رمز الخبر: ۱۲۶۵۲
تأريخ النشر: 15:19 - 05 May 2009
فؤاد دبور
عصرایران - شكل اغتيال الرئيس رفيق الحريري في الرابع عشر من شهر شباط عام ۲۰۰۵ حدثا سياسيا كبيرا ألقى بتداعياته على لبنان وسورية والمنطقة حيث وظفته الإدارة الأميركية، إدارة الرئيس السابق جورج بوش، وفرنسا جاك شيراك، ومعهما الزمرة التابعة ضد سورية والقوى الوطنية اللبنانية ووظفته لتطبيق بنود القرار ۱۵۵۹ الذي عملت هذه الجهات ومعها الكيان الصهيوني على استصداره ضد سورية والمقاومة اللبنانية والفلسطينية. كما احدث هذا الاغتيال جرحا دمويا عميقا تم استغلاله للتمهيد لمخاض يهدف لإنتاج شرق أوسط جديد طالما عملت الجهات الأجنبية على إيجاده من اجل إعادة ترتيب المنطقة وفقا لمصالحها عبر خلق الفتن والتحريض والحروب الدامية وهذا ما عبرت عنه وزيرة خارجية إدارة بوش أثناء الحرب العدوانية على لبنان في الثاني عشر من تموز عام ۲۰۰۶م.

وقد تبنت الزمرة التي تطلق على نفسها ۱۴ آذار بعد الاغتيال، خطابا سياسيا انطوى على الكثير من المغالطات والحق الضرر بوحدة لبنان وعروبته ومقاومته للعدو الصهيوني الطامع بلبنان ومياهه. وقد مثل هذا الخطاب خلاصة افكار مجموعة من امراء الحرب الأهلية التي اندلعت في نيسان عام ۱۹۷۵م حيث مثل قادة الحرب هؤلاء المحور الناظم لتحركات قوى الرابع عشر من آذار بالشراكة مع طموحات وامال مجموعة من شخصيات طارئة على العمل السياسي اسهموا جميعا في بلورة خطاب سياسي بعيد عن المضمون الوطني لأنه جاء صدى لسياسات واملاءات خارجية وجدت في الاغتيال، الذي يمكن أن تكون هي قد قامت به، ووضعته في إطار لجنة تحقيق دولية ذات أهداف سياسية بهدف توجيه الاتهام إلى جهات وطنية لبنانية والى سورية حتى يتسنى لها إبعاد سورية عن لبنان والاستفراد به عبر الزمرة اللبنانية التابعة لادخال هذا البلد في المشروع الأميركي الصهيوني الفرنسي في المنطقة.

وقد تجسد هذا الأمر عبر طلب مجلس الأمن الدولي الخاضع والمنفذ كليا للسياسات الأميركية بعد وقت قصير من عملية الاغتيال تقريرا عاجلا عن ظروف الاغتيال واسبابه وعواقبه حيث ارسل في الرابع والعشرين من شباط (عام ۲۰۰۵)، أي بعد عشرة أيام من عملية الاغتيال مجموعة تحقيق دولية برئاسة الايرلندي بينر فيتزجيرالد وقد اتمت هذه المجموعة جولتها الأولى من التحقيقات بتوجيه الاتهام إلى ما يسمى بالجهاز الأمني اللبناني - السوري أي إلى الضباط الاربعة الذين يقودون الأجهزة الأمنية والحرس الجمهوري، والى ضباط اخرين من المخابرات العسكرية السورية، بذريعة أن هؤلاء القادة اقدموا على طمس بعض الادلة لاقفال الباب امام التحقيقات في عملية الاغتيال، وتحميل سورية مسؤولية انعدام وجود الأمن والنظام في لبنان وخلق أوضاع سياسية متوترة في لبنان قبل عملية الاغتيال.

وبعد أن انهى جيرالد عمله، كلف الأمين العام في ذلك الوقت، كوفي انان، القاضي الالماني ديتلف ميليس بقيادة عملية التحقيق وتم ذلك في الخامس عشر من أيار عام ،۲۰۰۵ والذي أعلن بدوره انه سوف يكشف ملابسات جريمة الاغتيال خلال الاشهر الثلاثة بعد تكليفه وقد ركز البحث عن هدف ثابت يقود لاتهام سورية.

وهكذا استطاع أن يضمن عبر شهادات مزورة صنعتها شخصيات سياسية وأمنية من قوى ۱۴ آذار بالتعاون مع اجهزة أمنية خارجية من أبرزهم هسام طاهر هسام، ومحمد زهير الصديق، استصدار أمر من قاضي التحقيق اللبناني، الياس عيد، والذي استقال في مرحلة لاحقة قد تكون أسبابها صحوة ضمير، باعتقال الضباط الاربعة، اللواء جميل محمد السيد، مدير الأمن العام اللبناني، اللواء علي صلاح الدين الحاج مدير الأمن الداخلي، العميد ريمون فؤاد عازار رئيس الاستخبارات العسكرية العميد مصطفى فهيم حمدان قائد الحرس الجمهوري وقد تم ذلك استنادا إلى الشهادات المزورة بأن هؤلاء الضباط قد قاموا بالاعداد والتخطيط بالتعاون مع ضباط سوريين لاغتيال الحريري، وقد بقي هؤلاء الضباط رهن الاعتقال والحجز في سجن رومية اللبناني ما يقارب الاربع سنوات رغم انكشاف عملية التزوير حيث تراجع الشاهد المصنوع هسام طاهر هسام عن اقواله التي اعطاها إلى لجنة التحقيق الدولية مؤكدا على أن هذه الاقوال تم تلقينها له وتم اغراؤه بالمال من اجل أن يدلي بها، كما أكد أنها انتزعت منه بالتعذيب واعطائه المخدرات وهكذا أيضا كان موقف محمد زهير الصديق الذي تم تهريبه إلى باريس ووضعه تحت حماية اجهزة امن جاك شيراك حيث تراجع الصديق عن شهادته واصبح متهما بتضليل التحقيق بدلا من أن يكون شاهدا أساسيا في احتجاز الضباط الاربعة.

وقد فتح أبعاد هؤلاء الضباط الطريق أمام المخابرات الأجنبية وخاصة الأميركية والفرنسية والصهيونية للعمل بحرية أكثر في لبنان. حيث أصبحت الأجهزة الأمنية في لبنان بدون مرجعية وتحت قيادة واشراف ضباط ادنى رتبة واقل خبرة من الضباط الاربعة. بمعنى أن احتجاز الضباط الاربعة دون ادلة صحيحة لم يكن إلا موقفا سياسيا شاركت فيه قوى خارجية وداخلية لبنانية وان القضاء اللبناني قد رضخ لهذه القوى ونفذ إرادتها السياسية، وقد ظهر وبشكل واضح، وفق ما أعلنه اللواء جميل السيد أن هذه القوى لم تكن تبحث عن حقيقة من اغتيال الحريري بل كانت تعمل على الاساءة لسورية والقوى الوطنية اللبنانية، حيث قال اللواء السيد في مقابلة تلفزيونية بعد إطلاق سراحه حاول ميليس مساومتي بالبحث عن ضحية سورية أو لبنانية يعترف بأنه قد ارتكب الجريمة وينتهي الأمر وإلا فإنك سوف تدخل السجن. وجاءت المحكمة الدولية، التي تولت كل ما يتعلق بقضية الاغتيال اعتبارا من الأول من آذار عام ۲۰۰۹م لتعلن في التاسع والعشرين من نيسان إطلاق سراح الضباط الاربعة استنادا إلى تناقضات شهادات شهود الزور وتراجعهم عن شهاداتهم وخاصة الشاهد الرئيس، محمد زهير الصديق، مما يجعل قاضي الإجراءات التنفيذية يقرر انه لا يجوز الاستمرار في توقيفهم وابقائهم قيد الاحتجاز دون قرينة أو دليل لأكثر من ۹۰ يوما، وانه وتنفيذا لمبدأ قرينة البراءة لعدم كفاية الادلة حيث أن المعلومات التي في حوزته ليست موثوقة فإنه يأمر بالافراج عنهم فورا، وهذا القرار من المحكمة الدولية شكل صفعة للقضاء اللبناني الذي ابتعد عن الحق والعدل عبر ارتهانه للقرار السياسي للزمرة اللبنانية ومن يقف وراءها والتي كان هدفها الأساسي توظيف اغتيال الحريري لخدمة اغراض سياسية ضد سورية والمقاومة اللبنانية عبر الضغط لتنفيذ البند الخاص بسلاح المقاومة في قرار مجلس الأمن الدولي رقم ،۱۵۵۹ ولما فشلوا في ذلك قامت حكومة الإرهابي الفاسد اولمرت بشن عدوان الثاني عشر من تموز ۲۰۰۶م للقضاء على المقاومة وتدمير سلاحها، ولكنهم باؤوا بالفشل وانتصرت المقاومة ولبنان الوطني.

ونؤكد على الجهد الدولي الموضوعي الصادق والنزيه حيث تتوفر مبادئ العدالة والحياد واحترام القوانين كناظم وحيد لتلك الجهود بعيدا عن المحاولات المشبوهة الهادفة إلى تحقيق أهداف سياسية تخدم القوى الأجنبية والتطلعات الذاتية للزمرة المتعطشة للسلطة على حساب دم الحريري على حساب لبنان وحرية ودماء الابرياء من ابنائه، وبهذا فقط سوف تصل المحكمة إلى الحقيقة. ولكن من يجرؤ على قول الحقيقة، حقيقة من اغتال الرئيس رفيق الحريري؟.
الدستور - الاردن