رمز الخبر: ۲۳۰۴۹
تأريخ النشر: 09:20 - 23 May 2010
عصرایران - وکالات - عقب الاعلان عن قبول ايران عملية تبادل كميات ملحوظة من الاورانيوم المنخفض التخصيب والمصنع محليا بكميات ذات تخصيب مرتفع نسبيا يسمح بتشغيل المفاعلات النووية لانتاج الكهرباء، وعلى رغم تشجيع الرئيس البرازيلي يؤازره رئيس وزراء تركيا ايران على اتخاذ هذا الموقف، ارتفعت أصوات في الولايات المتحدة وأوروبا تنادي بتأكيد تنازلات اضافية من ايران، واخضاع عملية التبادل، التي يفترض ان تنجز في تركيا، لمواكبة خبراء وكالة الطاقة النووية الدولية ومراقبتهم. وقد بادرت وزيرة الخارجية الاميركية الى القول إن المطلوب أكثر من ذلك، وأن روسيا والصين وافقتا على فرض عقوبات اقتصادية صارمة على ايران يقرها مجلس الامن.

نسارع الى القول إن روسيا والصين ولاسباب عدة لن توافقا على فرض عقوبات اقتصادية اضافية صارمة على ايران، بل قد تطالبان، عند بدء عملية تبادل الوقود النووي في تركيا، بالغاء العقوبات الحالية المفروضة، ونستند في تقديرنا هذا الى الوقائع الاتية.

عندما اعلن عن الاتفاق، أوضح وزير الخارجية الايراني باللغة الانكليزية كي لا يكون هناك خطأ في ترجمة خطابه ان هو القاه باللغة الفارسية، ان العملية تخضع لرقابة الوكالة الدولية للطاقة النووية، وان خبراء الوكالة يستطيعون الاشراف على العملية والتأكد من الكميات المتبادلة ونسب التخصيب، وتالياً التأكد من عدم توافر كميات تسمح بانتاج قنابل نووية.

كان انتاج الكهرباء من المحطات النووية قد تراجع منذ فترة، وخصوصا بعد تسرب اشعاعات مضرة في تشرنوبيل وفي محطة نووية بولاية بنسلفانيا الاميركية. والتخوف من مخاطر كهذه دفع حكومة أسوج مثلا الى حظر بناء مفاعلات نووية في اراضيها. وتراجع الاهتمام بالمفاعلات النووية لانتاج الكهرباء حتى سنتين من تاريخه مع تعاظم تأثيرات الاحتباس الحراري التي تعود بصورة رئيسية الى استهلاك الفحم الحجري أو الفيول اويل في معامل انتاج الكهرباء، وكلا المصدرين من الطاقة يساهم في زيادة حدة الاحتباس الحراري.

وتصدرت المفاعلات النووية لانتاج الكهرباء واجهة الاهتمامات من جديد. ففي الولايات المتحدة بدأ العمل، بعد انقطاع 25 سنة، على بناء محطتين جديدتين، وتعاقدت روسيا مع الهند، القوة النووية العسكرية، على بناء عدد من المحطات النووية، كما وقعت اتفاقات لبناء محطة نووية ذات طاقة ضخمة لانتاج الكهرباء بكلفة 20 مليار دولار مع تركيا، وعرضت استعدادها لانجاز محطة من النوع ذاته انما بطاقة أقل في سوريا.

ايران بدأت تهتم بالمحطات النووية لانتاج الكهرباء بعد عام 1973 وارتفاع اسعار النفط بقوة حينذاك، الامر الذي شجع على تطوير مصادر طاقة بديلة. فتعاقد شاه ايران على بناء محطتين احداهما يبنيها الفرنسيون والثانية الالمان، واستمر العمل على المحطتين حتى تاريخ انتصار الامام الخميني وتوليه قيادة الحكم في ايران وتجميد اعمال انجاز هاتين المحطتين.

وتعاقد الروس على اعادة تأهيل المحطة النووية التي بدأتها شركة سيمنز الالمانية، وقد كانوا في حاجة، من دون شك، الى شراء تجهيزات من الشركة الالمانية بدل تجهيزات تقادم عهدها. واعلن الروس نيتهم تشغيل المحطة في آب المنصرم، ومن ثم اجلوا هذا التاريخ لأنهم باتوا داخل معمعة السلاح النووي الايراني ومواقف الغرب، وخصوصا الولايات المتحدة. ومن المؤكد انه، اذا تيقن الروس من ابتعاد خطر الحرب على ايران، وتاليا اشعال منطقة الشرق الاوسط، فإنهم يستطيعون تشغيل محطة بوشهر النووية في وقت قريب جداً.

بالعودة الى موضوع العقوبات الاقتصادية. لقد بات من المعروف ان ايران تعاني من صعوبات اقتصادية، مع العلم ان العقوبات المفروضة حتى تاريخه امكن تفادي الكثير منها، لكن العقوبات على تصدير ادوات انتاج النفط والغاز والاستثمار في هذين النشاطين أدت الى حاجة ايران الى استيراد 40 في المئة من المشتقات النفطية الضرورية للاستهلاك، والى استيراد الغاز من تركمانستان عبر خط كان قد انجز أواخر أيام الشاه لتصدير الغاز من ايران الى الجمهوريات السوفياتية المتاخمة لحدودها.

وايران تعرضت لخسائر ملحوظة نتيجة الازمة المالية العالمية التي نتجت منها ازمة ديون وأعمال في دبي حيث لايران مصالح كبيرة، وكانت دبي تمثل بالنسبة الى ايران ما كانت تمثله هونغ كونغ للصين، وتاليا تعرضت المصالح الايرانية الاعمارية والتجارية والمصرفية لخسائر ملحوظة في هذا الامارة.

خلال الاسابيع المنصرمة التي شهدت انخفاضاً لسعر صرف الاورو ازاء الدولار بنسبة تجاوزت الـ 14 في المئة، واجهت ايران خسائر لانها اعلنت قبل سنتين توجهها الى تبديل احتياطها من العملات، الذي كان في معظمه بالدولار، الى الاورو، كما بدأت تسعر صادراتها بالاورو، ومع انخفاض سعر الاورو اصيبت ايران بأضرار ملحوظة لانها تستورد مشتقات النفط والغاز بالدولار.

وعلى رغم معاناة ايران مصاعب اقتصادية كبيرة، فانها البلد الذي يحتوي ثاني أكبر احتياط من الغاز في العالم بعد روسيا، ورابع أو خامس أكبر احتياط من النفط. ومنذ شباط 1979، لم تنجز شركات النفط الاجنبية أية أعمال بحث وتنقيب رئيسية في ايران، كما ان تجهيزات المصافي الايرانية قد تقادمت. ومع تعاظم الطلب على البنزين والمازوت، تصاعدت نسبة العجز في الامدادات المحلية والحاجة الى الاستيراد.

روسيا والصين تدركان جيداً ان ايران والعراق هما خزانا الامان بالموارد النفطية والغازية لفترة السنوات الثلاثين المقبلة على الاقل. والعراق، صاحب اكبر احتياط نفطي في العالم، تعاقد حديثا مع شركات عدة لانتاج حقول معروفة، وشملت هذه العقود شركات روسية عملاقة مثل "غاز بروم" و"لوك أويل" و"ت.ن.ك.ب.ب."، اضافة الى شركة النفط الوطنية الصينية. وتعزز هذا التوجه بانجاز اتفاقين جديدين في جنوب العراق بالقرب من ايران مع شركة النفط الوطنية الصينية وشركة النفط الوطنية التركية.

في المقابل، ثمة اتفاقات ايرانية - صينية وايرانية - روسية تشمل تطوير حقول للنفط والغاز على اليابسة مع الصينيين، وتوسيع منشآت التكرير لكفاية حاجات الايرانيين وللتصدير. وقد التزمت الصين توظيف 23 مليار دولار لانجاز هذه الاعمال، كما تعاقدت روسيا على تطوير انتاج الغاز في المناطق البحرية المكتشفة والمقابلة للحقول في قطر التي باتت اليوم أكبر دولة مصدرة للغاز السائل.

 وتعهد الروس العمل على زيادة انتاج الغاز، وتسييل بعضه للتصدير بالناقلات، والبعض الاخر عبر مد خطوط أنابيب تشبك بالانابيب المنجزة في روسيا والخاصة بالتصدير الى اوروبا الغربية من جهة والى الصين من جهة أخرى، وبلغت التزامات روسيا الاستثمارية ما بين أربعة وستة مليارات دولار.

الصين وروسيا لهما مصالح كبيرة وبعيدة الاهمية ومستمرة مع ايران. علما بان الاورانيوم المخصب لمفاعل بوشهر في ايران يتوافر من روسيا التي سيكون لها دور اساسي في ضبط عملية التبادل والتأكد من التزام الشروط الدولية. ولكل هذه الاسباب، يبدو من المرجح ان ينفذ التعهد الذي اعلن عنه في رعاية برازيلية - تركية، وبقدر الاقتناع بهذا المنهج، يتراجع شبح الحرب والتوتر عن المنطقة.