رمز الخبر: ۲۳۵۸۹
تأريخ النشر: 13:48 - 14 June 2010
صحیفة البلاد البحرینیة - مرتضى بدر

في الأمثال الشعبية المتداولة نجد هناك الكثير من الحكم والمعاني السامية التي تعكس تجارب الناس والمجتمعات والدول. من هذه الأمثال (الضربة التي لا تقتلك تقويك) و (الضربة التي لا تضعفك تقويك). قصدت من ذكر هذين المثلين أن أجعل القارئ الكريم في المناخ العام للقرارات الأربعة الصادرة من مجلس الأمن ضد إيران بخصوص ملفها النووي، وكان آخرها قرار رقم 1929 الذي احتوى على رزمةٍ من العقوبات معظمها مطاطية لا تحرّك شعرةً من رأس الجمهورية الإسلامية.

نعم، هناك بندان في القرار ربما (وأضع خطًا تحت كلمة ربما) يضيقان أو يعرقلان تجارتها الخارجية بعض الشيء. الأول يخص المعاملات البنكية، والآخر يخص تفتيش السفن والطائرات التي تدخل وتخرج من الموانئ والمطارات الإيرانية، وما عدا ذلك فهي نصوص إنشائية لا تؤثر قيد أنملة في قرار إيران في المضيّ في برنامجها النووي. طبعاً، لو هددت إيران بأنها سوف تتعامل بالمثل مع أيّة دولة تتعرض لسفنها أو طائراتها، فلن تتجرأ أية دولةٍ من الاقتراب منها عدا أمريكا وإسرائيل، اللتان تبحثان دائماً عن ذرائع، بل إنهما تخلقان الذرائع، والدليل ما أقدم عليه القراصنة الصهاينة ضد "أسطول الحرية".

إننا لو نتمعن بدقة في البندين المذكورين، نجد ورود كلمة (شبهة) بمعنى إن مجلس الأمن قد ترك مهمة تفتيش السفن والطائرات التي تدخل وتخرج من الموانئ والمطارات الإيرانية، وكذلك فرض الرقابة على المعاملات البنكية للحكومات نفسها، فالمهمة وفق هذا القرار متروكة للحكومات كلاً حسب رؤيتها ومصالحها؛ لذا نجد إن كلمة (الشبهة) جعلت القرار الصادر من مجلس الأمن قراراً مطاطياً بامتياز. والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا قرار العقوبات قد خرج بهذا الشكل والمضمون؟ والجواب باختصار يكمن في عدة عوامل، منها: عدم رضوخ إيران للغطرسة الأمريكية والاستسلام لشروطها، وإصرارها على المضي قدماً في برنامجها النووي بعزمٍ وثبات.

والعامل الثاني هو دور روسيا والصين في تعديل الورقة المقدّمة من الولايات المتحدة؛ فالدولتان استطاعتا حذف بعض البنود، وتمييع بعضها الآخر؛ وذلك حفظاً لمصالحهما التجارية والنفطية مع إيران، وكذلك صفقة شراء الصواريخ الروسية (اس 300)، والتي لم يشملها القرار. والعامل الثالث إصرار معظم الدول على الحل السلمي، وعدم لجوء أية دولةٍ إلى الحسم العسكري لحلّ هذا النزاع الخطير؛ وبذلك لا تستطيع أمريكا أن تتحدث بعد اليوم عن الخيار العسكري في حال رفضت إيران قرار مجلس الأمن. وأما العامل الرابع والأخير فهو ضرورة استقرار المنطقة بهدف استمرار تدفق النفط والغاز إلى أوروبا وشرق آسيا.

ربما اليوم الإدارة الأمريكية تضع يدها في الماء البارد، وقد ينام أوباما قرير العين على وسادةٍ من حرير، ويقول غداً لشعبه: ها أنا أنجزتُ أكبر مهمّة في حياتي السياسية، وساهمتُ في كسب روسيا والصين إلى جانبي في إصدار قرار قد يساعد على حظر الانتشار النووي في العالم!! ولكن كيف يرد حول موقف إدارته من منع إصدار قرارٍ ضد إسرائيل التي تمتلك الأسلحة النووية، وتعارض الانضمام إلى اتفاقية حظر الانتشار النووي، وتمنع فتح منشآتها النووية أمام الوكالة الدولية للطاقة الذرية؟ وكيف يقنع أوباما العالم بممارسته سياسة ازدواجية المعايير في العلاقات الدولية؟ فإذا كان أوباما يتباهى بكسب ود الروس والصينيين عبر صفقةٍ سريةٍ حول تايوان مع الصين، ونشر الصواريخ المضادة في أوروبا مع الروس، فإنّ الإيرانيين من حقهم أن يتباهوا بكسب تركيا والبرازيل إلى صفوفهم دون صفقاتٍ سرية، فقد وقفت الدولتان موقفاً شجاعاً ضد القرار، فيما امتنع لبنان عن التصويت بسبب الخلاف بين الدول العربية بين مؤيدٍ ومعارضٍ للقرار.

الإيرانيون بالطبع لن يناموا على وسادةٍ من حرير .. سيظلون متأهبين، وسيبقون على جهوزيتهم ضد أية ضربةٍ عسكريةٍ ربما تأتيهم من الكيان الصهيوني الذي يرى نفسه فوق مجلس الأمن.

الخبراء يؤكدون إن القرارات الثلاث السابقة ليست فقط لم تؤثر سلباً على الإيرانيين، بل أوجدت فيهم حافز الاختراع والاعتماد على النفس في مجالاتٍ عديدة، فهي اليوم ليست بحاجة إلى دبابات أو صواريخ أو طائرات، فما وصلوا إليه في مجال التصنيع الحربي، وتنويع الاقتصاد قد أبهر الكثيرين من صنّاع القرار في الغرب. باعتقادي، إنّ مصير العقوبات الأخيرة قد لا يختلف عن مصير سابقاتها، والسرّ يكمن في الإيمان، والإرادة، والتحدي، وهذا ما لا يدركه أوباما وجماعته في البيت الأبيض.