رمز الخبر: ۱۸۰۱۱
تأريخ النشر: 08:06 - 29 November 2009
حميد بارسانيا
عصر ايران ، حميد بارسانيا – تحدث خطباء الجمعة في المسجد النبوي والمسجد الحرام خلال الاسبوعين الاخيرين ضد مراسم البراءة من المشركين في ايام الحج ,و اعتبروا ان البراءة منافية لمناسك الحج بل انها بدعة واكدوا بان ايات سورة البراءة التي اعلنت في الحج كانت لعام واحد ولظروف كان المشركون يتواجدون فيها في مكة واليوم لا يوجد اي مشرك في ارض الوحي. المقال التالي يرد على هذا الراي.

بسم ‎الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمین و الصلوة و السلام علي من لا نبي بعده، و الصلوه و السلام علي اهل بيته الاكرمين و صحبه المنتجبين

ان تعاليم القران الكريم تشهد على ان الحياة الدنيوية غير منفصلة عن الحياة الاخروية وان احكام وتعاليم الشريعة الاسلامية لا تقتصر فقط على الحياة الاخروية بل تهتم بالحياة الدنيوية ومصالحها ومنافعها ايضا. ان الصلاة التي تعتبر عمود الدين اضافة الى انها تعمل على ايجاد الارتباط بين الانسان وربه فانها تنهى عن الفحشاء والمنكر "«انّ الصلوة تنهي عن الفحشا و المنكر و لذكر الله اكبر» (العنكبوت/ 45) وان الكعبة التي هي بيت الله الحرام فان الله سبحانه وتعالى جعلها قياما للناس «جعل الله الكعبه البيت الحرام قياما للناس» وبما ان الحج هو تبلور التوحيد وموقع ذكر الله فانه مكان حضور منافع الناس «ليشهدوا منافع لهم و یذكروا اسم الله» (الحج/ 28).

فالحج عبادة يتجمع فيها الناس في ظل التمسك بالله وتلبية دعوته ليشهدوا في هذا المؤتمر العظيم منافعهم التي هي منافع الامة الاسلامية. ان القرائن التاريخية منذ صدر الاسلام ولحد الان تظهر بان الخلفاء والمسلمين واصحاب رسول الله (ص) كانوا يطرحون الاحكام الحكومية وقضايا ومصائب الامة الاسلامية في ايام الحج وكانوا يبتهلون الى الباري عز وجل لحلها. ان ذكر القضايا التي حلت خلال الاعوام الاخيرة على المسلمين من قبل خطباء الجمعة والجماعة في ايام الحج هو نموذج على هذه السنة الاسلامية الحسنة. مثل طرح مصائب شعب البوسنة او الشعب الافغاني.

ومن الواجبات الشرعية والاجتماعية التي يتولاها المسلمون ، هي البراءة من المشركين والتظلم ازاء ممارسات الظالمين. ان البراءة من المشركين هي حكم مستقل شرعي قابلة للاستفادة من الايات القرانية المختلفة بشكل مباشر او غير مباشر. ان القران الكريم يعتبر التبري من المشركين سنة حسنة لباني بيت الله ومقيم مناسك الحج ابراهيم خليل الله - على نبينا وآله وعليه الصلوة والسلام- ويقول ": فلما تبين له انه عدو الله تبرء منه (التوبه/ 114). وقد اعلن ابراهيم عليه السلام براءته من المشركين وقال «انني براء مما تعبدون (الزخرف/ 26).

وقد نسب القران الكريم البراءة من المشركين ليس لابراهيم فحسب بل الى الابراهيميين وطلب من المسلمين بان يعتبروا عمل ابراهيم والذين معه اسوة لهم «قد كانت لكم اسوه حسنه في ابراهيم و الذين معه اذ قالوا لقومهم انا براء منكم و مما تعبدون من دون‎الله كفرنا بكم و بدا بينا و بينكم العداوه و البغضاء ابدا حتى تؤمنوا بالله وحده...» (الممتحنه/ ٤).

ان واجب البراءة المستقل الذي هو واجب الهي يجب ان يتم بصورة علنية وان مؤتمر الحج العام يعد احد افضل الاماكن والازمنة لاظهاره وان الله سبحانه وتعالى الذي اشار في حالات مختلفة وبمختلف البيان الى براءة رسول الله والمؤمنين من الكفار والمشركين ، وفي السنة الهجرية التاسعة يعلن في الحج الاكبر براءته ورسوله من المشركين في ذلك الزمان «و اذان من ‎الله و رسوله الی الناس یوم الحج الاکبر ان الله برئ من المشرکین و رسوله» (التوبه/3).


والان يطرح هذا السؤال نفسه وهو هل ان الاية التي تتحدث عن اعلان الله ورسوله البراءة من المشركين في ذلك الزمان هل تدل على انه لا يجوز اعلان البراءة من المشركين الاخرين؟ وهل تدل على ان اعلان البراءة في الازمة والاماكن الاخرى حرام وهل تدل على انه لا يجب اعلان البراءة من المشركين في باقي الاماكن؟ هل ان هذه الاية تدل على حصر اعلان البراءة فقط من مجموعة من المشركين في سنة خاصة وفي مكان واحد فقط؟ أم ان الاية تتحدث عن مصداق البراءة ولا تتضمن دلالة على تقيد حكم البراءة من اشخاص خاصين في زمان او مكان خاصين.

ولا يخفى على اصحاب الراي انه لا يمكن استنباط حرمة اعلان البراءة في الازمنة والامكنة الاخرى من المشركين الاخرين ، بل يمكن الاستنباط من ايات القران الكريم جواز استحباب او وجوب البراءة من المشركين لاسيما في الحالات التي يعتدي فيها المشركون على الامة الاسلامية.

ان جمع هذه الايات يظهر بان اية سورة التوبة هي في مقام بيان احد مصاديق البراءة وان تعيين المصداق ليس مخصص للعموم واطلاق عبارة اخرى.

ومن الايات التي يمكن الافادة منها بصورة مباشرة جواز او وجوب البراءة من المشركين بصورة مطلقة هي الحالات التالية :

1- اية سورة الممتحنة التي تعتبر اعلان ابراهيم الخليل والذين معه البراءة بانها اسوة للاخرين.

2- قول الله سبحانه وتعالي "لا یحب‎ الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم". (النساء/148) ان هذه الاية تجيز الاعتراض من جانب الاشخاص الذين تعرضوا للظلم ولم تقيد الاعتراض بمكان وزمان خاص. لذلك فانه اذا ما تعرض المسلمون لظلم الاخرين لاسيما المشركين فان بامكانهم ابداء احتجاجهم واستياءهم منهم.
3- ويقول الله سبحانه وتعالي " لا ترکنوا الی الذین ظلموا فتمسکم النار" ان هذه الاية تعتبر الصمت تجاه الظلم بانه سبب الوقوع في النار ، وبما انه من اللازم تجنب النار فانه من اللازم والضروري اعتماد اي فعل او قول يبرز الاحتجاج على الظلم. ومن الامور التي تربك اركان الظلم خاصة ظلم المشركين تجاه العالم والامة الاسلامية ، هي اعلان البراءة منهم. لذلك فان اعلان البراءة من المشركين لازم وضروري باعتباره يعد احد مصاديق هذه الاية.
4- ويقول الله سبحانه وتعالى "محمد رسول‎الله و الذین معه اشداء علی الکفار رحماء بینهم".

ان اعلان البراءة من المشركين يعتبر بلاشك احد مصاديق اشداء على الكفر لذلك فان اعلان البراءة ليس جائزا فحسب بل يعد وصفا محمودا.

ان ايا من الايات المذكورة وبتناسب الجواز او الضرورة تثبت وجوب البراءة من المشركين بصورة مطلقة او في حال تعرض الامة الاسلامية للعدوان.

ان ايا من هذه الايات لا تقيد جواز او ضرورة البراءة بزمان ومكان خاص.

هل هناك مانع في الحج بتقييد اطلاق الايات؟ بعبارة اخرى هل ان الحج مقيد بالا يتم فيه اعلان البراءة من المشركين او الذين يعتدون على العالم الاسلامي؟

وتصور بعض المسلمين بان الاية المتعلقة برفع الجدال والفسق والرفث في الحج تمنع اعلان البراءة من المشركين وهذا تصور باطل لانه :

اولا : ان هذه الاية تنهي عن الجدل والقسم والجدال بين الحجاج ، وترفض بشدة التعامل غير الصائب للمسلمين فيما بينهم في ايام الحج ولا تتطرق الى التعاون بين المسلمين في اظهار البراءة من المشركين. ان ترك الرفث والفسق والجدال هو مصداق هذا الوصف من نبي الاسلام (ص) والذين معه : رحماء بينهم وان اعلان البراءة اشداء على الكفار.

ثانيا : اذا كان ترك الجدال والنزاع في ايام الحج يدل على نفي البراءة لذلك فانه يجب ان يكون هناك تعارض بين هذه الاية واية سورة التوبة التي تدلل على براءة الله ورسوله في الحج الاكبر في السنة الهجرية التاسعة. في حين ان لا احد يرى ان هناك تعارضا بين هاتين الايتين لكي يبادر الى حله.

ثالثا : على افتراض ان هناك تعارضا بين هذه الاية والايات التي تدلل على جواز البراءة ، فان اية "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم" ترفع التعارض في العديد من الحالات ، لان هذه الاية تدلل على انه على الرغم من ان الله سبحانه وتعالي لا يحب ابداء الاحتجاج على الاخرين لكنه يجيز للذين تعرضوا للظلم ابداء الاحتجاج.

ويقال احيانا بان البراءة من المشركين في ايام الحج ، بدعة. نعم ان اي واجب وعمل مستقل يتم انجازه مع عمل اخر ، حتى اذا كان انجازه مع العمل الاخر افضل وانسب ، فاذا حدث بشكل يكون كجزء او شرط العمل الاخر فان انجازه يكون بدعة. اي ان الذي يتصور بان البراءة هي جزء من اجزاء الحج ومثلها مثل الطهارة نسبة الى الصلاة ، من شروط الحج الذي يعتبر عبادة شرعية ، يكون قد اضاف شرطا او جزء لا يتعلق به ، ففي هذه الحالة تكون بدعة قد حدثت.

ان البراءة هي ليست شرط الجزء او شرط الحج. بل هي واجب ديني يمكن القيام بها بشكل افضل خلال ايام الحج كما ان انجازها يتناسب مع اهداف الحج. ان اعلان البراءة يعني اشهار البراءة ، واجب اسلامي ، فاذا نفذت البراءة في الاجتماع العالمي للامة الاسلامية ستجد مصداقها الكامل وتظهر قوة وقدرة الامة الاسلامية في ظل الوحدة الاسلامية وهذا هو جزء من منافع الامة ينالها المسلمون في مؤتمر الحج العظيم من خلال اعلان البراءة من المشركين وان الحج هو مكان امر الله سبحانه وتعالي ان يشهد فيه المسلمون منافعهم.

وبلاشك فان الامة الاسلامية ان لم تستفد من هذه الفرصة الالهية بشكل ملائم رغم انها ادت الحج ، فانها ستحرم من اثر ونفع مهم يتضمنه الحج للمسلمين، وبما ان منافع المسلمين هي من اغراض واهداف الحج فان الحج الذي لا يرافقه القيام بهذا المهم لن يكون حجا مكتملا. لذلك يمكن القول انه مع اعلان البراءة من المشركين في ايام الحج فان البراءة ستجد مصداقا كاملا كما ان مصداقا كاملا من الحج يتحقق.

والاستشكال الاخر الذي اثير حول اعلان البراءة في ايام الحج هو انه لا يوجد مشرك اليوم في مكة والمدينة لكي تكون هناك حاجة الى البراءة. ان هذا الاشكال قابل للطرح بعد العدول عن الاشكالات السابقة ، اي ان هذا الاشكال قائم على اساس هذا الافتراض وهو اولا ان مناسك الحج بحد ذاتها غير منافية مع اعلان البراءة وثانيا انها لا تقتصر على السنة التاسعة وعندما انجزت في العام التاسع كانت بسبب ان المشركين كانوا موجودين بسبب نقض العهد او عدم البقاء على عهدهم او انهم ادوا الحج بصورة غير اسلامية.

ان المحور الرئيسي لهذا الاشكال هو ان البراءة من المشركين جائزة فقط عندما يكون هناك مشركون في مكة والمدينة او في الحجاز وشبه الجزيرة العربية.

والجواب على هذا الاشكال واضح ، لانه :

اولا : ان الادلة التي تجيز او تلزم البراءة من المشركين لا تختص المشركين الموجودين في مكة والمدينة. ان هذه الادلة تشمل المشركين او المشركين الذين لا يربطهم عهد مع المسلمين انه لا ثقة بعهدهم وكما يقول القران الكريم : لا ايمان لهم.

ثانيا : ربما ان الاشكال طرح من جهة ان اعلان البراءة في السنة التاسعة كان موجه ضد مشركي مكة والمدينة وان اقتصار اعلان البراءة في ذلك العام من المشركين في مكة كان بسبب ان حدود انتشار الاسلام في تلك الفترة كانت محدودة بشبة الجزيرة العربية وان نكث عهد المشركين كان في هذه الحدود. في حين ان الامة الاسلامية متواجدة على نطاق واسع من الجغرافيا السياسية للعالم المعاصر وان الاخطار التي تتهدد الامة الاسلامية لا تقتصر على شبة الجزيرة العربية. ان القران الكريم يدعو جميع المسلمين الى اداء فريضة الحج وان تحضر جميع الامة الاسلامية في هذه المراسم. ان المسلمين المتواجدين في مكة وبغض النظر عن اللغة والعرق والمكان مكلفون مراعاة مصالح ومنافع الامة الاسلامية.

ان المسلمين امة واحدة والمشركين في اي قسم من العالم الاسلامي ممن ينكثون العهد ويقومون بالعدوان والظلم فان جميع المسلمين مكلفون باظهار البراءة منهم.

اليست القبلة الاولى للمسلمين هي الان تحت احتلال الصهيونية العالمية واليست اسرائيل الغاصبة بصدد توسيع عدوانها وتوسيع الاستيطان الصهيوني وطرد المسلمين من بيت المقدس واضفاء الطابع الرسمي على تواجدها في بيت المقدس القبلة الاولى للمسلمين وتحولها الى عاصمة اسرائيل؟

اليس العراق وافغانستان يخضعان اليوم لسلطة القوات العسكرية للمشركين ، اميركا والدول الاوروبية لاسيما بريطانيا؟ واليست اقسام من العالم الاسلامي تخضع لضغوط وسلطة المشركين في الابعاد الاقتصادية والسياسية والثقافية وحتى العلمية؟

واليس المسلمون الذين يعيشون في الدول غير الاسلامية يتعرضون كمواطنين من الدرجة الثانية الى الاساءة؟ واليس ان المسلمين في الدول الاوروبية وبسبب التقيد بالاحكام الدينية بما في ذلك النساء بسبب التقيد بالحجاب محرومون من العديد من حقوق المواطنية؟

وفي الختام فان هذا السؤال يطرح نفسه وهو انه في الظروف الحالية اي في الظروف التي تحول الكفر الى امة واحدة في مواجهة الصحوة الاسلامية والازدهار المجدد للثقافة والحضارة الاسلامية ويبذل كل ما لديه من اجل مواجهة الحركة الحضارية للعالم الاسلامي ، فانه لصالح من الحد من اعلان البراءة من المشركين في مكة المكرمة التي تعد مركز الحركة التوحيدية للاسلام ؟ هل هو لصالح الامة الاسلامية ام لصالح اعداء الاسلام؟!