رمز الخبر: ۱۲۹۴۶
تأريخ النشر: 09:30 - 14 May 2009
بسام البدارين

عصرایران ـ القدس العربي- التوقف عند مشهد التقاطعات الحادة التي تعيشها حاليا حركة فتح يعني استمتاع خصوم الحركة في داخلها وخارجها باكثر واكبر لحظة متازمة ومفتوحة على كل الاحتمالات تعيشها حركة التحرير التي كانت طوال عقود عنوانا للشعب الفلسطيني.

ومستوى التعقيد في بنية تنظيم الحركة وصل ـ قصدا فيما يبدو- بعد الاعلان المفاجيء عن قرار الرئيس محمود عباس نيته عقد المؤتمر الحركي الذي طال انتظاره بالداخل وفي الاول من تموز (يوليو) وبعد موافقة اسرائيل الى مستويات غير مسبوقة وبالغة التشابك.

باختصار قالها القيادي المخضرم في الحركة ماهر ابو غنيم: عقد المؤتمر الحركي في الداخل يعني المزيد من الانكشاف التنظيمي لكوادر الحركة والاستسلام لمنطوق الاحتلال الامني.

غنيم قال ذلك لزكي وهو يحاول اقناعه بما قال انه ضرورة ملحة لتجنب الوقوع في مطب انعقاد المؤتمر الحركي في الوطن غير المحرر، مستذكرا الثمن المجاني الذي دفعته الحركة الوطنية للاسرائيليين عندما اصر الراحل ياسر عرفات على عقد المجلس الوطني المركزي في قطاع غزة لتعليق ما لصق في الثوابت ضد منهجية اوسلو.

وغنيم القطب المهم في الحركة لم يستسلم للتقاربات التي حصلت بينه وبين عباس في العام الاخير عندما اقتنع بنظرية المغادرة للوطن وترك تونس لفاروق القدومي فقط بل شعر بالاستياء لان قرار عباس بخصوص المؤتمر يظهر كما قال اللجنة التحضيرية التي يتراسها ويلتف عليها عدى عن الالتفاف على اللجنة المركزية.

نصر يوسف يلوح بورقة العسكر

موقف عباس زكي، وهو سفير السلطة في بيروت كان كالتالي: حاولوا توفير غطاء لي حتى لا اتعرض للمضايقات التي يتعرض لها السفراء الشاذون عن قواعد اللعبة الرئاسية، ليس تمسكا بالوظيفة وارضاء الرئاسة ولكن حرصا على اكمال ملفات مهمة جدا عمل عليها في لبنان.

زكي اضاف: انا معكم بخصوص الخلاف مع الرئيس حول عقد المؤتمر بالداخل وبكل الاحوال لا استطيع مغادرة موقعي في المركزية ولاي سبب.
لاحقا فهم الرفاق المعترضين في المركزية بان السفير عباس زكي يوافق على اصدار بيان ضد خيارات الرئيس لكنه يفضل البقاء صامتا وعدم التنطح اعلاميا للامر.

وعلى جبهة موازية كان نصر يوسف اكثر عنفا في التعبير عن الاستياء خلال المداولات الفتحاوية القيادية الاخيرة.. مرة اخرى استذكر الجنرال يوسف دور من سماهم الصبية حول الرئيس في السعي للقضاء على تنظيم الحركة وقال بوضوح: نحن عسكر فتح لن نقبل بمؤتمر حركي تحدد اسرائيل من يحضره ومن لا يحضره.

وخلال ساعات ما بين الاثنين والاربعاء كانت دائرة الاتصالات في مربع قيادة فتح التاريخية تصبح اكثر سخونة.. اللواء نصر يوسف طلب من غنيم تجاهل خلافاته مع فاروق القدومي والحاقه بعملية تنظيمية قيادية واسعة تنقذ المؤتمر الحركي، وفيما مرر عباس زكي ملاحظات قال فيها ان احمد قريع مسؤول التعبئة والتنظيم يقابل يوميا وفودا من اقاليم الحركة في الداخل تضغط عليه بشده كان الاخير يتصل بالمجموعة المعترضة قائلا: انا معكم في منع انعقاد المؤتمر في الداخل.

اللواء يوسف اقترح ايضا العمل على ابعاد البعض من محيط الرئيس الحيوي وتحديدا من المساحة المتعلقة بتنظيم الحركة والهدف من الاشارة كان ياسر عبد ربه.

وتوالت الاتصالات المحمومة قبيل وبعد اصدار البيان الاخير للمركزية.. فاروق القدومي ارسل اقتراحا بان تعقد اللجنة المركزية اجتماعا طارئا في الاول من حزيران (يونيو) في عمان فوافق الجميع والمح الى انه سيحاول اقناع عضو المركزية الذي يمتنع عن حضور الاجتماعات محمد جهاد بالتحرك في اطار رفع شعار انقاذ الحركة.

تساؤلات حرجة

فتحاويون في الداخل طرحوا سؤالين: الاول ما الذي ينبغي ان تفعله اللجنة المركزية اذا اصر عباس على دعوته لعقد المؤتمر الحركي في الداخل؟.

الجواب الاول جاء من اقليم غزة حيث نقل عن القيادي ابراهيم ابو النجا قوله:
بالنسبة لنا سننفصل وسنعلن الولاء فقط للجنة المركزية، ونفس التلميح ورد على لسان قريع وهو يستعرض اراء مسؤولي الشعب الفرعية للتعبئة والتنظيم محذرا من انفصالات في هذه الحالة.

فتحاوي مهم قال في السياق: سنشهد مأساة حركية واضاف: قد لا تحصل انشقاقات تنظيمية ولكن حركة فتح ستذبل وتتحول الى عدة "فتحات" الرابط الوحيد بينها هو اطار ضعيف ومتهالك اسمه اللجنة المركزية.

هنا تدخل غنيم وقرر: دعونا نمنح الرجل- عباس- فرصة والاهم بالنسبة لنا الآن الحفاظ على وحدة اللجنة المركزية.. سأله اللواء نصر يوسف كيف نفعل ذلك بوجود الطيب عبد الرحيم وحكم بلعاوي فهما الخاصرة الرخوة التي يمكن لعباس اختراق المركزية منها؟.. فجاء الرد: بلعاوي يقول انه ضد خيار الرئيس وينبغي ان لا نراهن كثيرا على ذلك اما الطيب عبد الرحيم فهناك خط اتصال معه وبكل الاحوال الاغلبية في المركزية ضد.

وسطاء يحاولون مع اليمن والجزائر

السؤال الثاني.. اذا قرر عباس التجاوب للعاصفة المعترضة فكيف سنحرمه من الورقة الاهم بين يديه والمتمثلة في عدم وجود اي عاصمة عربية تقبل باستضافة المؤتمر؟.

هنا تنطح للاجابة القدومي وساند الفكرة عن بعد غنيم مقترحا ترك الخيارين الاردني والمصري بخصوص استضافة المؤتمر الحركي واجراء اتصالات سريعة مع اليمن او الجزائر والتجريب مع تونس وان كانت الفرصة ضعيفة.

شروحات الرجل تضمنت الاشارة الى ان عمان والقاهرة لن تخرجا في اي حال عن دائرة عباس بخصوص المؤتمر الحركي وبالتالي الافضل ترك خيارات المحاولة معهما والبحث عن عاصمة عربية بديلة لان عباس يقول في كل المشاورات بعدم وجود عاصمة عربية تقبل استضافة المؤتمر، وعليه فالافضل تكليف وسطاء ببحث الامر مع اليمن على اساس ان عقد المؤتمر في دمشق شبه مستحيل ومستبعد.

وفي الاثناء برز مجددا الانطباع الحركي بأن عباس متفق مع عمان والقاهرة على شروط الرباعية التي ترفض كوادر فتح تبنيها وبالتالي فبعض الدول العربية تدعم بموقفها خيار انعقاد المؤتمر بالداخل وما يريده عباس نسخة مصغرة من المؤتمر الحركي يستطيع خلالها تقليد ما فعله عرفات في اجتماع المجلس الوطني في غزة فالاخير اسقط بنودا مهمة في الميثاق الوطني والاول يسعى لدفع فتح لتبني الرباعية ووثيقة المبادرة العربية التي تنص على ان المفاوضات هي الطريق الوحيد للتحرير وهو ما لا يوافق عليه جمهور ابناء الحركة.

الدخول في مرحلة الذبول الحركي

الموقف في حركة فتح الآن وفقا لمصادر خبيرة ومطلعة فيها كالتالي: ثمة مشكلة كبيرة اسمها مكان وزمان انعقاد المؤتمر الحركي... اذا تمكن عباس من عقده في الداخل ستصبح اسرائيل تلقائيا طرفا في التوصيات والمقررات، واذا لم يجد الوسطاء عاصمة عربية تقبل باستضافة المؤتمر لن ينعقد وستبقى الملفات معلقة وتدخل فتح في انقسامات افقية وعمودية وتتعزز حركة حماس وتدخل الحركة في حالة الذبول.
والتعقيد لا يقف عند هذه الحدود فعدم انعقاد المؤتمر نهائيا يعني تعرض عباس نفسه لمجازفة كبيرة في الذهاب لانتخابات الرئاسة نهاية العام الحالي بدون غطاء حركي تنظيمي.

عند هذه الزاوية سألت "القدس العربي" قياديا بارزا في الحركة: الا يعرف عباس بهذه المخاطرة؟.. الجواب ينطوي على مفاجأة وعلى شكل سرد تاريخي لمحطات مهمة في مسيرة الرئيس عباس تثبت مسألتين: الاولى انه لا يؤمن اصلا بالتنظيمات والعمل الجماهيري والجماعي، والثانية انه يتمتع بمزايا ذاتية تجعله مؤهلا في اي وقت للزهد بالمنصب الرئاسي او للمجازفة به تحت عناوين من بينها خيارات الشعب والصناديق.

عباس يميل الى الغضب وعدم المبالاة وهو مؤهل حسب مقربين منه لتقديم استقالاته والانسحاب في اي وقت من المشهد وهو ليس من طراز القادة الذين يؤمنون بدخول التاريخ ولا يعنيه فعلا بقاءه في السلطة او بقاء حركة فتح نفسها.

وهنا يمكن استذكار ما كان يقوله هاني الحسن حول قرار عباس النفسي بعدم الغفران لابناء حركة فتح الذين تسببوا بنجاحه بصعوبة بالغة في اللجنة المركزية في المؤتمر الخامس للحركة وبعد تدخل الراحل ياسر عرفات فهو يعتبر ان التنظيم خذله في الماضي وفي الحاضر.

عباس مغامر سياسي لا يؤمن بالجماعة

صديق اردني مقرب من عباس شرح لـ "القدس العربي" بعض الزوايا المهمة كما قال لتفسير موقف الرجل من مجمل الجدل القائم حركيا ووطنيا فعقلية الرجل نخبوية ولا يؤمن بالجماهير وطبيعته مضادة للتنظيم وثقافته السياسية منذ عام 72 وحتى عندما كلف بادارة ملف العلاقات الاممية للمنظمة قائمة على فكرة التعايش مع اليهود والعمل على تفكيك المجتمع الاسرائيلي والتأثير فيه.

نفس الصديق يقول: مشوار عباس بدا اصلا بالسعي لاقناع اليهود العرب بمغادرة فلسطين والعودة لبلدانهم الاصلية وقضى سنوات وهو يسخر قدراته في الاتصال باليهود بالعالم لصالح القضية بكل الاحوال.

ويضيف: لا يؤمن عباس بالقيادة الجماعية ويؤمن بالتقارب من مركز القرار فقط ويالتالي التحالفات عنده ومعه تكتيكية وبالقطعة وهو اثبت عشرات المرات انه وخلافا لعرفات لا يهتم بغضب المنظمات والتنظيمات ويؤمن بالقطرية مما يفسر خصومته مع الاحزاب القومية ولا يحتكم بقرارات المؤسسات المرجعية في الحركة وقناعته راسخة بالمنهج الساداتي وبأن الحل بين يدي الامريكيين وعبرهم دوما.

وهذه الاعتبارات - يشرح الصديق الاردني لعباس- تتحرك منهجية عباس السياسية في ظلها وتحكم قراراته وتوجهاته فهو نادرا ما يصالح غاضبا او يهتم باحتجاج جماهيري ونادرا ما يجد ننفسه معنيا بالبعد التنظيمي والتعبوي في حركة فتح ويعتقد دوما بانه لم يخدع احدا وان الشعب الفلسطيني انتخبه رئيسا وهو يعرف تماما مزاياه وبرنامجه العلني.

وبالتالي يتصور عباس بانه يستطيع الفوز بانتخابات الرئاسة حتى لو لم تصطف حركة فتح وراءه، الامر الذي يشكك به كثيرون في اللجنة المركزية وخارجها على اساس ان الاصطفاف في المرة الاولى حصل بسبب تعب الشعب الفلسطيني وعدم وجود بدلاء مقنعين.

ويقال ان عباس لا يؤمن بقصة الخط التاريخي ويتميز بمزاج حاد وخلال السنوات الثلاث الاخيرة هدد بالاستقالة عدة مرات.

وفي تحليل اعمق يقول الخبراء الفتحاويون ان مقاومة عباس بقوة ومواجهته لم تكن ممكنة طوال السنين الماضية رغم تسجيل كل الملاحظات سالفة الذكر عليه بسبب اعتبارات ظرفية لها علاقة بحالة الانكسار الوطنية العامة بعد فشل اوسلو ورحيل عرفات، فالظروف على الارض منعت كثيرين من مواجتهه.

وبرنامج الخط الفتحاوي المحسوب على عباس الآن هو مزيج ما بين ثقافة التعايش والمغامرة السياسية ونبذ الكفاح المسلح واوهام الامريكيين وعدم وجود مناعة وطنية حقيقية.