رمز الخبر: ۱۲۹۳۲
تأريخ النشر: 14:44 - 13 May 2009
نصر شمالي
النفط والذهب، والجدّ واللعب!
 
عصرایران - ليس في الحياة ما هو أسوأ وأخطر من اكتشاف الحقائق والوقائع المصيرية بعد فوات الأوان، بعد عدم رؤية الفرص التي كانت متاحة وبعد استفحال الداء، ولا توجد أمّة معاصرة تفوق العرب معاناة من مثل هذا السوء وهذا الخطر! وما هو الأفظع في وضع أمة من الأمم، غافلة أو مستغفلة، أكثر من استخدام ثرواتها من قبل الغير لتدمير العالم أجمع ولتدميرها هي بالذات في الوقت نفسه؟ وأية مأساة تكون المأساة عندما يتحقق ذلك بمعرفة وتواطؤ بعض حكامها على مدى حوالي خمسة وثلاثين عاماً؟

إنّ هذا الذي أوجزناه يبرز واضحاً في الأزمة العالمية الراهنة، حيث النفط، والنفط العربي بالدرجة الأولى، يجعل الدولار الأميركي يواصل صموده الذي لا يستحقّه، ويجعل المحتالين الصهاينة، المتربّعين على عرش الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (أي البنك المركزي الأميركي)، يطبعون أوراقه بالمليارات والتريليونات، ويواصلون ألاعيبهم المالية الإجرامية بنجاح، من دون أن يضيرهم إلحاق أشدّ الأذى بالشعوب عموماً وفي جملتها الشعب الأميركي، ومن دون أن يضيرهم تدمير بعض البلدان العربية، والمضي في محاولة إبادة الفلسطينيين والعراقيين والسودانيين والصوماليين!
لماذا تحتفظ الصين بتريليوني دولار؟:

إنّ النفط هو عصب ودماء الحياة البشرية في وضعها الراهن، أي أنّ الحاجة إليه حاجة وجودية مصيرية، وعلى هذا الأساس فإنّ لدى الصين الناهضة، على سبيل المثال لا الحصر، همّها النفطي الكبير، واحتياطيّاً من الدولارات يقدّر بتريليونين (أي ألفي مليار) وهو احتياطي يشكّل نصف ما في العالم من دولارات كعملة أجنبية! والصين تحتفظ بهذه الكمية الهائلة من الدولارات الأميركية لسبب استراتيجي رئيسي بل مصيري، هو حاجتها لشراء النفط من البلاد العربية خاصة ومن بلدان الأوبك عامة، لأنّ الجميع يتعاملون بالدولار وحده لبيع النفط وشرائه، والصين، بحكم موقعها الدولي الحالي الممتاز، لا تستطيع إلاّ أن تكون الأولى بين البلدان الكثيرة التي تحتفظ بالدولار بسبب حاجتها لشراء النفط.

ولو أنّ حكومات النفط في البلاد العربية تحديداً استبدلت الدولار بعملة أخرى فإنّ الدول جميعها ستستبدل الدولار بتلك العملة الأخرى، لكنّ حكومات النفط العربي متحالفة مع أصحاب الدولار الذين يتكفّلون بأمنها وضمان استمرار حكمها، وسياساتها مندمجة إلى حدّ الانصهار في سياساتهم، الأمر الذي يجعل الصين مستفيدة آنيّاً من امتلاكها لهذه الكمية الهائلة من الدولارات، لكنّ وضعها الحالي هذا ليس مطمئناً لها على المدى البعيد، وقد تتعرّض في أيّ وقت لخسائر فادحة، كما حدث لما سمّي بالنمور الآسيوية، إذا ما نجحت عصابة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في ترتيب لعبة محكمة مضمونة النتائج ضدّ الصين!

النفط أساس الصداقة الكاذبة والعداوة القاتلة!:

ولكن متى حدث أنّ النفط، والنفط العربي على وجه الخصوص، احتلّ تماماً محلّ الذهب كاحتياطي للدولار، مع أنّ الذهب (والفضة أيضاً) هو مادة التبادل الموثوقة قطعاً من قبل الشعوب جميعها على مدى آلاف السنين من الحياة المجتمعية؟ لقد حدث هذا بعد الحرب العالمية الثانية، منذ زيارة الرئيس الأميركي روزفلت الودّية لبلادنا، ومنذ قيام الكيان الصهيوني العنصري العدواني في بلادنا! وإنّها لمذهلة هذه الثنائية في التعامل الأميركي مع أمتنا في اللحظة ذاتها، فمن جهة كان التأسيس لصداقة بل تحالف استراتيجي أزليّ أميركي مع بعض الحكومات العربية أساسه النفط، ومن جهة أخرى كان التأسيس لإقامة كيان صهيوني سرطاني (أميركي) مموّه بالخرافات اللاهوتية، ووظيفته المركزية تدمير جسم الأمة العربية، وأساسه النفط أيضاً!

وجدير بالذكر أنّ إخوان الإسرائيليين يتربّعون، كما أشرنا، على عرش الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، أي البنك المركزي، منذ مطلع القرن العشرين، وأنّ هذا البنك هو قطاع خاص، خلافاً لوضع البنوك المركزية الحكومية في العالم أجمع، وأنّ معظم أسهمه مملوكة من قبل عائلات متخصصة تاريخياً بالصيرفة والربا، وأنّ مديره الحالي هو: (بين شالوم بيرنانكي)! فأيّ عمق للكيان الإسرائيلي أعظم من هذا العمق، وأيّ سيّد أقرب إليه وأقوى لصالحه من هذا السيّد؟
كيف شفطوا احتياطيات الآخرين من الدولار؟:

لقد اختلط اللعب بالجدّ، واستكمل النفط حلوله محلّ الذهب تماما وأصولاً في النصف الأول من سبعينات القرن العشرين، ففي ذلك التاريخ انكشفت الولايات المتحدة كدولة مدينة ومستوردة أكثر منها دائنة ومصدّرة، وكانت الكتلة النقدية الدولية في معظمها قد تكدّست عند حلفائها الأوروبيين الغربيين واليابانيين، الذين أصبح الميزان المالي والتجاري لصالحهم وليس لصالحها، وأمام هذا الواقع أقدمت واشنطن على عدد من الإجراءات الدولية، التي يشبه بعضها فرض الأتاوات على الغير.
هل يتحوّل العرب إلى مجرّد ذكرى؟:

هكذا ظهر ما سمّي البترو دولار، وصار معلوماً للقاصي والداني أنّ النفط وليس الذهب هو الاحتياطي والغطاء للدولار الأميركي، فهم يرفعون سعر النفط لشفط احتياطيات الآخرين من الدولارات، ويخفّضون سعره لملء مستودعاتهم الخاصة منه بأقلّ سعر! أمّا مكافأة العرب فكانت المزيد من تدميرهم وإذلالهم في جميع أقطارهم، والمزيد من تسليط كلب الحراسة الإسرائيلي ضدّهم، وقبل أن ينتهي عقد السبعينات الماضي كانت الحروب الغامضة، التي يقف وراءها الأميركيون قطعاً، الداخلية والخارجية، تعمّ البلاد العربية من أقصاها إلى أقصاها، وكان البدء بتشكيل قوات الانتشار السريع في الخليج الفارسي كخطوة أولى على طريق الحضور العسكري الأميركي المباشر في البلاد العربية، وعلى طريق احتلال بعض بلدانه لوضع اليد مباشرة على بحار النفط العربي، وهو ما حدث للعراق لاحقاً وما يحاولون تكراره في السودان.

أمّا فلسطين فيعتقدون اليوم أنّهم على وشك تحويلها إلى مجرّد ذكرى، فالذهب كان السبب في تحوّل شعوب أميركا الأصلية إلى مجرّد ذكريات، والنفط (وحكوماته) يمكن أن يعرّض العرب إلى خطر مشابه، طالما نحن نكتشف الحقائق والوقائع المصيرية بعد فوات الأوان!.

العرب - لندن