رمز الخبر: ۱۳۷۱۷
تأريخ النشر: 10:17 - 29 June 2009
عصرایران - حين يصف المرء إسرائيل بالدولة غير الطبيعية وبالدولة ذات المنشأ الوظيفي المرتبط بخدمة أهداف دول أخرى أنشأتها فهو محق تماماً والأمثلة على هذه الحقيقة كثيرة وتظهر دوماً بعد تشكيل كل حكومة جديدة.

فمنذ تولي نتنياهو رئاسة الحكومة تبين أن جميع وزراء إسرائيل المختصين بمسائل ترتبط بالخارج أي بدول مثل أميركا والاتحاد الأوروبي قاموا بزيارات إلى هذه الدول وكأنهم يرسمون معاً سياسة إسرائيل أو أن حكومة نتنياهو تحاول الاتفاق معهم على طبيعة وشكل السياسة الإسرائيلية المطلوبة من وجهة النظر الإسرائيلية. وهذا ما لا تقوم به عادة أي حكومة جديدة في أي دولة طبيعية، فنتنياهو زار واشنطن ثم عاد ليزور عدداً من الدول الأوروبية بعد أن زارها قبله ليبيرمان وزير خارجيته وكذلك باراك الذي سبقه إلى باريس وسيلفان شالوم وجميع هذه الزيارات بما فيها اجتماعات نتنياهو مع برلسكوني أمس ثم مع ساركوزي اليوم تتضمن بشكل مختصر الاتفاق على «الدور والوظيفية الإسرائيلية» في جدول العمل الذي يحمل موضوع العملية السلمية وإيران ومستقبل المنطقة. وبالمقابل يمكن الاستنتاج بشكل منطقي أن الموقف الأوروبي والأميركي هو الذي يحدد معظم ما يحمله أو سيحمله الموقف الإسرائيلي لأن إسرائيل لا تستطيع ولن تستطيع تحديد سياستها بمعزل عن موافقة وتوافق هذا الغرب معها فهو الوصي والعراب الذي يمنحها شرعية البقاء على هذا النحو. وعلى الرغم من الغطرسة التي يظهر فيها نتنياهو إلا أنه تلقى درساً قاسياً من تجربته الأولى حين تولى رئاسة الحكومة عام 1996 وقال في خطاب أمام الكونغرس إنه سيعمل لأول مرة في تاريخ إسرائيل على التنازل بعد سنوات قليلة عن الدعم المالي السنوي الذي تقدمه واشنطن له منذ عقود كثيرة بقيمة (3) مليارات دولار.


لأنه تحدث على هذا النحو وكأنه رئيس لدولة طبيعية (مستقلة) أو قادرة على الاستمرار بوجودها دون غطاء مالي وسياسي وعسكري ووظيفي من الدولة الأب.


فمنذ تصريحه الخيالي في ذلك العام تبين أن إسرائيل احتاجت إلى ضعف هذا المبلغ سنوياً ولم يستطع اقتصادها ولا اتفاقاتها مع أوروبا ودول آسيوية وأميركية لاتينية تغطية ما تحتاجه ميزانيتها العسكرية وميزانية استيعاب المهاجرين اليهود وتوسيع المستوطنات.


ومع ذلك حاول نتنياهو في ولايته الثانية الآن اتخاذ صفة رئيس حكومة يخطط لحلفائه سياسة مصالحهم وكأنه يعرف طريقة تحقيقها أكثر منهم جميعاً ففي إيطاليا طلب من (برلسكوني) قطع علاقة إيطاليا بإيران رغم أنه يعرف أن بوش نفسه عجز عن دفع ألمانيا، وفرنسا وبريطانيا إلى قطع صلاتها الاقتصادية مع طهران!؟ لذلك لا يستطيع نتنياهو عرض أي مقترح على أوروبا رغم أن ليبيرمان استطلع له الأجواء قبل أسبوعين وعجز هو الآخر عن إقناع أوروبا بجدول العمل المطلوب إسرائيلياً بل إن زيارة ليبيرمان إلى موسكو كان من بين أهدافها استمالة أوروبا لمصلحة إسرائيل أكثر منها استمالة روسيا لمصلحة إسرائيل لأن أهمية روسيا الدولية بنظر إسرائيل ليست بنفس قدر أهمية أوروبا لإسرائيل، ويبدو أن أكثر ما يحمله ساركوزي لنتنياهو هو مبادرة فرنسية بإعداد مؤتمر دولي لتحريك العملية السلمية في المنطقة وعلى المسارين الفلسطيني والسوري وهذه المبادرة لا يمكن أن يعلن عنها ساركوزي دون موافقة مسبقة من إدارة أوباما ولن يكتب لها الانعقاد إلا إذا وافق نتنياهو عليها.. وإذا ما انتقلت هذه المبادرة من موقع الإعلان إلى موقع إبداء المواقف الأوروبية والأميركية حولها فلن تظهر إلى الوجود لأن مبادرة روسية أعلن عنها منذ مؤتمر أنابوليس 2007 وزير خارجية روسيا لم تنعقد حتى الآن بسبب عدم تجاوب أوروبا وإسرائيل معها.. ولذلك تأتي هذه المبادرة الفرنسية التي تحدث عنها عدد من وسائل الإعلام الإسرائيلية والفرنسية في ظل توقعات لا تحتمل نجاحها بقدر ما تحتمل وضعها موضع الدراسة الإسرائيلية أولاً والأميركية بعد ذلك، لكن هذا لا يعني أن تبني الاتحاد الأوروبي لمبادرة كهذه لا يمكن أن يشكل عنصر ضغط على إسرائيل وخصوصاً بعد أن امتنع الاتحاد عن تنفيذ اتفاقية رفع مستوى علاقة الاتحاد بإسرائيل الموقعة في كانون الأول 2008.


وقد كشفت صحيفة هآريتس الإسرائيلية أن ساركوزي كان ينشط في اتصالاته مع واشنطن والدول الأوروبية من أجل هذه المبادرة منذ أن تولى نتنياهو رئاسة الحكومة لأنه كان يعرف أن برنامج حكومته لا يمكن أن يتيح للسلطة الفلسطينية مجالاً للموافقة على استئناف المفاوضات، وهذا ما تأكد من إعلان رئيس السلطة محمود عباس عن رفضه استئناف المفاوضات مع إسرائيل بموجب الشروط التي يريدها نتنياهو، وكان سيلفان شالوم وزير التعاون الإقليمي في حكومة إسرائيل قد طالب أوروبا بعدم تشجيع عباس على عدم استئناف المفاوضات لأنه كان يعرف هو الآخر أن عدم موافقة عباس على المفاوضات سيضع المبادرة الفرنسية على طاولة التداول الأوروبي- الأميركي من جهة والأوروبي- الإسرائيلي من الجهة الأخرى.


وذكرت الصحيفة الإسرائيلية أن مبادرة ساركوزي نوقشت مع جورج ميتشيل وهو سوف يحضر إلى باريس أثناء وجود نتنياهو فيها للاجتماع به ومناقشتها معه، وهذا يعني أن واشنطن أبدت موافقتها على هذه المبادرة إن لم تكن هي التي طلبت من ساركوزي عرضها باسمه على نتنياهو إذا ما وافق على تجميد البناء الاستيطاني.


فإدارة أوباما تسعى بموجب التقارير التي تصل إلى إسرائيل إلى زيادة الضغوط على حكومة نتنياهو بشكل غير مباشر عن طريق حلفائها في فرنسا وبريطانيا وألمانيا لتحريك العملية السلمية ومطالبة الدول العربية بعد ذلك بإجراء شكل من أشكال مظاهر التطبيع مع إسرائيل لتشجيع نتنياهو مقابل تشجيع السلطة الفلسطينية عن طريق إيقاف البناء الاستيطاني.


وكشفت صحيفة هآرتس أن جدول عمل ساركوزي نتنياهو يتضمن إضافة إلى عملية السلام مع السلطة الفلسطينية وسورية موضوع تجميد البناء الاستيطاني حتى في مدينة القدس المحتلة وإذا ما نجح في الاتفاق معه على هذه المسألة فسوف يصبح طريق انعقاد مؤتمر دولي مفتوحاً، ويبدو أن أبرز ما يلاحظه المراقبون هو أن مكانة إسرائيل لدى أوروبا والرأي العام الأوروبي والأميركي أصبحت قابلة للضغوط وللانصياع للضغوط وخصوصاً بعد أن عجز نتنياهو عن تجاوز ما طلبته إدارة أوباما منه، ففي الولايات المتحدة جرى استطلاع للرأي أشرف عليه الأميركي من أصل عربي (جيمس زوغبي) تبين فيه أن 42 بالمئة من الأميركيين يؤيدون ممارسة الفلسطينيين لحق العودة أو التعويض مقابل 31 بالمئة لا يقبلون للفلسطينيين ممارسة هذا الحق و15 بالمئة رفضوا إبداء الرأي و13 بالمئة غير متأكدين مما يرونه.


ولا شك في أن نسبة كهذه تؤيد ممارسة «حق العودة أو التعويض» للفلسطينيين ستسبب قلقاً شديداً لإسرائيل وستحمل مضاعفات واسعة إذا ما استثمرت هذه النسبة للضغط على إسرائيل.