رمز الخبر: ۱۳۵۱۱
تأريخ النشر: 10:18 - 15 June 2009
ان كنت معها اوضدها تعجبك او لا تعجبك متعاطفا معها او منزعجا من سياساتها، محبا لها او متحاملا عليها، متوددا لها او مناكفا... لا تملك الا ان تذعن لحيوية شعبها ومجتمعها ورقي ثقافة طبقتها السياسية وعلو همة جمهورها، وهذه سمة غالبة على ما عداها من شوائب ربما شابت العملية الانتخابية.

عصرایران - ان كنت معها اوضدها تعجبك او لا تعجبك متعاطفا معها او منزعجا من سياساتها، محبا لها او متحاملا عليها، متوددا لها او مناكفا... لا تملك الا ان تذعن لحيوية شعبها ومجتمعها ورقي ثقافة طبقتها السياسية وعلو همة جمهورها، وهذه سمة غالبة على ما عداها من شوائب ربما شابت العملية الانتخابية.


كانت الارقى يوم الثاني عشر من حزيران (يونيو) بين مثيلاتها من الدول والبلدان القريبة والبعيدة من الاقليم والمحيط شيه المتصحر ديمقراطيا لولا بعض بشائر الامل في تركيا ولبنان.

ومع ذلك ثمة ملاحظات لا بد منها يتعلق بعضها بالاداء الايراني الداخلي وبعضها من الجانب الآخر الخارجي لاسيما العربي منه في تعاطيه مع ما يجري في ايران، رأيت من الضروري ان اسجلها سريعا ونحن نطوي الانتخابات الثلاثين من عمر دولة الاستقلال الايراني عن معادلة حكم الاجانب وذلك من اجل ان يقرأها القريب والبعيد بما يفيد في تبيان الصورة كما هي دون رتوش ودون مغالطة :

اولا: لقد وقع الاداء الحكومي في فخ 'الديمقراطيات ' الغربية عندما تمادى المرشحون في نقد اداء بعضهم البعض الى حد لامس الخروج على اخلاقيات وادبيات المجتمع الايراني الاسلامي العريق، وبما لا يليق بادبيات الثورة الاسلامية التي يمثلون على الاقل لاسيما عندما استسهلوا عملية قذف بعضهم البعض بالكذب والافتراء والخداع و.... دون تقديم ادلة دامغة.

ثانيا: لقد اثبتت غالبية النخب واحزاب المعارضة المجتمعة على الرئيس بحق او دون وجه حق والمجمعة ضد سياساته بانها ورغم كلامها الجذاب والعقلاني في ظاهره على الاقل بانها ماهي في الواقع العملي الا احزاب بلا جمهور ونخب بلا جذور، جاءت نتائج الانتخابات مهما شككنا بنتائجها او اتهمنا الحكومة بالتلاعب فيها الا انها اظهرت بونا شاسعا بين تلك النخب والاحزاب من جهة وبين الطبقات الشعبية العريضة من جهة اخرى !

ثالثا: لقد اثبت الشعب الايراني وللمرة المئة ربما بعد الثورة بانه شعب حيوي يرصد التحولات من داخله وفي محيطه بشفافية عالية افضل بكثير من طبقته السياسية الحاكمة ويمتلك من الشجاعة والجرأة على المحاسبة، وعلى مواجهة التحديات الداخلية والخارجية تفوق توقعات او 'استطلاعات الرأي' النمطية المستوردة من الخارج، ما يجعله من الشعوب النادرة في التعامل السلس والانسيابي مع المستجدات بعيدا عن الحلول والخيارات الجاهزة والمعلبة.

رابعا: لقد اثبت الاعلام الخارجي وفي طليعته العربي الا ما ندر منه بانه يجهل خصوصيات واخلاقيات وادبيات الشارع الايراني، وفشله الذريع في قراءة التحولات الايرانية من الداخل كما هي، عندما ظن في كل منعطف وفي كل تحد او كل حراك عاصف وحامل للتحولات بان الصدام قادم لا محالة وان انقلابا ما على الابواب او انتفاضة قادمة ضد النظام او ثورة ملونة قابلة للتسويق والانتاج.

وسط هذا الكم الهائل من الفوضى العارمة في الاداء الحكومي كما المعارض الداخلي من جهة واللغط المتعمد من جانب الخارج البعيد والتعاطي العربي الغالب عليه جهله بحقيقة مخاضات المجتمع الايراني جاءت على سبيل المثال لا الحصر زيادة نسبة المشاركة هذه المرة لتشكل اضافة نوعية 'للموالاة' بدلا عن المعارضة اي لحساب احمدي نجاد بدلا من مير حسين موسوي، وهو ما لم تستطع اي من ماكينات استطلاع الرأي او الدعاية والاعلام الخارجية ان تتفهمه او تستوعبه، والسبب واضح تماما لان النظريات المعلبة والجاهزة التي تتسلح بها اصبحت من النوع البالي والعتيق الذي يسقط مرة اخرى امام العنفوان الايراني الحضاري العصي على الانكسار امام طوفان العولمة الملغمة بنظريات غريبة عن عالمنا العربي والاسلامي.

وهنا مربط الفرس كما يقال في كل ما جرى يوم الثاني عشر من حزيران (يونيو) المنصرم حيث اجتاحت العاصمة طهران جموع من الصحافيين والمحللين والمراقبين والمراسلين الغربيين والعرب ولسان حالهم جميعا يقول بان ثمة 'تسونامي ' اصلاحيا تقوده النخب المعارضة لحكم 'المعزول والمطارد والمنبوذ والمتطرف والمشاغب والمعاكس والمغرد خارج السرب الدولي' اي احمدي نجاد، في طريقه الى الوقوع خلال يوم انتخابي طويل، متسلحين بالطبع بشماتة الشامتين بنتائج انتخابات لبنان وما ادراك ما لبنان، واذا بهم يكتشفون بان التسونامي الذي كانوا ينتظرونه من الغرب جاءهم هذه المرة من الشرق، اي من الارياف والضواحي بل وحتى من كبريات المدن المحيطة بالعاصمة 'المرفهة' طهران لتكرس هذا الرجل الظاهرة رئيسا لدورة ثانية، فسبحان محول الاحوال وناصر الضواحي والاطراف على حساب النخب والمركز والاحزاب، ولله في خلقه شؤون يرزق من يشاء من دون حساب !

ولكن ما هي الا ساعات على اعلان النتائج من قبل السلطات الرسمية الايرانية بفوز الرئيس احمدي نجاد حتى دقت ساعة اطلاق مشروع 'الثورة' المخملية الخضراء بحسب ظنهم، واذا ببضعة آلاف من الغاضبين من نتائج السباق وهم الخليط بين مذهول وبين منزعج وبين متمرد ينزلون الى الشوارع ليحرقوا الدواليب ويحطموا الاكشاك ويشعلوا النار في وسائل النقل العامة او البنوك او محطات البنزين ظنا منهم ان ذلك قد يغير من نتائج السباق الودي والحبي والمدني والسلس الذي كان لتوه قد انتهى في الساعات الاخيرة من مساء يوم الثاني عشر من حزيران !

لكن هذه المعركة لم يكن نصيبهم منها الا الخسران لأن الشعب الايراني لم يتعاطف معهم ولم ينزل الا مع صاحب التسونامي الذي ربح الضواحي والارياف وطوق العاصمة 'المرفهة' والمسترخية على حساب جيش المستضعفين الذين زحفوا هذه المرة الى قلب العاصمة طهران بعد 12 ساعة فقط من تطويق الاضطرابات والقبض على المحرضين الاصليين بعد ان' ارتكبوا جرم عبور الضوء الاحمر وهي مخالفة مرورية تستحق العقاب' كما ورد في آخر مؤتمر صحافي للرئيس المجدد له.