رمز الخبر: ۱۵۴۴۱
تأريخ النشر: 10:30 - 10 September 2009
عصرایران ـ القدس العربي ـ كثيرون في عمان لا يفهمون بصورة محددة مبررات الاستمرار في خطط مكلفة جدا ماليا لعصرنة وتحديث وتنميط العاصمة في الوقت الذي تنشغل فيه مؤسسات الدولة ومواطنوها ونخبها بالسؤال المالي وليس السؤال الاقتصادي فقط ودون ادنى انتباه لعصرنة وتحديث وتمدين اليات الحكم والمشاركة وحتى الديموقراطية في المدينة نفسها.

خارطة عمان خلال عامين ستتغير كثيرا.. هذا ما تقوله ضمنيا تعليقات رئيس بلديتها الاخيرة فالمدينة ستتوسع لتشمل المزيد من دافعي الضرائب في مناطق الاطراف وشبكة النقل التي يتحدث عنها الرئيس عمر المعاني نسخة طبق الاصل لشبكات النقل في العواصم الحديثة جدا في العالم المتقدم.

المعاني يتحدث عن مجمع دوائر وقطارات حديثة جدا بين احياء الصفيح وحافلات نقل سريعة جدا واخرى اقل سرعة مع تغيير جذري ستشهده العاصمة لاول مرة ويتمثل في انطلاق حافلات النقل بساعة محددة من مكان محدد في كل مرة، اضافة لمحطات وقوف للباصات تماثل تلك المتاحة في العاصمة الكندية او لندن على اقل تعديل مع مسارح وناطحات سحاب ومجمعات حديثة.

كل هذه التغييرات الجميلة بكل الاحوال تمثل طموحا لكل اردني لكن رئيس البلدية الذي صمد رغم الحروب الشرسة ضده من داخل مؤسسات القرار وخارجها لم يقدم ولا وصفة واحدة حضارية تضع سقفا محددا لطموحات سياسية وديمقراطية لا تحتاج لاي كلفة مالية وكل ما تحتاجه قرارا سياسيا فقط.

خصوم مشاريع تحديث عمان من حيث الحجر والشوارع والنقل والحدائق يتحدثون عن وقائع على الارض في العاصمة يغفلها صانع القرار، فالمهندس المعاني لا يعبر اطلاقا عن طموحه يوما بان يصبح رئيسا منتخبا للمدينة فلو كان كذلك لما اضطر الرجل لللاستعانة بالقصر الملكي في كل مرة يسعى فيها لاقناع الآخرين بفكرة او مشروع.

ولو كان المعاني منتخبا او لو ناضل من اجل الانتخاب بنفس جرعة الحماس التي يناضل فيها لتحويل المدينة الى كائن عصري وحي بدون روح لما اضطر للمعاناة من حقيقة ارتباط رئيس البلدية القانوني برئيس مجلس الوزراء، علما بان رئيس الحكومة نادر الذهبي تغيب عن مجريات الزيارة الملكية المهمة التي تمت مؤخرا لمقر البلدية للاطلاع على مشروعاتها.

وخطط عمان العصرية لا تشمل تحويل مجلسها البلدي ولو مرة واحدة لمجلس منتخب فعلا يمثل اهالي المدينة وتركيبتهم ولا تشمل الغاء صفة تعيين نصف اعضاء المجلس في وصفة انتخابية غير موجودة الا في عمان فقط دون بقية العواصم.

والخطط لا تشمل كما يفهم من اللقاءات الاحتفالية التي سارع لتسجيلها مع الصحافة المهندس المعاني بعد زيارة ملكية لمؤسسة البلدية تقليص عدد عشرات المدراء والمستشارين الذين لا يعملون شيئا في جهاز الامانة، ولا رفع مستوى الانتاجية والانجاز لالاف الموظفين الذين لا يفعلون شيئا محددا وسبق تعيينهم لاغراض لا علاقة لها بالحاجة للعمل وفي سياق خطط تاجيل وترحيل الازمات فقط.

وبكل الاحوال لا تضم خطط التحديث في العاصمة تواصلا ديمقراطيا بدلا من التواصل البيروقراطي مع اهالي المدينة الاهم في المملكة، ولا تشمل رفع الغطاء البيروقراطي واحيانا الامني في التدخل بشؤون البلدية وعملها او توقيف سياسة العطايا في الوظائف او تحديد الادوار لموظفي الصف الاول بدلا من التناحر.

والاكثر حساسية ان رئيس بلدية العاصمة العصري جدا والذي رفض في اول مؤتمر صحافي له التحدث باللغة العربية ثم عبر عن صدمته في اليوم التالي من وجود كميات هائلة من القمامة، لا يقول شيئا بخصوص اي خطط لمواجهة ظواهر الفساد والرشوة داخل مؤسسات البلدية وفي عملها البيروقراطي اليومي ولا يؤمن بالانفتاح ولا تلاقح الافكار، ويسعى كلما اجتاحت بشكل مفاجىء موجة ضمير بعض معارضيه في المجلس البلدي الى خيارات محافظة جدا وعتيقة لمواجهة المعارضة والراي الاخر.

قبل ذلك وعلى الارض فشلت البلدية في مواجهة اول تجمع عشائري مناهض لخطط توسيع العاصمة حيث لجا الرافضون للانضمام الى بلدية العاصمة للبرلمان قبل اضطرار البلدية للجلوس والتفاهم معهم ومنحهم تسهيلات خاصة في درس معاكس للطبيعة حيث يطمح الناس بالعادة للانضمام للبلديات الكبرى وليس لرفض ضمهم لها بسبب عبء الضرائب والرسوم الناتج عن ذلك.

باختصار وفي المحصلة لا احد في الاردن يمكن ان يعارض تحويل عمان لمدينة عصرية ومتحضرة على انماط اوروبا فهي كذلك بنسبة كبيرة الآن، لكن الجانب الاخر من تحديث العاصمة والمتعلق بعصرنة آليات الانتخاب والتمثيل للناس لا زال قاصرا عن الوجود بسبب غياب القرار السياسي فالواقع يقول ان من يقود عمان ليس ابناؤها.

كل ذلك كان دوما معادلة مفهومة ومقبولة في العاصمة ولا احد يطرحها في الواقع لكن الغريب ان مقدرة وتحركات ومشاريع رئيس البلدية تتجاهل المسالة الديمقراطية المتعلقة بالبشر وتركز كثيرا على الطرق والنقل والشكل والحجر، وكل ذلك يتحدث عنه الجميع فيما تتوسع الجريمة في عمان الجميلة ويبات المئات من اولادها بلا طعام والاخطر فيما تواجه البلاد تحديا ماليا هذه المرة.