رمز الخبر: ۱۶۸۵۲
تأريخ النشر: 09:53 - 25 October 2009
جانيت نمور
جانيت نمور/ إذاعة هولندا العالمية

لكل مجتمع دلالاته الاجتماعية ولغته الخاصة للتعبير عن المكانة الاجتماعية لأفراده، يفهم الجميع عن طريقها تصنيف الأشخاص اجتماعيا وطبقيا. ففي الدول العربية لا داعي أن يقول المرء أنا ميسور أو صاحب نفوذ. يكفي أن يشتري بيتا جميلا وسيارة حديثة الصنع. وطبعا للبيت خدامه وللسيارة سائق خاص، وللأولاد مربية وللمطبخ طباخ. وكلما ازداد ماله، زاد عدد الخدم. وعن المعاملة السيئة حدث بلا حرج، الخدم يعاملون معاملة العبيد ولا من يطالب أو يحاسب، خاصة أن معظمهم يأتي من دول فقيرة معدمة.

هذه الظاهرة في الدول العربية، الغنية منها والأقل حظا على حد سواء، هي حلم الرجل للتعبير عن نجاحه، وشرط العروس للقبول به.

في وقت نرى أن ظاهرة الخدم شبه معدومة في المجتمع الأوروبي الغربي، وتحديدا في هولندا.
المجتمع الهولندي يرفض التباهي ويعتبره أمرا غير مقبول به في هذا المجتمع الكالفيني (مذهب مسيحي بروتستاني متقشف).

تقول ماريا وهي طبيبة نفسانية من أمستردام "أن كلمة خادمة أو خادم تعني التقليل من شأن الشخص الذي يساعدك في المنزل وفيها الكثير من التحقير أيضا.

أن التحول في العقلية الهولندية بدأ في منتصف القرن الماضي وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.

أدرك الجميع وقتها وخاصة الأغنياء منهم ضرورة معاملة العمال بطريقة جيدة وألا انهار الاقتصاد بالكامل، خاصة أن الاقتصاد كان يمر بصعوبات جمة بعد الحرب، وبالتالي سنت قوانين عديدة لحماية العامل وأكدت على أهمية المساواة بين الجميع وتأمين ظروف عمل جيدة والتأمينات الصحية والمالية في حال المرض، وعدم ترك العامل من دون دخل مادي في حال أصابه مكروه.

وتؤكد ماريا أن هذا الأمر اثر لاحقا على مفهوم الرئيس والمرؤوس في هولندا. إذ انتفت الهوة بين الاثنين ونرى الآن أن لا وجود لهذه السلطة في العلاقة التي تحكم أصحاب العمل مع العاملين والموظفين، وحتى في علاقة التلامذة والأساتذة. الجميع متساو.

وهذا الأمر من الأسباب التي أدت إلى عدم وجود خدم بالمفهوم القديم في البيوت مثل ما كان يحصل في السابق".

الخادمة في كل مكان

الغالبية الساحقة من العائلات الميسورة في هولندا ليس لديها من يخدمها في المنزل. المفهوم مختلف كليا عن مفهوم المجتمعات العربية للأمر. يمكن الاستعانة أسبوعيا بشخص لتنظيف المنزل لبضع ساعات، يتقاضى مقابلها الأجر والمعاملة الجيدة. كما تم تنظيم احتياجات المجتمع للمساعدة في حال المرض، أو العجز أو الولادة، وذلك عن طريق تقديم خدمات لساعات ولمدة محددة، على أن يكون الأجر محددا سلفا من قبل المؤسسة التي تقوم بتأمين المساعدة، وتنسق مع شركات التأمين الصحي. أي أن المساعدة هي للمحتاج، فقيرا كان أم غنيا. المال ليس للتباهي به، ومن يفعل يجابه بازدراء كبير من قبل المجتمع.

تحافظ العائلة المالكة الهولندية على هذه الخصوصية أيضا، إذ في المناسبات التي تطل فيها العائلة المالكة على الجمهور أو أمام عدسات الكاميرات، نرى أن الأولاد الصغار برفقة الأمير أو الأميرة، يلعبون ويركضون أو ينامون على كتف الوالد أو الوالدة.

في وقت نرى أن العائلات العربية الميسورة، أينما ذهبت برفقة الأولاد، فان الخادمة موجودة لتهتم بالأولاد، يأخذونها معهم أينما ذهبوا في الزيارات الاجتماعية، وفي المطاعم والشوارع. الخدم للخدمة وللتباهي.

العائلة مقدسة

وعن هذا الأمر تقول ماريا " إن هولندا تعلق أهمية كبيرة على مفهوم العائلة وهو مفهوم مقدس ومهم. ونرى أن نسبة عالية من الأمهات الهولنديات لا يعملن دوام عمل كامل، وذلك من اجل الاهتمام بأولادهن. ولهذا نرى أن أفراد العائلة المالكة لا يظهرون بالعلن مع المربية ويهتموا بأنفسهم بالأولاد. إذ إن الفكرة السائدة في هولندا هي إذا أردت إنجاب الأولاد يجب أن تهتم جيدا بهم"
وعن وجود خدم في بيوت العائلات الغنية في هولندا تقول ماريا" لا وجود لخدم بالبيت ليل نهار كما كان يحصل سابقا. هناك أناس يأتون للخدمة ثم يذهبون مع نهاية ساعات عملهم إلى بيوتهم.
الخصوصية مهمة

المهندسة اللبنانية نيكول التي تعيش في اوتريخت منذ أكثر من 18 عاما، اعتبرت من جهتها أن السبب في عدم وجود خدم في البيوت الهولندية المقتدرة يعود إلى عوامل عدة أولها
أن كلفة المساعدة في المنزل باهظة جدا، وعلى سبيل المثال إن كلفة يوم واحد أي 8 ساعات عمل في تنظيف المنزل في هولندا موازية لكلفة شهر بالكامل لخادمة في لبنان مثلا. معظم الأصدقاء من الهولنديين تأتي امرأة لمساعدتهم في المنزل لأربع ساعات مرة في الأسبوع أو الأسبوعين.

ثانيا يعتبر الهولنديون أن وجود شخص ليلا نهارا في المنزل لخدمتهم هو نوع من الاستعباد وهذا ما يرفضونه بشدة، ولا يرحبون أبدا بالفكرة.

ثالثا الأمر يعود أيضا إلى أنهم حريصون جدا على خصوصيتهم ولا يرغبون بوجود شخص غريب في المنزل معهم.

وعن الحاجة للمساعدة في حال المرض أو العجز تقول نيكول:

"في هولندا يوجد نظام تأمينات والبلدية لديها مؤسسة تعمل على تامين المساعدة للأشخاص المرضى مثلا، يأتي من يساعدهم لبعض الساعات وبالتالي تنتفي الحاجة إلى الخدم. الدولة تقوم بتامين البديل والمساعدات لان اليد العاملة في هولندا غالية جدا مقارنة ببلدان الشرق الأوسط."
و أشارت إلى أن بعض العائلات تحتاج للمساعدة في الاهتمام بالأولاد، وبالتالي يستعينون بخدمات المربيات ولكن بمفهوم جديد غالبا ما يعمل فيه طلاب يأتون للعلم في هولندا ويحتاجون إلى مسكن مثلا، ويتم الاتفاق على تبادل الخدمات، السكن مقابل خدمة معينة ومحددة أما الاهتمام بالأولاد أو تنظيف المنزل أو الطبخ. ويواظبون على الدراسة في الوقت نفسه. لا بدل مادي مباشر بل تقديم السكن.

الخادمة الأجنبية

وعن وضع الخادمات في لبنان تقول نيكول" في لبنان مطلوب من الخادمة الكثير، وان تكون دائمة جاهزة لكل الأعمال، ولا حماية قانونية لها، إذ إن معظمهن أجنبيات من دول فقيرة.
تجدر الإشارة إلى سلسلة من كتب الأطفال بعنوان "ميمي والكرة الأرضية" صدرت مؤخرا في لبنان للطبيبة ليلى زاهد وتهدف إلى توعية الأولاد وتعليمهم أن النساء اللواتي يعتنين بهم لسن مجرد خادمات، بل يأتين من بلدان لها ثقافتها وتاريخها.