رمز الخبر: ۱۵۳۳۶
تأريخ النشر: 10:36 - 07 September 2009
محمد صادق الحسيني
عصرایران - القدس العربی - واخيرا انتهى الماراثون 'التشريعي - الحكومي ' في ايران وولدت حكومة نجاد، واطلقت ماكينة نشاطها الداخلي والخارجي، بعد اخذ ورد دام خمسة ايام تحدث خلالها نحو 128 نائبا بين موافق ومعارض، حتى قضي الامر وانتخب 18 وزيرا من بين 21 وزيرا رشحهم احمدي نجاد بينهم امرأة هي المرة الاولى التي يتم انتخابها رسميا منذ بداية الثورة !

لم يصدر المرشد الاعلى اوامره السامية لصالح نجاد، ولم يرش نجاد النواب بالاموال، ولم يخفف النواب من معارضاتهم تحت وطأة احتمال تعرضهم لضغوط خفية، ولم يتوقف الماراثون السياسي الجدي والقاسي جدا والذي وصل في بعض الاحيان الى درجة كادت ان تطيح بالحكومة كلها، رغم كون الاكثرية النيابية من حصة الاصوليين، ولم ينحن احمدي نجاد للحظة او يطلب المساومة مع احد !

اليست هذه كلها من مظاهر 'الديمقراطية' التي تتغنى بها عواصم الغرب العريقة، والتي تفتقر اليها العديد من عواصم المنطقة والاقليم، فيما كانت وسائل اعلامها المرئي والمسموع والمكتوب تشن حملة منظمة طوال فترة الماراثون هدفها التشويش على هذه التجربة الحيوية باتجاهين :
الاول: ان ثمة صراع تكسير عظام بين البرلمان والحكومة سببه تضاؤل مشروعية نجاد بين النخب وفي الشارع الايراني !

الثاني: ان ثمة قوى خفية يقف في طليعتها المرشد ستتدخل في اللحظة الاخيرة لحسم 'النزاع الظاهري' لصالح التصويت 'بالجملة' لحكومة نجاد ان لم يكن بالرشوة فبالاوامر والقوة !

لكن الماراثون ظل مستمرا باندفاعة غير مسبوقة في تاريخ مناقشة الحكومات في ايران واي من هذين الامرين لم يحصل !

فالحكومة وان نالت الثقة بالمجموع باكثرية مريحة، الا ان اي متتبع متخصص لتفاصيل التصويت وحدة وتشعب المناقشات سرعان ما سيكتشف بان نيل الثقة لمن نالها اوعدمها لمن فشل في الحصول عليها لم يكن الا على قواعد واسس مهنية محضة تتعلق بشكل رئيسي بالكفاءة والكفاءة فحسب !

فمن بين ثلاث نساء رشحن لمناصب وزارية مختلفة نالت واحدة منهن حد النصاب لكفاءتها العالية وتجربتها في العمل الحكومي سابقا، فيما كانت خسارة الاثنتين الاخريين سببه انعدام الكفاءة اللازمة او ضعفها رغم حيازتهما على شروط 'قيمية' فائقة من بينها ان احداهن شقيقة لشهيدين!

واما وزير الطاقة الذي اطيح به فانه لم يحظ بالفوز ربما لسبب رئيسي وهو فشله الفاضح في ادارة الشؤون الرياضية التي كان مسؤولا عنها من ذي قبل كمساعد للرئيس، ولم يشفع له قربه المعروف للرئيس احمدي نجاد ! من جهة اخرى فان الذين فازوا بثقة البرلمان ايضا لم يفوزوا بميزان واحد فبعضهم بالكاد حقق الفوز، فيما خاض بعضهم مناقشات عسيرة مع لجان البرلمان التخصصية مثل وزير النفط مثلا حتى تمكن من استمالة رأي الاكثرية النسبية بصعوبة، بينما استطاع وزير الدفاع احمد وحيدي ان ينال اكثرية قاطعة لانه برز للحظة بمثابة الوجدان الجمعي كما العقل الجمعي للايرانيين لتاريخه العسكري المشرف منذ بداية الثورة، ولموقف الصهاينة المعلن المعادي له مما شكل صفعة قوية للامريكيين والاسرائيليين وللنخبويين المتراخين من اهل الداخل من جماعة ايران اولا !

لكن النقطة الاهم التي لخصها بكثافة رئيس البرلمان الايراني في مؤتمره الصحافي المشترك مع الرئيس نجاد في نهاية الماراثون والتي لم يرد اي من الحاقدين الغربيين ولا اولئك الناطقون 'بالعبرية الفصحى' الاشارة لها في اي من نشرات اخبارهم الفضائية وغير الفضائية هي العبارة التالية :
نحن الايرانيين مختلفون نعم، وكنا ولا نزال اطيافا واتجاهات مختلفة نعم، وقد حاول بعض المسؤولين الغربيين مؤخرا اللعب على هذا الوتر محاولين احداث فتنة او الايقاع فيما بيننا، لكنهم ثبت من جديد انهم يجهلوننا ويجهلون شعبنا، اذ عندما يجد الجد سيجدوننا دوما كما اليوم في الدفاع عن اسلامنا وعن ثورتنا وعن مصالحنا الوطنية صوت واحد ولون واحد!

هذه هي معادلة الماراثون التشريعي الحكومي الذي راهن البعض من جهلة التاريخ ومن اميي القراءة والكتابة والفهم، على سقوط المتنافسين جميعا في هاوية رغباتهم السادية التي لا تنتهي!
انها ايران الاسلامية والحديث موجه للعقلاء هنا يا اخواننا العرب الاعزاء، هذه التجربة الجديدة الفتية والتي لا تضمر سوى المحبة لجيرانها والرغبة الصادقة، ما هي سوى محاولة لارساء نمط جديد من الديمقراطية يحاول ويسعى ان يكون على طريق غير الطريق التقليدي الغربي الذي بني على المال والقوة والخداع !

ليس ثمة من يدعي في ايران بانه حتى غالب ما يجري فيها منطبق على الاسلام ناهيك عن كله، كما ليس ثمة من يعتقد فيها بان اي اسم في ايران مبرأ من الخطأ ناهيك عن ان يكون معصوما كما يروج المرجفون في المدينة !

ان جل ما تدعيه ايران هي انها تأخذ قراراتها انطلاقا من خصوصياتها الدينية والقومية الخاصة وليس اعتمادا على حسابات خارجية من هنا او هناك، والاهم من ذلك كله فان كل ما هو مطلوب منا ان نقبله نحن منها هو ان القدر المتيقن مما يحصل حتى الآن، هو انها تأخذ قراراتها في طهران العاصمة، وليس في اي عاصمة اخرى مهما علا شأنها، وهذا بحد ذاته انجاز كبير وكبير جدا في عالم الذئاب الصهيونية المختطف للقرارات الدولية ولغالبية قرارات الامم والشعوب المستضعفة !

ان هذا الامر ينطبق ليس فقط على ماراثون الاقتراع على حكومة نجاد، بل وعلى سائر ملفات ايران المشوهة صورتها في العالم وفي طليعتها الخاص بالملف النووي، وهاهي الاحداث والوقائع المتواترة تثبت مع الايام بان ايران لن ترضخ لاي مساومة ولا لاي ابتزاز من جانب المجتمع الغربي، مهما صعد من لهجته، والى اي اسلوب لجأ، ولو طال الامر قرنا من الزمان !

فهل ثمة من يلومنا بعد ذلك على مساندتنا لهذا الموقف الجسور رغم اختلافنا على تفاصيله ؟!
ان عيون التاريخ ستكشف يوما ما هو خفي الآن على بعض عميان البصيرة قبل البصر ومدى هشاشة مراهناتهم على انقسامات مطبخ صناعة القرار في طهران !