رمز الخبر: ۱۲۸۴۲
تأريخ النشر: 08:48 - 12 May 2009

عصرایران ـ القدس العربي ـ انشغلت نخبة من السياسيين والمسئولين الاردنيين خلال الاستقبال الملكي الضخم الذي نظم لبابا الفاتيكان بتحديد هوية رجل عجوز يجلس بصمت وهدوء في الصف الاول لكبار المستقبلين بين افراد العائلة المالكة ولا يعرفه الكثيررون من جيل السياسيين والمسؤولين الاردنيين.

التهامس حول هوية الرجل الذي بدا ظاهرا الاهتمام به خصوصا من الحالمين بالجلوس في الصف الاول انتهى باجابة شافية فهمها المهتمون لاحقا بأنه كان جد الملك عبد الله الثاني لوالدته الذي حرص على حضور المناسبة بمعية الحبر الاعظم.
وسرعان ما التقط بعض اللماحين من السياسيين الرسالة والهدف، فوجود هذا الرجل العجوز كان على الارجح مقصودا وسياسيا، لان مجمل صورة استقبال البابا العملاق لم تكن معدة للداخل ولا للمسلمين بقدر ما قصد منها مخاطبة الغرب على هامش زيارة هامة جدا استنفذت عمان كل طاقتها وهي تستثمرها وتوظفها.

صورة اخرى كانت اكثر تأثيرا كما قال سياسي مخضرم لـ "القدس العربي" انها مرسلة لقلب اوروبا عندما تقصد العاهل الاردني استقبال البابا مع ابناء عائلته لاضفاء اقصى طاقات الاحترام والتكريم بحيث تقرأ الزيارة برمتها سياسيا وليس دينيا، رغم ان البابا قال انه حضر بهدف الحج.

عمان قطفت الكثير من وراء ترتيباتها الضخمة لاستقبال البابا، فالامر لم ينته فقط عند حدود تحصيل الاعتراف الفاتيكاني بموقع المغطس وهو اعتراف سينتهي حسب التوقعات بعشرات آلالاف من السياح المسيحين ومن مختلف دول العالم خصوصا بعدما ماطل الفاتيكان سابقا في الامر.

ووزارة السياحة الاردنية تتوقع ان يقلد آلاف السياح البابا في رحلة الحج التلفزيونية التي وقف فيها على جبل نيبو قبل اقامة قداسه الرئيسي في ستاد عمان الدولي وقيامه لاحقا بسلسلة من النشاطات الدينية.

بعض الحوادث التي حصلت في السياق اثارت الكثير من اللغط والجدل في صفوف المواطنين او حتى السياسيين، لكن تلك تم التعامل معها ككلفة مفترضة ويمكن دفعها مقابل عوائد سياسية مفيدة جدا تفاعلا مع الخبرة الاردنية في التعاطي مع الغرب ومؤسساته.

ولذلك حرصت عمان بكل مستوياتها على قراءة سياسية للمشهد انتهت ايضا بقراءة سياسية للنقد الذي تقبلته الحكومة الاردنية خصوصا من بعض المرجعيات الدينية العربية مثل الشيخ يوسف القرضاوي.

التفسير الاردني لاعتراض القرضاوي على زيارة البابا تفسير يربط الاعتراض بدوافع سياسية وليست شرعية اما الحكومة فتجاهلت تماما دعوات الحركة الاسلامية الداخلية للاعتذار من قبل البابا قبل الترحيب به كما تعاملت مع بيان اصدرته مجموعة من المسيحيين الارثدوكس بصفته مناكفة كنسية فقط.

دوائر القرار الاردنية بالتأكيد لها اهداف بعيدة تضمنت بشكل واضح تقبل الكلفة عبر الضجيج او الاخطاء التي رصدت محليا، سواء عندما صدرت عبارات سيئة او غير مفهومة من قبل عريف القداس الرسمي للبابا او سواء من التعليقات التي تحدثت عن دخول البابا للمسجد الاردني مرتديا حذاءه او عندما تعلق الامر بخطاب الباب في جبل نيبو الذي تحدث فيه عن مصالحة بين المسيحيين واليهود متجاهلا المسلمين والبلد الذي يحل عليه ضيفا.

مقابل ذلك، منحت الفاتكيان الاردنيين بعض الامتيازات التي لا يمكن قراءتها الا سياسيا فرحلة الحج بحد ذاتها في ممر عبر مواقع اردنية ستعود بمردود اقتصادي، والمرور الى فلسطين والتقابل حتى مع اسرائيل تم عبر البوابة الاردنية، والاهم ان البابا صمت دون اعتراض على الملاحظات التي لم تكن ناعمة سياسيا والتي وردت على لسان الامير الهاشمي غازي بن محمد الذي قال عبر امام البابا عن الاستياء من الهفوات السابقة متقبلا التوضيح او الاعتذار.

ومن الاميرغازي الذي يعتبر من الشخصيات المتدينة في الاردن سمع البابا كلاما مباشرا في ابلاغه الاحتجاج على تصريحاته السابقة باسم المسلمين، لكن عمان تقصدت تلبية طلب البابا بعد حصول نقاش وجاهي بينه وبين علماء مسلمين في عمان.

آخرون على جبهات سياسية ايضا ربطوا فورا بين رحلة الحج البابوية وبين مشروع قديم لبنيامين نتنياهو يقال انه طرح على الملك الراحل حسين بن طلال عام 1996 ويتمثل في مشروع اقليمي ضخم ودولي لتأمين حج اممي الى مدينة القدس المحتلة التي اقترح نتنياهو انذاك تحويلها الى موقع يستقبل الحجاج من الديانات الثلاث مقابل عوائد مالية بالمليارات توقع ان يستفيد منها الاسرائيلي والفلسطيني والاردني معا.

وحتى الآن لا يوجد قرائن تربط مابين توقع مجىء نتنياهو الى عمان بعد مغادرة البابا لها وبين المشروع سالف الذكر، لكن يوجد قرائن متعددة على ان الاردن خطط باحتراف لتوظيف واستثمار الزيارة ليس فقط لصالح دوره السياسي او عوائه الاقتصادية والسياحية ولكن ايضا لصالح عملية السلام، الامر الذي تطلب بوضوح التضحية ببعض الجدل وببعض الملاحظات والاعتراضات التي ترى المؤسسة الاردنية انها صغيرة قياسا لتحقيق الهدف الاهم سياسيا ومصلحيا.

ويوجد قرائن على ان عمان دخلت في دائرة الضوء العالمي وتحديدا الغربي وانها جلست في بؤرة الحدث خلال الايام الاربعة الماضية، كما يوجد ادلة تقول ضمنيا بأن الكلفة كانت محسوبة اردنيا وبأن المجازفة ببعض التفاصيل درست بعناية وبأن التوقعات باستلام العوائد بعد هذه الزيارة المهمة اكبر من التكهنات الدارجة حتى الآن.