رمز الخبر: ۱۸۲۴۲
تأريخ النشر: 13:09 - 03 December 2009
عصرایران - وممّا هيّأ من جهته لحديث الغدير الخلود والنشور، ولمفاده التحقّق والثبوت، اتّخاذه عيداً يُحتفل به وبليلته بالعبادة والخشوع، وإدرار وجوه البرِّ، وصلة الضعفاء، والتوسّع على النفس والعائلات، واتّخاذ الزينة والملابس القشيبة، فمتى‏ كان للملأ الديني نزوعٌ إلى‏ تلكُمُ الأحوال، فبطبع الحال يكون له اندفاعٌ إلى‏ تحرّي أسبابها، والتثبّت في شؤونها، فيفحص عن رواتها، أو أنَّ الاتّفاق المقارن لهاتيك الصفات‏ يوقفه على‏ من ينشدها ويرويها، وتتجدّد له وللأجيال في كلِّ دور لفتةٌ إليها في كلِ ‏عام، فلا تزال الأسانيد متواصلة، والطرق محفوظة، والمتون مقروءة والأنباء بها متكرّرة.

إنَّ الذي يتجلّى‏ للباحث حول تلك الصفة أمران:

الأوّل: أنَّه ليس صلة هذا العيد بالشيعة فحسب، وإنْ كانت لهم به علاقة خاصّة، وإنَّما اشترك معهم في التعيّد به غيرهم من فِرق المسلمين فقد عدّه البيروني في ‏الآثار الباقية عن القرون الخالية ممّا استعمله أهل الإسلام من الأعياد، وفي مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي: يوم غدير خُمّ ذكره – أميرالمؤمنين(ع) في شعره، وصار ذلك اليوم عيداً وموسماً؛ لكونه كان وقتاً خصّه ‏رسول اللَّه(ص) بهذه المنزلة العليّة، وشرّفه بها دون الناس كلِّهم.

وقال: وكلّ معنىً أمكن إثباته ممّا دلّ عليه لفظ المولى‏ لرسول اللَّه(ص) فقد جعله ‏لعليّ، وهي مرتبة سامية، ومنزلة سامقة، ودرجة عليّة، ومكانة رفيعة، خصّصه بها دون غيره، فلهذا صار ذلك اليوم يوم عيد وموسم سرور لأوليائه.

أهميّة الغدير في التاريخ

لا يستريب أيّ ذي مُسْكة في أنَّ شرف الشي‏ء بشرف غايته، فعليه أنَّ أوّل ما تكسبه الغايات أهميّة كبرى‏ من مواضيع التاريخ هو ما أُسِّس عليه دين، أو جرت‏ به نِحلة، واعتلت عليه دعائمُ مذهب، فدانت به أُمم، وقامت به دول، وجرى‏ به ذكرٌ مع الأبد، ولذلك تجد أئمة التاريخ يتهالكون في ضبط مبادئ الأديان وتعاليمها، وتقييد ما يتبعها من دعايات، وحروب، وحكومات، وولايات، التي عليها نَسَلت الحُقُب‏ والأعوام، ومضت القرون الخالية (سُنَّةَ اللَّهِ في الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّه ِ‏تَبْديلاً)، وإذا أهمل المؤرِّخ شيئاً من ذلك فقد أوجد في صحيفته فراغاً لا تسدّه أيّة مهمّة، وجاء فيها بأمر خِداج؛ بُتِر أوّلُه، ولا يُعلم مبدؤه، وعسى‏ أن يوجب ذلك جهلاً للقارئ في مصير الأمر ومنتهاه.
إنَّ واقعة غدير خُمّ هي من أهمّ تلك القضايا؛ لما ابتنى‏ عليها - وعلى‏ كثير من ‏الحُجج الدامغة - مذهبُ المقتصِّين أثر آل الرسول(ص) وهم‏ معدودون بالملايين، وفيهم العلم والسؤدد، والحكماء، والعلماء، والأماثل، ونوابغ في ‏علوم الأوائل والأواخر، والملوك، والساسة، والأمراء، والقادة، والأدب الجمّ، والفضل الكُثار، وكتب قيِّمة في كلّ فنّ، فإنْ يكن المؤرِّخ منهم فمن واجبه أن يفيض‏على‏ أمّته نبأ بَدْء دعوته، وإن يكن من غيرهم فلا يعدوه أن يذكرها بسيطة عندما يسرُد تاريخ أمّة كبيرة كهذه، أو يشفعها بما يرتئيه حول القضيّة من غميزة في الدلالة، إن كان مزيج نفسه النزول على‏ حكم العاطفة، وما هنالك من نعرات طائفته، على‏ حين أنّه لا يتسنّى‏ له غمزٌ في سندها، فإنَّ ما ناء به نبيّ الإسلام يومَ الغدير من الدعوة إلى‏ مفاد حديثه لم يختلف فيه اثنان، وإن اختلفوا في مؤدّاه؛ لأغراضٍ وشوائبَ غير خافية على النابه البصير.