رمز الخبر: ۱۴۵۷۶
تأريخ النشر: 11:20 - 10 August 2009
محمد صادق الحسيني
عصرایران - فور بدئه بالولاية الثانية استؤنفت ماكينة 'الشيطنة' من جديد، واذا بقوله بأنه 'سيجعل من القوى الاستعمارية الطامعة بالتدخل والهيمنة تضرب رأسها بالسقف' كما ورد في أول كلام له بعد التحليف، الى كلام تم تحريفه خصيصا ليظهره وكأنه الحجاج العباسي الذي سيقمع المعارضين وسينزع رؤوسهم عن ابدانهم. إنها لعبة الإعلام وامبراطورية 'عاجل' الدعائية القذرة، ولكن ماذا عن واشنطن والتي تقود لعبة الشيطان الاكبر الذي يقود اللعبة هذه؟

'راحت السكرة وأجت الفكرة' كما يقولون، واذا بواشنطن تقول 'ان محمود أحمدي نجاد هو الزعيم المنتخب، وان الايرانيين هم من يقررون اذا ما كانت الانتخابات نزيهة أم لا'، فاذا كان الأمر كذلك فلم اذن كان كل ذلك الضجيج طوال المدة السابقة على هذا الكلام ؟!

ببساطة، لان المطلوب كان من الاساس زرع بذرة الشك والترديد والنفاق والفتنة بين صفوف الشعب الايراني، بعد ان يئسوا من كل الخيارات الاخرى وعلى رأسها الخيار العسكري.

طبعا سوف لن يبعث غوردن براون برسالة تهنئة للزعيم المنتخب، كما صرح هذا الزعيم العمالي البريطاني، ظنا منه بان الشعب الايراني لن يهدأ له بال ما لم تصل اليه هذه الرسالة المباركة!
'ليس وحده 'جنبلاط طهران' كما سماه أحد كبار المسؤولين العرب الذي زار العاصمة الايرانية مؤخرا، هو الذي قلب لهم ظهر المجن، بل كانوا كثيرين اولئك الجنبلاطيين الذين دفعتهم ظروف الاعتقال والسجن غير المؤاتية ان يجروا 'المراجعات' التي كانوا يتداولونها همسا عشية التحضير للانقلاب المخملي الذي كانوا يمنون النفس به، ولكن هذه المرة بالمقلوب!

ما قاله السيد محمد علي ابطحي اخيرا على شاشات التلفزيون المحلي الايراني والذي تناقلته مختلف وكالات الانباء العالمية فيما بعد ربما أثار العديد من التساؤلات ومظاهر الاستغراب لدى المتابعين للشأن الايراني بل وربما الامتعاض لدى البعض من أصدقائه والمحبين، لكن من يعرف المدعو 'جنبلاط' طهران جيدا يعرف تماما بان جوهر ما قاله الرجل هو تماما ما كان يهمس به هو وغالبية من عملوا على مدى سنوات استعدادا لتلك اللحظة التاريخية.

نعم، ان ظروف المعتقل ليست هي ظروف الاحتفال بالذكرى السنوية لانطلاق فضائية عربية كرست نفسها لشيطنة ايران الثورة والنظام والجمهورية والزعيم المنتخب، ولا هي بالتأكيد ظروف المؤتمرات الدولية للحوار بين الاديان التي لطالما استضافت العديد ممن كانوا يمنون النفس بسقوط قريب للمرشد ونظامه الديني 'المتشدد والمتصلب' تجاه الغرب 'المتسامح وأفكاره النيرة والمستنيرة' كما يصفون، لكن ذلك لن يغير من شيء أمام الحقيقة الناصعة التي كان يعرفها كل من يعرف 'الجنبلاطيين' الايرانيين الذين توهموا للحظة بأن الامريكيين قادمون وسيقفون بقوة الى جانب موجة 'التغيير' التي انطلقت من بيروت كما كان يفترض والتي كان لا بد لها ان تصل الى طهران حسب المخطط المدروس، لكن الفرق بينهم وبين جنبلاطيي طهران الذين فوجئوا بـ7 أيار/مايو الايراني تماما كما فوجئ نظراؤهم اللبنانيون بـ7 ايار/مايو اللبناني الشهير هو ان الاخيرين اضطروا للقيام بمراجعاتهم على طريقة مراجعات السجون والمعتقلات من اجل معالجة رواسب 7 ايار/مايو هم الخاص، اذ لم تسنح لهم الظروف ان يعالجوها من خارج المعتقلات كما يفعل جنبلاط الاصل حاليا!
أعرف ان الامر لن يقبل بهذه السهولة لا من قبل الاصدقاء ولا من قبل الخصوم، تماما كما أعرف ان الأمر ليس كله من صنع مقولة 'المؤامرة' التي لطالما هجاها العرب والمسلمون مرة بهدف التعبير عن 'عقلانية مستنيرة' بها يتغنون ومرة بهدف جلد الذات وابعاد شبهة الشعوذة والعدمية والجهالة عن انفسهم، الا ان الحقيقة الناصعة التي لا بد ان نقر بها يوما الا وهي باننا مهما زعمنا باستقلالية مراجعاتنا الفكرية والسياسية، فان الغلبة في هذا العالم المسكون بالاجحاف واختلال موازين القوى وسيطرة القوي على الضعيف والرجل الابيض على كل الوان الرجال الاخرى ما لم نتمسك باستقلالية قرارنا حتى النفس الاخير، انما هي للطرف الأقوى الذي يمسك بغالبية الاوراق!

الم يقولوا هم انفسهم بان العالم اصبح معولما، واننا جميعا بتنا في مركب واحد اما ان ننجو سويا او نغرق جميعا، وهو ما ظللنا نردده وراءهم لسنوات طوال، لكن السؤال الاصعب والذي تنبغي الاجابة عليه الآن هو من كان ربان هذه السفينة التي دخلنا اليها جميعا طوعا أو روعا؟!

الم يكن هو ذلك الرجل الاستعماري الابيض المتربص بنا نحن أبناء الجنوب مجتمعين؟!

فاذا كان كذلك وهو كذلك لماذا اذن شيطنا ونشيطن كل من أراد ان يستقل مركبا خاصا بشعبه وأمته؟!

اعرف ان المراجعات حق مسلم به للنخب وأعرف ان الافكار والعقائد وحتى الدين عندما تتحول الى 'مذهب' رسمي، تتحجر مقولاتها وتصبح كالماء الراكد والفاسد، لكن ما اعرفه أيضا بأن فقه الحكم هو فقه الميل للعامة من الناس وليس الميل للخواص، ذلك ان الميل للخواص يفسد للعدالة طريقها، الا يتذكر أصحاب المراجعات هؤلاء باننا لطالما حذرناهم من قول الكلام المعسول امام الرجل الاستعماري الابيض لأنه سيطمع بهم؟!

اعرف ان ملايين المحبين والمصوتين وربما العاشقين غاضبون اليوم مما رأوه او شاهدوه من 'مراجعات' بالمقلوب من على شاشات التلفزة ومن وراء القضبان وانهم لن يسلموا بسهولة بالخسارة التي لحقت ليس فقط بمرشحهم بل وبقياداتهم التي يجلون، بل وربما يقدسون! 'لكن ألم تكن السياسة دوما هي فن الممكن؟!

كل ما اتمناه لكبار القوم من امثال الرئيس الاسبق اكبر هاشمي رفسنجاني والرئيس السابق محمد خاتمي هو ان يتصرفوا الآن وقبل فوات الأوان كرجال دولة مسؤولين، بعد ان خاضوا معركتهم السياسية الحزبية مع خصمهم 'المشيطن' محمود احمدي نجاد وخسروا الرهان على 'التغيير' الذي كانوا ينشدون، وأن يخرجوا انفسهم من شرنقات 'النخب' الفئوية الضيقة الافق، والاهم من دوائر المتربصين بهم السوء من المتدثرين بعباءتهم من تعساء القوى المناهضة لثورتهم التي يفترض انهم يعشقون ونظامهم الذي يفترض انهم فيه مؤسسون ووطنهم الذي يفترض انهم يحبون ودينهم الذي يفترض انه عين سياستهم التي يمارسون حسب قول امامهم الذي يقلدون!