيالات لم تتوقف وإغلاق المعابر قائما - بشكل شبه دائم - رغم مطالبة معظم دول العالم بفتح المعابر حتى تمر مواد إعادة إعمار غزة، علماً بأن مؤتمر شرم الشيخ قد أسرف في وعوده المالية امتصاصاً للنقمة الجنائية، وإبراء للذمة السياسية. وهو يعلم أن كل ذلك لن يتحقق ما دام السجن مستمراً لمليون ونصف هم سكان غزة. المشهد الآن يدعو للرثاء، في ظل المعاناة والاستهداف وسط الدمار والركام بعد أن قررت إسرائيل معاقبة المقاومة على تصديها للاحتلال، مثلما قررت أن قادة المحرقة أبطال، وأقسم أولمرت بحمايتهم من أي ملاحقة قضائية، وتجاوب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية مع إسرائيل. ومن الغريب أن يحتفل العالم، وكله أسى بعد وقف المحرقة بأيام، يوم ۲۷ يناير الماضي، بالذكرى السنوية لمحرقة اليهود في ألمانيا، التي دفع العرب ثمنها غالياً، وهي المحرقة اليومية لشعب فلسطين البريء واغتصاب حقه في الحياة والأرض، ولم يرمش جفن المحتلين بمحرقة اليهود وهم لا يزالون في أعقاب محرقة غزة.


والغريب أنه رغم جريمة المحرقة، لا تزال إسرائيل قادرة على فرض شروطها على العالم بمساندة أميركية مطلقة. فالأصل أن يتم استكمال الإبادة، ولا تتردد إسرائيل عن الإعلان أنها تعد لمحرقة أخرى لإكمال الأولى، لأنها وجدت تشجيعاً حتى داخل العالم العربي ولو بشكل غير مباشر.

وشروط إسرائيل هي أن يشكل الفلسطينيون حكومة وحدة وطنية تحظى باعتراف العالم، وحددت واشنطن أنها لن تعترف بأي حكومة لا تؤكد على الاعتراف بإسرائيل. وأظن أنه بعد إعلان نتانياهو أن يعترف الفلسطينيون بيهودية الدولة العبرية، فإن الحكومة المقبلة يجب أن تعترف بذلك، أي التنازل عن كل حقوق الفلسطينيين، وترحيل عرب ۱۹۴۸ الى الدول المجاورة والرضا بحالة اقتصادية معقولة، ونسيان فكرة الدولة واللاجئين والقدس وغيرها، وأن توقع هذه الحكومة على اتفاق سلام مع إسرائيل يضمن هذه المسائل لإسرائيل. إذا حدث ذلك تفتح المعابر كاملا، ويرفع الحصار وتدخل مواد الإعمار وتتدفق أموال وعود الإعمار وتتحول غزة الى خلية نحل توحي بمستقبل زاهر. لكن موقف الفلسطينيين إذا وافقوا على طلبات إسرائيل سيكون مقدمة لحرب أهلية طويلة، وإنهاء لكل القيادات السياسية لحماس وفتح، ودخولهم في فوضى تعود بعدها الأراضي الفلسطينية جاهزة للدولة اليهودية.

واللافت للاهتمام أن الدولة العبرية التي تسعى لإنجاح الحوار الفلسطيني وتوصيله الى الحكومة الموعودة لا تجادل في أن تستوفي هذه الحكومة الموافقة على الشروط الإسرائيلية، رغم أنها حتى لو اعترفت بإسرائيل فإن إسرائيل ستطالب حينذاك بمحاكمة رؤوس الفتنة من زعماء المقاومة ومن تلطخت أيديهم بدماء الإسرائيليين.

ولما كان الحوار الفلسطيني فيما يبدو لن يسفر عن شيء، وأن الحكومة الموعودة لا يمكن أن تفي بشروط إسرائيل، فإن معنى ذلك أن سكان غزة يموتون ببطء وتتآكل المقاومة بفضل الحصار ولا يجوز للعالم المتحضر أن يسمح برهن حياة سكان غزة بابتزاز سياسي اسرائيلي رخيص. فهناك أطراف عربية ترى أن الاتفاق الفلسطيني على تسوية وضع غزة في الإطار الفلسطيني هو الخطوة الأولى في سبيل إنقاذ غزة، وهو وضع ضاغط بلا شك على حماس وحدها فيما يبدو. هذا الموقف ينسجم مع موقف إسرائيل، ولكن من زاوية مخالفة، حيث لا تريد إسرائيل مقاومة في غزة حتى يمكن أن تقتنع بأن شعبها ليس مقاوماً ويستحق الحياة. ولذلك يجب أن يفصل العالم تماماً بين متطلبات البقاء لشعب يتهدده الفناء، وبين هذه التعقيدات السياسية التي تتاجر بمحنته، سواء من جانب إسرائيل أو غيرها. والنقطة الأساسية هي، كيف يرغم العالم إسرائيل على رفع الحصار وفتح المعابر في جميع الأوقات ودون شروط؟

قد يحتج البعض بأن تدويل المعابر - اذا حدث وهو أمر جدلي - يخنق المقاومة، ولكني أقول: إن المقاومة في ظل هذا الوضع تعاني اختناقاً أشد. إن رفض فتح المعابر يعني استمرار جريمة إبادة سكان غزة، وإن وقف هذه الجريمة ليس له مقابل سياسي، ولا علاقة مطلقاً له بصلب المشكلة.
أنقذوا غزة من الحصار والموت بعد أن عجز العالم عن إنقاذها من المحرقة.
عمان- عمان