رمز الخبر: ۱۷۵۵۲
تأريخ النشر: 08:46 - 16 November 2009
صالح عوض
عصرایران - يسر الله لي امرالتنسيق للسفر من غزة الى مصر بعد سنوات من السجن غير المفهوم وغير المبرر الذي شمل مايقارب مليوني نسمة في غزة .. شعرت بما كنت اشعر به دوما عندما اجهز حقيبتي للسفر من فلسطين وفي كل مرة اتذكر كلام محمود درويش : وطني حقيبة وانا المسافر وعن المستقبلين بلا ياسمين .. لقد كان مخيم اللاجئين برفح حيث ولدت وترعرعت وتشكلت همومي واهتماماتي يختصر لي الوطن كله والقضية بكل تفاصيلها ومعاناتها ، فكنت اخاف ان انتزع من المخيم .. صحيح نحن نسكن الان خارج المخيم لكن المخيم لايزال يسكن فينا واذا بي اذرف بعضا من الدمع السخين وانا ادرك انه لايجوز المغادرة دون اذن ولي امر البلاد كما كنت معتادا مع ابي عمار ..فهذه ارض الله المباركة لاينبغي مغادرتها الا باذن .. ولكن من هو صاحب الامر بعد ان انشق الامر الى قسمين واصبح الرباط فقط في الاعلام والشعارات فيما الشعب يرسف في الذل والهوان ، تمارس عليه ابشع حالات التحطيم المعنوي لاخراجه من ذاته ..

منذ اسبوع تم الاعلان عن فتح المعبر بين قطاع غزة ومصر لعدة ايام لنقل المصابين بامراض خطيرة لاعلاج لها في القطاع ،ولانتقال الفلسطينيين المقيمين بالخارج وحملة الجنسيات الاجنبية والمنسقين من قبل الجانب المصري.. كانت الاولويات التي جعلتها الداخلية في غزة غير مفهومة لدى الكثيرين هل يسافر المرضى أولا؟ ام حملة الجنسيات المقطوعة بهم السبل؟ ام المقيمين بالخارج الذين فقدوا او قد يفقدوا مصادر رزقهم في وظائفهم بدول الخليج؟ ام المنسقين الذين اصبح الموت لاحدهم اهون من سجن لامبرر له وغير معروف النهايات ؟؟؟ هنا كانت الاختيارات صعبة و حتى التركيب بين هذه الاختيارات صعب فالمدة محدودة والعمل بالمعبر يتم فقط لساعات محدودة في اليوم ، ولايتم استقبال سريع ومريح للمسافرين على الجانب المصري بل المهانات والاذلال لامر الذي جعل عدم السفر موتا وجعل السفر عذابا وجهنما .. ما الذي يمكن ان يسهل مرور االاعداد المكتظة على سجلات وزارة الداخلية الفلسطينية!!؟؟.

كان علي ان انطلق من مدينتي رفح الى غزة فور سماعي خبر ظهور التنسيقات على موقع الداخلية الى مجمع المقرات الحكومية لاسجل اسمي في سجلات المسافرين ..وفي اليوم الثاني اذهب مبكرا الى مكان تجمع الحافلات في مدينة خانيونس ..وهناك ننتظر الاسماء ..كان من المقرر ان تخرج حافلات المنسقين على دفعتين خلال الايام الثلاثة ..ومن 17 حافلة لم تخرج الا 6 حافلات طيلة المدة..لم يحالفني الحظ ان اكون في احدها و لايعرف احد كيف يتم التوزيع..وماهي معاييره.

فكان لابد ان اذهب الى المعبر- القريب من بيتنا..خمسة ايام منذ الصباح الباكر الى منتصف الليل.. حشود من المتعطشين للسفر المأملين من قبل وسطاء بامكانية السفر الى مصر..وهنا تسمع القصص والحكايا وكل فلسطيني عبارة عن رواية متنقلة .. على الارض بعيدا عن مقاعد المقاهي القليلة بجوار البوابة جلس المئات من المنتظرين فيما الشرطة تبعدهم بقوة لاتخلو من عنف ..وتسري اشاعات عديدة بين المنتظرين عن امكانيات السفر لمن يدفع 2000 دولار..ويرفع كل منهم جواله يجري اتصاله مع الجانب الاخر في مصر .. وتمضي الساعات الطويلة نترقب من يخبرنا عن قرب الفرج: خمسة دقائق ..عشرة ..الان حالا..ولايهمك.. ويمضي الوقت والامل موجود حتى يخبرنا شرطة البوابة ان المعبر قد اغلق على الساعة الثالثة فجرا فيتبخر الامل فنعود الى بيوتنا ويكون بعض الافراد القلائل الذين عرفوا كيف يدفعون قد تمت المناداة على اسمائهم واخذوا بسيارة خاصة للجانب المصري ..وفي غد تبدأ رحلة السراب وراء الوعود الكاذبات.

العجيب في مثل هذه الاجواء تنمو طبقة الوسطاء والساقطين امنيا والمتزلفين السماسرة ..لله در هذا الشعب المسكين كل السكاكين تحز في عنقه وهو يصر على الحياة..بعد خمسة ايام لم اكن اعرف من النوم او الطعام الا لمما فتحت حقائبي اخرجت منها كتابا كنت احب ان اقراه في رحلتي اسمه الدعاء للمفكر الكبير علي شريعتي ما ان اخذت في قراءة اسطره الاولى حتى اجهشت بالبكاء لماذا كنت اؤمل النفس بالبشر واي بشر انهم من يخنق الشعب ويقتل روحه..فغفرانك يارب لافرج الا من بابك وليس من أي بوابة اخرى!!