رمز الخبر: ۱۶۹۵۱
تأريخ النشر: 05:36 - 28 October 2009
تعلمت أننا يجب أن نعمل أکثر لخدمة الناس، الذين تتجدد احتياجاتهم ولا نهاية لمتطلباتهم. وتعلمت أننا يجب أن نفتح أعيننا جيدا على ممارسات أعدائنا، لأنهم يملکون من حيل وأساليب التأثير، ما لا يخطر على بالنا.
عصر ايران - فى أول حوار شامل للرئيس الإيرانى مع صحفى عربى بعد الانتخابات قال محمود أحمدى نجاد إن إسرائيل لن تهزم إلا بالتعاون بين مصر وإيران،
   
وشدد الرئيس احمدي نجاد في مقابلة مع الصحفي المصري فهمي هويدي على أن الضغوط الغربية التى حرصت على إثارة الفتنة بين إيران وجيرانها فى الخليج الفارسي ، مورست فى أثناء الانتخابات الرئاسية الأخيرة. لکى تنتقل الفتنة إلى الداخل واستخدمت فى ذلک أساليب أعلن عن بعضها، وسيتم الکشف عن البعض الآخر فى وقت لاحق.

وقال هويدي عن طريقة لقائه الرئيس الايراني والمواضيع المطروحة في المقابلة : التقيته فى مکتبه الذى يبدأ العمل به فى السادسة من صباح کل يوم. ولاحظت أمرين، أولهما أنه کان يرتدى ذات الحلة الرمادية التى کان يرتديها حين قابلته منذ ستة أشهر، وثانيهما أن الشعرات البيضاء تضاعفت فى لحيته عما کانت عليه فى اللقاء السابق. نقلت إليه الملاحظة الثانية فکان رده أن ذلک حال الدنيا. وحين سألته عما إذا کان لذلک علاقة بتجربة الانتخابات الأخيرة قال إنه رغم الضجيج الکبير الذى حدث فى تلک الفترة، فإن الشغل حينها لم يکن أکثر ولا أثقل منه فى الأيام العادية.

سألت: کيف خرج من الانتخابات؟

فرد بسرعة قائلا: إنه يشعر الآن أنه أصبح أقوى من ذى قبل، ليس فقط لأنه حاز على 25 مليون صوت، ولکن أيضا لأن الإيرانيين حسموا اختيارهم الحقيقى وکان انحيازهم واضحا إلى خط الثورة ومبادئها.

قلت: هل توافق على أنک حين خرجت قويا ومنتصرا فإن الجمهورية الإسلامية خرجت وقد جرحت صفحتها وانشقت صفوفها؟

قال: هذا کلام غير دقيق: لأن کل ما حدث فى المرة الأخيرة وقع من قبل. فالخلافات بين الأشخاص والمواقف وحتى حول قضية فلسطين ودعم المقاومة، کان لها نظيرها فى کل انتخابات رئاسية سابقة. ولکن أساليب المتنافسين اختلفت هذه المرة، بحيث أراد بعضهم أن يضغط من خلال النزول إلى الشارع. وفى الوقت ذاته فإن الإعلام ووسائل الاتصال الأخرى مارست دورا شريرا فى تعبئة وتحريض الناس فى الداخل وتضليل المتابعين فى الخارج.

قلت: تحدثت عن تدخلات أجنبية فيما حدث بعد إعلان النتائج، ما هى طبيعة تلک التدخلات؟ ثم إنها إذا کانت قد حدثت وحققت بعض أهدافها. ألا يعنى ذلک أن الوضع الداخلى قابل للاختراق والناس مستعدة للتجاوب مع الاختراق؟

قال: التدخلات الأجنبية أمر مقطوع به. فبعض الدول الغربية مثل إنجلترا وفرنسا، استنفرت لدفع الأمور إلى ما هو أبعد من خلال التصريحات الرسمية وتکثيف الحملات الإعلامية. وما فعلته الـ«بى. بى. سى» يشهد بذلک. ثم إن بعض السفارات فى طهران أعلنت عن استعدادها لاستقبال جرحى الاشتباکات «إيطاليا مثلا» وکان ذلک أمرا غريبا، والواقع أنها لم تکن وحيدة. ولکن هناک سفارتين أخريين لم يعلن عنهما انحازتا إلى الموقف نفسه. فى الوقت الذى ضبطنا فيه موظفى بعض السفارات وهم يحاولون تأجيج المظاهرات وسجلنا اتصالاتهم مع بعض العناصر. وهذا ملف لم يکشف النقاب عنه تماما، على الرغم من إعلان بعض معلوماته، لکن الوقت لم يکن مناسبا لکشف النقاب عن حقيقة وطبيعة التدخلات التى تمت، وهو ما سيتم الإعلان عنه فى وقت لاحق. ولست أوافق على قابلية الوضع الداخلى للاختراق، لأننا بصدد بلد يزيد سکانه على سبعين مليونا ويضم کل الأطياف. وإذا کانت هناک قلة مستعدة للاختراق، فإن أضعافهم صمدوا وظلوا على ولائهم لمبادئ وقيم الثورة الإسلامية.

سألته: بماذا تفسر أن الفقراء صوتوا لصالحک، فى حين أن النخب والمثقفين صوتوا لمنافسک «مير موسوى»؟

قال: هذا التصور ليس دقيقا، لأن الذين صوتوا لى کانوا من مختلف الشرائح الاجتماعية.
فقد حصلت على 29 مليون صوت، فى حين أن المحرومين فى البلاد ليس لديهم أکثر من 12 مليون صوت فقط. وإذا افترضنا جدلا أنهم جميعا صوتوا لى، فمعنى ذلک أن هناک 17 مليون شخص من الفئات الأخرى صوتوا لصالحى.

قلت إن الـ12 مليون صوت هى الفرق بينک وبين المنافس الأول «مير موسوى»، وهذا ما يؤيد ما قلته فى السؤال.

قال: لا أنکر أن المحرومين والفقراء فى البلد الذين کانوا محل اهتمامى طوال السنوات الأربع الماضية صوتوا لى، لکن ما أردت قوله إن النخب والمثقفين والشرائح الاجتماعية الأخرى صوتوا لى أيضا.

أضاف: لقد راهن البعض على طلاب الجامعات الذين يشکلون عنصر ضغط وقوة مؤثرة فى الحياة السياسية «عددهم 3.5 مليون».وتصور هؤلاء أنه ما إن يبدأ العام الدراسى حتى تتجدد المظاهرات ويخرج الطلاب إلى الشوارع ليجددوا الاضطرابات والفوضى. ولکن شيئا من ذلک لم يحدث، الأمر الذى يعنى أن هناک أوهاما کثيرة يجرى تسويقها عبر وسائل الإعلام، لکنها لا أصل لها.

سألته: ما الذى تعلمته من تجربة الانتخابات؟

قال: تعلمت أننا يجب أن نعمل أکثر لخدمة الناس، الذين تتجدد احتياجاتهم ولا نهاية لمتطلباتهم. وتعلمت أننا يجب أن نفتح أعيننا جيدا على ممارسات أعدائنا، لأنهم يملکون من حيل وأساليب التأثير، ما لا يخطر على بالنا. کما تعلمت أن الناس لا يمکن خداعهم بسهولة، وأن بعضهم قد يتأثرون بالحملات والضغوط لکن سرعان ما يستردون وعيهم وينحازون إلى الاختيار الصحيح فى نهاية المطاف.

قلت: هل هناک رسالة أردت أن تبعث بها حين رشحت ثلاث سيدات للاشتراک فى الحکومة؟

قال: لقد حاولت أن أضع معيارا مجردا لاختيار أعضاء الحکومة. وکنت وما زلت مقتنعا بأن السيدات الثلاث من الکوادر المناسبة تماما للوزارات التى رشحن لها. ولم أکن منشغلا بکونهن من الإناث، لأن عنصر الکفاءة کان الحاسم عندى. ولکن مجلس الشورى کان له رأى آخر. فلم يقتنع باثنتين وأجاز الوزيرة الثالثة (الدکتورة وحيدة دستجردى وزيرة الصحة ــ متخصصة فى أمراض النساء).

قلت: بعد تعيين وزيرات لأول مرة، على الرغم من اعتراض بعض المراجع فى «قم»، سمعت أن هناک اتجاها لتعيين نساء فى منصب محافظ الإقليم.

قال: لم لا، فمادامت الکفاءة هى المعيار، فينبغى ألا نفرق بين الرجال والنساء فى مختلف مناصب الدولة.

قلت: هل فکرت فى ضم بعض عناصر الإصلاحين إلى الحکومة؟

قال: أولا هم خسروا ولم يفوزوا فلماذا نشرکهم فى الوزارة، وهم ممثلون فى مجلس الشورى ويشارکون من خلاله، وثانيا يجب أن تعلم أننا جميعا إصلاحيون بالمفهوم الحقيقى للکلمة. وسجلنا خلال السنوات الأربع الماضية يشهد بذلک. والفرق بيننا وبينهم أننا نعمل طول الوقت وهم يتکلمون طول الوقت.

هل تعتبر أن ملف الانتخابات أغلق؟

بالنسبة لى هذا الموضوع انتهى وصفحته طويت. وعندى من مشاغل المستقبل ما لا يسمح لى بالنظر إلى الوراء.

کم عدد المعتقلين الذين قدموا إلى المحاکمة؟

لست متابعا لهذا الموضوع، لأنه برمته بين أيدى القضاء.

سمعت شکاوى کثيرة من الغلاء الذى أرهق الطبقات الفقيرة.

أدرى أن الأسعار زادت حقا لکن دخول الناس تضاعفت أيضا.

نشرت الصحف أنکم قدمتم مشروعا لإعادة النظر فى دعم السلع؟

مجلس الشورى وافق على سياسة الإصلاح الاقتصادى التى قدمناها، حيث أيدها 188عضوا وعارضها 45 فقط. وبمقتضى هذه السياسة التى تتحرى العدل قدر الإمکان فإننا نتجه إلى إلغاء دعم السلع الأساسية بالنسبة للجميع، وتقديم الدعم نقدا إلى الفقراء، فى الوقت الذى نوسع من دائرة التأمينات ونرفع من قيمة المعاشات، بحيث يظل الدعم موجها إلى من يستحقه، فى الوقت ذاته فإننا نتجه إلى تقليل الاعتماد على النفط، بالحد من استهلاکه وتشجيع الصناعات الأخرى.

إلى أى مدى تأثرت إيران بالأزمة الاقتصادية العالمية؟

التأثر ضعيف لسبب أساسى هو أن اعتمادنا على الخارج محدود نتيجة الحصار المفروض، واهتمامنا شديد بالتنمية الذاتية، ولا تنس أن إيران تحتل المرتبة الـ17 من حيث النمو الاقتصادى على مستوى العالم. فمصانع السيارات فى العالم تواجه تراجعا فى مبيعاتها، فى حين أنها لم تتأثر عندنا، کما أن إنتاجنا من الفولاذ والألومنيوم والنحاس فى تزايد.

ــ هل توافق على أن الإيرانيين شعب مستهلک أکثر من کونه منتجا؟

هذا صحيح، وکون إيران بلدا منتجا للنفط فالطاقة فيه رخيصة، والمجتمع يدرک أن النفط يغطيه دائما، ولذلک فإنه يتخلى عن الحذر فى الاستهلاک، فى الوقت ذاته فإن مجتمعنا تضغط عليه التطلعات الاقتصادية الحياتية بشدة، وللعلم فإن 75 بالمائة من الإيرانيين يعيشون فى بيوت يمتلکونها، بينما 25 بالمائة فقط مستأجرون.

سألته عن رأيه فى تهديدات رئيس وزراء فرنسا الذى لوح مؤخرا بتشديد العقوبات على إيران،

فقال إن الحکومة الفرنسية تتخبط ولا تدرى ماذا تريد أن تفعل، ولغة التهديدات هذه عفا عليها الزمن ولم تعد تجدى، ونحن ملاحقون بالمقاطعة تارة وبالتهديدات تارة أخرى منذ ثلاثين عاما، وفى ظل هذه الضغوط فإن إيران کبرت وأصبحت قوة إقليمية يعمل الجميع لها حسابا.

قلت إن ثمة لغطا حول تخصيب إيران لليورانيوم، وکلاما عن شرائه مخصبا من الخارج.

 فقال إن اليورانيوم أنواع ودرجات. وتقنيات التخصيب متوافرة لدى العلماء الإيرانيين، وفى الوقت الراهن فقد أصبح بمقدورنا التخصيب بنسبة 3.5 بالمائه لاستخدامات الطاقة، لکن التخصيب الذى نحتاجه لإنتاج الأدوية تصل نسبته إلى 20 بالمائة وهو ما نستطيع أن نحصل عليه بقدرات علمائنا. لکننا قبلنا أن نتعاون مع أى دولة أخرى لانتاجه، حتى نطمئن المجتمع الدولى، ولدينا عروض من دول عدة للتعاون المشترک فى ذلک. وهذا أمر سنقرره خلال الأسبوع المقبل.

سألته عن صحة اختفاء 4 علماء إيرانيين، أحدثهم شهرام أميرى الذى لم يظهر منذ أدى العمرة فى السعودية، وعن صلته بالمفاعل الذى أعلن عنه مؤخرا بالقرب من مدينة قم.

فى رده قال إن الذين اختفوا خطفتهم المخابرات الأمريکية، ولدى إيران معلومات محددة فى هذا الصدد، وليس لشهرام أميرى أى علاقة بمنشأة قم.


سألته عن مضمونه اقتراحه المطالبة بإشراک إيران فى إدارة العالم،

فقال إن هذه الفکرة وردت ضمن حزمة الاقتراحات التى قدمتها إيران مؤخرا إلى اجتماعات دول 5 + واحد. وهى تنطلق من مبدأ رفض تحکم عدد محدود من الدول فى مصير العالم والمؤسسات الدولية منذ الحرب العالمية الثانية فى منتصف القرن الماضى، فى حين أن العالم تغير تماما خلال تلک الفترة. وقد آن الأوان أن تکون المنظمات الدولية تعبيرا أمينا وصادقا عن حقائق الجغرافيا السياسية فى العالم. ولذلک تطالب إيران بأن يکون لها حضور فى تلک المنظمات، بحجم حضورها فى الواقع السياسى.

قلت: مادام لدى إيران هذا الطموح الذى يراود ترکيا أيضا، فلماذا لا تحذو حذو أنقرة وتتجه إلى مصالحة جيرانها أولا، وهو الإنجاز الکبير الذى نجحت فيه ترکيا، حتى تصالحت مع أرمينيا على الرغم مما بين البلدين من ثارات ومرارات تاريخية.

سألنى: ماذا تعنى؟

قلت: إن دول الخليج الفارسي تستشعر خوفا وقلقا من أنشطة إيران العسکرية وبرنامجها النووى.

قال: أولا: لا تقارنا بعلاقات ترکيا وأرمينيا، لأن بين الطرفين خلافات تاريخية دموية وهذا ليس موجودا فى تاريخ علاقاتنا بدول الخليج الفارسي . ثانيا: لأن أعداءنا فى الغرب حريصون على التباعد والوقيعة بيننا، وبعض المسؤولين الذين يزوروننا من دول الخليج الفارسي ينقلون إلينا هذا الکلام. ثالثا: لأن أيدينا ممدودة لدول الخليج الفارسي ، ونتبادل الزيارات مع بعضها. ولدى البعض الآخر دعوات لزيارتنا. فقد زرت السعودية وقطر 4 مرات، وزارنا حاکم دبى وسلطان عمان. وهؤلاء يعرفون جيدا أن مقولة «الخطر» لا أصل لها وأنها دسيسة غربية.

قلت أخيرا: فى طهران لغط کثير حول تربح أولاد الأکابر، واسمح لى أن أسأل: أين يعمل أبناؤک.

 قال لدى ثلاثة أولاد؛ الأول مهندس معمارى، والثانى مهندس ميکانيکى، وهما موظفان وليس لأى منهما نشاط، والثالث يوشک على التخرج ليکون مهندسا متخصصا فى الاتصالات. ولعلمک فأمهم مهندسة أيضا، ولذلک لک أن تقول إننا أسرة مهندسين بالکامل.

قبل أن أغادر ألقى علىّ سؤالين؛ الأول عن أوضاع العالم العربى والإسلامى، والثانى عما يحدث فى فلسطين. وبعد أن سمع إجابتى قال إن أشياء کثيرة يمکن أن تتحقق للعرب والمسلمين إذا تعاونت فى ذلک مصر وإيران، وبوجه أخص فإن التوافق بين البلدين من شأنه أن يلحق الهزيمة بإسرائيل، بما يضع المنطقة کلها على أبواب عصر جديد يسوده الاستقرار وتتحقق فى ظله أحلام التقدم. ثم إزاح سترته ووضع يده على قميصه وقال: هذا الکلام أقوله من قلبى. وأرجو أن تنقله على لسانى.