رمز الخبر: ۱۳۷۰۷
تأريخ النشر: 09:11 - 29 June 2009
عصرایران - القدس العربی - محمد صادق الحسيني - لا شك ان الاستحقاق الانتخابي اصبح وراءنا، ولا شك بان ايران ستتعافى من اثر الصدمة التي تعرضت لها بسبب دخول ارباب 'الثورة الرقمية' او المخملية على خط الازمة وما تبع ذلك من تداعيات وتشظي على الساحة الداخلية، لكن ما حصل لم يكن مجرد استحقاق انتخابي سهل، ولا هو مجرد تحريض على 'ثورة' رقمية او مخملية فحسب، بل كان ثمة شيء ابعد من ذلك استدعى على ما يبدو عملية جراحية ضرورية هي اشبه ما تكون بـ '7 ايار' لبناني ولكن على الطريقة الايرانية وذلك بسبب تقاطع استحقاقات مراجعات داخلية عميقة مع مخطط خارجي خطير قد يهدد تلاقيهما عصب النظام والثورة. فلم يكن الامر سهلا ان يودع في العام 2005 صف كامل من الطبقة السياسية التي تداولت السلطة على مدى نحو عقدين ونصف تحت رعاية اركان اساسية من الرعيل الاول، مطبخ صناعة القرار الاساسي للدولة لصالح الجيل الثاني للثورة حتى وان حصل ذلك على يد احد اركان ورموز الرعيل الاول ممن وصلت اليه دفة القيادة بشكل سلس ومتصل بكل سياقات التأسيس الاول اي المرشد آية الله علي خامنئي.

كان هذا هو بالضبط ما حصل منذ اربع سنوات عندما فاز المرشح محمود احمدي نجاد ابن الحداد البسيط والعائلة الفقيرة غير المعروفة في ارشيف اسماء العوائل الارستقراطية ولا الثيوقراطية ولا حتى الميسورة الحال ممن رافقوا مرحلة التأسيس للثورة التحررية وتحقيق الاستقلال الناجز لايران الدولة العصرية الحديثة في العام 1979. فمنذ تلك اللحظة المفصلية في تاريخ ايران الحديث والمراجعات النظرية والعملية لقاموس المصطلحات الثورية الايرانية والتي كانت قد بدأت اصلا منذ 'تسلل' جوقة المتدثرين بعباءة الرجل الاصلاحي والمعتدل محمد خاتمي الى مطبخ صناعة القرار ومن معهم من المتقمصين ارداء الاصلاح، قد دخلت عمليا مرحلة جديدة كان النقاش فيها يصل احيانا لدى البعض منهم الى حد المطالبة بمراجعة جذرية حتى لمقولة ولاية الفقيه نفسها وليس الاختلاف مع شخص المرشد فحسب.

من هنا سرعان ما تحول ليس محمد خاتمي فحسب بل وكل من كانوا وراءه او اصطف معه من نخب وتكنوقراط وعوائل ادمنت تداول السلطة منذ نهاية السبعينات الى 'حرس قديم' مترهل ينبغي ازاحتهم عن مركز صناعة القرار الرئيسي خوفا على اسلامية الثورة، بينما صار الرجل البسيط الخارج من 'ريف' الثورة هو رائد الاصلاح و'البطل القومي' الضرورة الذي به فقط يمكن الدفاع عن الثورة كما عن الدولة فضلا عن النظام والمشروع كما يقول اصحاب 7 ايار الايرانية. وهكذا فقد كانت ايران يوم الثاني عشر من حزيران (يونيو) الماضي عمليا على موعد مع استحقاقين عظيمين الاول داخلي وهو انجاز انتخاباتها الرئاسية العاشرة تحت هذا العنوان العريض اي: تكريس البطل القومي القادم من 'ريف' الثورة لمكافحة الفساد، على حساب ارستقراطية الحرس القديم. واستحقاق خارجي كان يعبر عن لحظة صدام تاريخية قرب اجلها بين الغرب العاجز عن كسر ارادة الثورة والدولة الايرانيتين ان بخيار الحرب او بخيار السلام، وبين ثورة اصبحت دولة قوية الشوكة عصية على التطويع تعيش قيامتين دينية وقومية بفضل تلاقي وظيفتي ابن الثورة وابن النظام في نقطة 'عرين الولاية' المتوجة باسم آية الله علي خامنئي. وكان المسرح يبدو كالآتي :

الذين خاضوا الانتخابات الرئاسية العاشرة ضد احمدي نجاد ممن صار يطلق عليهم بالمعارضة، كانت استطلاعات الرأي التي لديهم تقلقهم كثيرا وتشير بانهم وفي احسن الاحوال واحسن الاداء من جانبهم لن يحصدوا اكثر من الدفع بالرئيس الحالي الى المرحلة الثانية. هذا من ناحية لكنهم من ناحية ثانية كانوا مسكونين بقوة بخطورة آثار بقاء احمدي نجاد لدورة رئاسية ثانية الامر الذي كانوا يصفونه في اروقتهم الداخلية ووراء الكواليس بانه الكارثة الكبرى والوداع النهائي لهم مع مطبخ صناعة القرار. لذلك كانت حملتهم الانتخابية وبشكل مبكر تركز على 'شيطنته' على كل المستويات وفي كل الابعاد منعا لوقوع 'الكارثة' باي ثمن كان . اما الغرب الذي كان يخطط للثورة الرقمية او المخملية او الملونة ضد النظام وكما كشفت تقارير غربية عديدة وآخرها ما نشر مفصلا على موقع معهد بروكينز، فقد كان مستعدا اشد الاستعداد لركوب موجة 'الشيطنة' كما موجة المعارضة بالطبع، وقد بدأت استعداداته مبكرا من خلال التسلل المنظم داخل قلب صفوف المعارضة كما ستثبت الايام، بالاضافة الى انه كان مستعجلا ولم يكن لديه الوقت الكافي لينتظر مدى استجابة النظام ليده 'الحوارية' بسبب استحقاقات اقليمية ودولية عديدة لادارة اوباما 'التغييرية' الجديدة، لذلك تراه ارسل مبكرا الرجال والاعتدة والادوات التكنولوجية بل وحتى القناصة على الاسطح كما ستثبت التحقيقات التي بدأت تتسرب من بعض قوى الامن والشرطة، متوجا ذلك كله بامبراطورية اعلامية ضخمة مدججة بكل اشكال التمويه والدجل والافتئات والافتراء والكذب والخداع وتركيب الصور والتي ستثبت الايام ايضا على سبيل المثال لا الحصر كيف ومن قتل السيدة ندى آقا سلطان التي تناقلت صورها وكالات وفضائيات امبراطورية 'عاجل' المفترية؟ !

لذلك فان من اراد ولا يزال مصرا على تصوير ما حصل من مناوشات بين تجمع لجان وروابط الدفاع عن الاحياء الشعبية المعروف باسم 'البسيج' اي التعبئة وبين مجموعات الشغب ومشعلي الحرائق بانه صدامات بين قوى السلطة القمعية وبين المتظاهرين المعترضين على نتائج الانتخابات انما كان يعمل في اطار لعبة اكبر منه بوعي او من دون وعي لاظهار النظام الايراني وكأنه الصين في واقعة 'تيان آن مين' او استفزاز اجهزته الامنية لارتكاب مجزرة ما ضد المتظاهرين. ولما كانت اجهزة الثورة الايرانية وفي مقدمتها الحرس الثوري ظلت ملتزمة بالاوامر الصارمة القاضية باحترام المتظاهرين وعدم التصادم معهم مطلقا، واعتماد منهج الفصل الكامل من جهة بين جماعات الشغب ومشعلي الحرائق وبين جمهور المتظاهرين من انصار المرشحين، والاقدام الصارم والقاطع من جهة اخرى ضد رؤوس الفتنة ومحركيها الاساسيين ممن تسللت اليهم الثورة الرقمية للعدو او وقعوا في افخاخها بسبب سذاجتهم السياسية، فقد كانت واقعة '7 ايار' اللبنانية شرا لا بد منه مع اختلاف الحيثيات والظروف واشكال الاصطفافات الخاصة بالطريقة الايرانية كما يصف احدهم وقائع الاسبوعين الماضيين !

لقد استخدموا كل اشكال الكذب المتصور للايقاع بين اجنحة او اطياف المجتمع كما الطبقة السياسية الحاكمة من اجل تصوير الامر وكأنه ثورة في الثورة او ثورة على الثورة وشكلوا خلايا ازمة في اكثر من عاصمة اقليمية ودولية ووظفوا كل امبراطوريات الاعلام الخبيث والحاقد من اجل زعزعة الدولة والمجتمع الايرانيين، لكنهم باءوا بالفشل وانكسروا جميعا وانتصرت ايران بسبب الفطنة والتيقظ المبكر من جانب مختلف القيادات الوسطية والعليا.

ولذلك ترى ثمة من لخص الاستحقاق الانتخابي الثلاثين في ايران حيث اشترك فيه نحو 40 مليون ناخب اي 85 بالمئة ممن يحق لهم الاقتراع وهو ما يحدث لاول مرة منذ قيام الثورة الايرانية وما رافقه من هزيمة للثورة المخملية المنشودة غربا بانه بمثابة 'الاستقلال الثاني' لايران، فيما اعتبره انصار احمدي نجاد بمثابة الثورة الثالثة، باعتبار ان الثورة الثانية كانت احتلال السفارة الامريكية كما ورد على لسان مؤسس الثورة الاولى الامام روح الله الخميني.