رمز الخبر: ۱۷۸۷۸
تأريخ النشر: 11:50 - 24 November 2009
عصرایران -القدس العربی - بعد ان بدأ غبار ازمة المواجهة الكروية بين مصر والجزائر في الهدوء، واتضح للكثيرين حجم الضرر الذي لحق بالعلاقات بين قطرين عربيين مسلمين شقيقين من جراء الانفعالات الاعلامية غير المنضبطة، اصبحنا نشاهد ونسمع اصوات العقل تظهر من وسط ركام الاحقاد وعمليات التحريض المقصودة من نظامي البلدين لتحويل الانظار عن اخفاقاتهما الداخلية.

اتحاد الكتاب في مصر كان احد نقاط الضوء الساطعة وسط هذا الظلام الدامس، عندما اصدر بيانا امس أدان فيه حملات الشحن الاعلامي الهادفة الى زرع الفتنة واثارة الفرقة بين مصر والجزائر، وناشد فيه جميع الاطراف ان لا يخلطوا في العلاقات العربية بين الثوابت والمتغيرات، لان الخلافات المتغيرة، مثلما جاء في البيان، بين دولة واخرى، لا يجب ان تهدد ثوابت العمل العربي المعتمد على التاريخ الواحد والمصير المشترك.

ولا بد من الاشارة، وباحترام شديد، الى المبادرات التي صدرت عن بعض الفنانين المصريين تجاه زملائهم في الجزائر، وما انطوت عليها من رسائل محبة، واصرار على مواصلة العلاقات الاخوية الطيبة والاعمال المشتركة.

نعترف اننا انتقدنا في هذه الجريدة، وفي اماكن متعددة، جنوح بعض الوسائل الاعلامية المصرية، والمرئية منها على وجه الخصوص، واعتمادها اساليب تحريض افتقدت الى المهنية والمصداقية، وغلب عليها الطابع الانفعالي، ولكننا نجد لزاما علينا التأكيد على ان هناك وسائل اعلامية، ومحطات تلفزة، وزملاء سواء من مقدمي البرامج او كتاب الاعمدة في الصحف، تصرفوا بطريقة مسؤولة، وابتعدوا عن الاثارة، وقبضوا على جمر الثوابت العربية بقوة، ونالهم الكثير من النقد والتشهير بسبب ذلك.

الاسبوعان الماضيان كانا الاسوأ في تاريخ الامة الحديث بسبب الآثار السلبية التي نجمت عن تداعيات الاحداث المرتبطة باللقاءين الكرويين في القاهرة والخرطوم والروايات الملفقة حول الصدامات التي رافقتهما من قبل الطرفين الجزائري والمصري، وهي آثار ربما نحتاج الى سنوات ان لم يكن لقرون لعلاجها.

نعتب على مصر اكثر من غيرها، لانها الشقيقة الاكبر التي كانت الحاضنة لكل قضايا الامة، والرائدة في المجالات كافة، ومن واجب الكبير ان يكظم غيظه، ويتعالى عما يراه تطاول البعض عليه.

الشعب المصري يتمتع برصيد كبير من الطيبة والاستعداد الاكبر للتضحية من اجل اشقائه، وخاصة في الجزائر الشقيقة وفلسطين قبلها وبعدها، فدماء ابناء هذا الشعب في جبهات القتال كان لها الفضل الكبير في تحقيق الانتصارات على عداء هذه الامة، ونقول ذلك تقديرا واحتراما، واثباتا للحقائق.

الذين انخرطوا في اعمال الشغب او التحريض، سواء في مصر او الجزائر هم حفنة قليلة لا تعبر عن المشاعر الحقيقية، والسلوك الحضاري لابناء الشعبين، وقد لمسنا ذلك بوضوح من خلال مئات الآلاف من الرسائل والردود التي وردت الى صحيفتنا طوال الايام الماضية.

اننا نناشد الرئيسين المصري حسني مبارك والجزائري عبد العزيز بوتفليقة بالاقدام على مبادرات شجاعة، وفي اسرع وقت ممكن، لتطويق الازمة، ولفلفة ذيولها، ونتمنى عليهما ان يلتقيا، سواء في الجزائر او القاهرة للتأكيد على الروابط التاريخية والاخوية العميقة بين البلدين.

نذهب الى اكثر من ذلك ونتمنى على الرئيس بوتفليقة باعتباره الاصغر سنا، والاقصر زمنا في الحكم، ان يتوجه الى القاهرة، والى مقر الرئيس مبارك في قصر القبة معانقا ومواسيا، ومعتذرا عن بعض الاخطاء الناجمة عن انفعال غير مقصود من قبل مجموعة صغيرة من المشجعين.

الرئيس بوتفليقة ذهب الى القاهرة بصحبة العقيد الليبي معمر القذافي معزيا الرئيس مبارك في وفاة حفيده، ومؤكدا له دعم الجزائر المطلق للسيد فاروق حسني وزير الثقافة المصري في معركته لرئاسة اليونسكو، والتبرؤ من دعم المرشح الجزائري.

الرئيس مبارك ايضا، مطالب بدوره بقبول هذا الاعتذار والرد عليه باعتذار اقوى عن ممارسات بعض السفهاء في اجهزة الاعلام المصرية.

مصر تظل كبيرة بتاريخها الوطني المشرف وشعبها المعطاء. وهي مثلت العرب في المونديال قبل ان تستقل معظم الدول العربية بما فيها الجزائر، وهي تستحق من العرب جميعا كل المحبة والتقدير والاحترام.