رمز الخبر: ۲۴۹۶۴
تأريخ النشر: 08:17 - 16 August 2010
وقصة اغتيال رفيق الحريري ، الى هنا كانت تسير على ما يرام بالنسبة لاسرائيل الى ان دخل السيد حسن نصر الله على الخط وغير المعادلات القضائية للمحكمة الدولية على حساب اسرائيل ولصالح حزب الله ودفع للمرة الاولى مدعي عام هذه المحكمة لينظر الى اسرائيل باعتبارها "احد المتهمين في اغتيال رفيق الحريري".
عصر ايران، علي منتظري

لقد ارتبط اسم لبنان طوال العقود الاربعة الاخيرة بجميع التطورات المهمة في الشرق الاوسط ، بمعنى ان لبنان هو عضو لا ينفصل عن تسوية او تصعيد اي ازمة في الشرق الاوسط. لذلك فان لبنان ورغم جغرافيته الصغيرة، يشكل محورا استراتيجيا في السياسات الامنية والعسكرية للدول التي تضطلع بدور في الشرق الاوسط وهو يحظى على النقيض من مساحته الجغرافية ، بدور رئيسي وبالغ في المنطقة.

وقضية اغتيال رفيق الحريري يمكن دراستها من هذا المنطلق. وعندما اغتيل الحريري ، شهد لبنان تطورات دراماتيكية وسريعة. فبداية اضطر الجيش السوري للانسحاب من لبنان، ومن ثم تبلور فريقا 14 مارس المناهض لسورية والمقاومة و 8 مارس الحليف لسورية والداعم للمقاومة الاسلامية. وبعدها وقعت سلسلة اغتيالات في لبنان لم يتم لحد الان التعرف على من كان يقف وراءها. ومن ثم اندلعت حرب ال33 يوما تكبدت فيها اسرائيل هزيمة نكراء من حزب الله.

ومع مضي نحو خمسة اعوام على اغتيال الحريري، مازلنا نشهد هزات ارتدادية لهذا الحدث. وسبب ذلك واضح، فالاصطفافات السياسية في الشرق الاوسط قد تعمقت ، كما تعززت الجبهة المعروفة بالاعتدال في الشرق الاوسط بقيادة السعودية ومصر والاردن وضخت دماء جديدة في جبهة المقاومة بمركزية ايران وسورية والمقاومة الاسلامية في فلسطين ولبنان.

واذا ما كان حزب الله قد خرج منهزما من حرب ال33 يوما، لكنا يجب ان ننتظر الاصدار السريع لحكم محكمة الحريري ضد سورية وحزب الله، لكن بما ان نتائج حرب ال33 يوما بددت امال واحلام اسرائيل واميركا في الشرق الاوسط ، فقد استطاعت الحد من اصدار المحكمة الدولية التي تبت بقضية اغتيال رفيق الحريري ، لقرارها بشكل مبكر.

لقد باءت محاولات لجنة التحقيق الدولية بشان اغتيال الحريري لاتهام سورية وكبار الضباط العسكريين اللبنانيين المقربين من دمشق بالضلوع بعملية الاغتيال، بالفشل واتضح ان جميع هذه التهم كانت واهية. الا ان مجلة "اشبيغل" الالمانية نشرت قبل سنة مقالا عن التحقيقات التي قالت انها تجري خلف الكواليس ، واعتبرت فيه حزب الله بانه المتهم الرئيسي في اغتيال الحريري. وقد ترجم هذا السيناريو الذي اثير في "اشبيغل" الالمانية عمليا قبل نحو شهر في لبنان واعلن بناء عليه بان محكمة اغتيال الحريري ستصدر رايا ظنيا تتهم فيه عناصر من حزب الله بالضلوغ في عملية الاغتيال.

وقصة اغتيال رفيق الحريري ، الى هنا كانت تسير على ما يرام بالنسبة لاسرائيل الى ان دخل السيد حسن نصر الله على الخط وغير المعادلات القضائية للمحكمة الدولية على حساب اسرائيل ولصالح حزب الله ودفع للمرة الاولى مدعي عام هذه المحكمة لينظر الى اسرائيل باعتبارها "احد المتهمين في اغتيال رفيق الحريري".

وبعد تقديم القرائن والادلة باحتمال ضلوع اسرائيل في اغتيال الحريري ، ادلى الكثير ممن كان عليهم الا يدلوا بدلوهم، بتصريحات لرفع العبء عن كاهل اسرائيل ، وحاولوا من جهة اخرى تهميش تصريحات السيد حسن نصر الله حول عدم الثقة بالمحكمة الدولية التي تبت في قضية اغتيال رفيق الحريري. لكن الكثير ممن كان يجب ان يتخذوا موقفا سريعا من تصريحات السيد حسن نصر الله ، اما ان لم يتكلموا او ان تحدثوا بتاخير ومن خلال اطلاق بعض الايحاءات والاشارات. بمن فيهم اميركا واسرائيل وفرنسا والسعودية ومصر ومدعي عام محكمة رفيق الحريري وسعد الحريري رئيس الوزراء اللبناني.

والان ليس بوسع احد رفض القرائن التي قدمها السيد حسن نصر الله حول احتمال تدخل اسرائيل بشكل مباشر في اغتيال رفيق الحريري. والادلة على ذلك واضحة :

1- ان المقاومة الاسلامية اللبنانية كشفت من خلال تصريحات السيد حسن نصر الله ، عن احد اوراقها الرابحة في مواجهة النشاط التجسسي لطائرات الاستطلاع الاسرائيلية وبامكان هذا ان يشكل خطرا عليهم اضافة الى كونه يشكل مؤشرا على الابعاد الكبيرة لحادث ، قبلوا بالمجازفة به من اجل تعريته. واظهر السيد حسن نصر الله من خلال عرض افلام عن تحليق طائرات الاستطلاع والتجسس الاسرائيلية فوق المسارات التي كان يسلكها رفيق الحريري ، بانهم يملكون التكنولوجيا التي تمكنهم من تتبع وتعقب التحركات الاسرائيلية.

2- ان السيد حسن نصر الله ومن خلال ذكر اسماء عملاء وجواسيس اسرائيل في بيروت، برهن عمليا بان حزب الله يراقب بشكل تام التحركات الاستخباراتية والامنية الاسرائيلية. واظهر السيد نصر الله من خلال الاتيان على ذكر اسم جاسوس اسرائيلي كان حاضرا في موقع اغتيال الحريري قبل يومين من اغتياله، انه يتحدث من خلال الادلة والقرائن الدامغة لا من خلال تحليلات سياسية.

3- ان تقديم المعطيات الدقيقة عن تحليق الطائرات الحربية والاستطلاع والتجسس والاواكس الاسرائيلية قبل وبعد ويوم حادث الاغتيال، ادى الى فتح تحقيق جديد يطال اسرائيل ، في حين ان الاطراف القضائية الدولية المعنية بملف الاغتيال، تواجه الان معطيات ومعلومات لا يمكن لها ان تمر عليها مرور الكرام وستكون مضطرة في الوقت ذاته للتحقيق مع الجيش الاسرائيلي من اجل فك شيفرة هذه المعطيات الاستخباراتية.

4- واحال السيد حسن نصر الله ، تقديم معطيات جديدة الى تشكل محكمة لبنانية ذات الاختصاص واعلن رسميا بانه مايزال يملك معلومات اعدها لليوم المرتقب. وهذا الامر سيثير ردة فعل الاطراف القضائية اللبنانية التي لن يكون بمقدورها ان تمر على القضية مرور الكرام.

ان السيد حسن نصر الله يعرف جيدا بان ملف الحريري ليس ملفا عاديا واذا تم المرور عليه ببساطة وسذاجة ، فعندها يجب توقع تغيير الخريطة السياسية للبنان مع التاثير المباشر على الشرق الاوسط. ومن هذا المنطلق فانه قدم نتائج تحقيقات حزب الله على مدى عام ، بشكل ماهر وبديع ومدروس.

ان الاسرائيليين الذين اعتادوا على ان يبقوا على سرية اي عملية اغتيال وعمليات عسكرية وامنية لسنوات طويلة، اعلنوا على لسان احد المسؤولين المغمورين بوزارة خارجية الكيان الصهيوني بانهم ينفون اتهامات حزب الله. لكن المعارضين السياسييين لحزب الله في لبنان ، تصرفوا نيابة عن اسرائيل وحاولوا قدر ما استطاعوا توجيه النقد غير المنصف وغير الحقيقي للسيد حسن نصر الله. الا ان مرور الوقت يوضح اكثر فاكثر بان ما كشف عنه نصر الله قد فعل فعلته.

وقد طلب دانيال بلمار مدعي عام المحكمة الدولية التي تبت بقضية اغتيال رفيق الحريري من السلطات اللبنانية ، تقديم جميع القرائن والوثائق التي اعلن عنها حزب الله حول ضلوع اسرائيل في اغتيال الحريري ، الى المحكمة الدولية. ومن جهة اخرى فقد اعلن سعد الحريري بتاخير لكن بجد انه يجب اخذ قرائن ومستندات حزب الله على محمل الجد وان تطلب المحكمة الدولية رسميا من اسرائيل ان ترد في هذا الخصوص. وقال سعد الحريري بان وضع اسرائيل في دائرة الاتهام هو مطلب جميع ابناء الشعب اللبناني، لكن يجب التحقيق في هذا الشان بعد تصريحات السيد حسن نصر الله.

واكد انه اذا ما احجمت اسرائيل عن الرد ، فعندها سيتغيرموقعها من متهم الى قاتل. ان زياراته الى باريس والرياض بعد تصريحات السيد حسن نصر الله يمكن اعتبارها الخطوات السرية لسعد الحريري بوصفه ولي الدم ورئيس وزراء لبنان من اجل الكشف عن الحقيقة.

ان الاسرائيليين سيواجهون حتما اليوم مرة اخرى هذه الحقيقة من ان السيد حسن نصر الله ، هو حقا استاذ وقائد بارع في الحرب النفسية. وتظهر استطلاعات الراي التي انجزت لدى الراي العام في الاراضي الفلسطينية المحتلة وبين الصهاينة بان كلام السيد حسن نصر الله ومنذ حرب ال 33 يوما ، اعتبر دائما كلاما حقيقيا وبمعزل عن المناورة والاكاذيب ، ولذلك ومن وجهة النظر النفسية، فانه كلما تحدث سيكون لحديثه رد فعل واسع بين الصهاينة وبناء على ذلك فان الاسرائيليين يعتبرون السيد حسن نصر الله قائدا بارعا وفذا في الحرب النفسية يؤثر بشدة على الراي العام في فلسطين المحتلة.

لكن كيف ستكون ردود الافعال بشان مواقف وتصريحات السيد حسن نصر الله فيما يخص ملف اغتيال رفيق الحريري :

1- ان البت في التهم المتمثلة بضلوع اسرائيل المباشر في اغتيال رفيق الحريري ، اصبح ملزما بالنسبة للمحكمة الدولية ذات الصلة.

2- لقد برهن حزب الله بان الرابح الرئيسي من اغتيال رفيق الحريري ، هي اسرائيل لا الاطراف اللبنانية او السورية.
3- واذا لم تفتح المحكمة الدولية تحقيقا مع الاطراف الاسرائيلية وتصدر حكما من دون اخذ هذا بنظر الاعتبار ، فان الاحكام الصادرة ستفتقد الى ادنى قيمة قضائية لدى الراي العام اللبناني وبلدان الشرق الاوسط.

4- وبعد تصريحات السيد حسن نصر الله، فقد فقدت التهم الموجهة لعناصر من حزب الله ممن يقال انه سيصدر قريبا قرارا ظنيا ضدهم ، فقدت بريقها واصبحت تعتبر ورقة سياسية في العملية القضائية لملف اغتيال رفيق الحريري.

5- ان دولا مثل السعودية او مصر ، لا يمكنها ان تمر مرور الكرام على معطيات وملعومات كالتي قدمها حزب الله ، فيما ستشدد دول مثل ايران وسوريا وبعض الدول العربية في المنطقة بمزيد من الحزم على ان اسرائيل هي التي تقف وراء اغتيال رفيق الحريري.

6- وعلى الرغم من ان اسرائيل حاولت ان تلوذ بالصمت ازاء التهم التي وجهها حزب الله ، لكنها ستكون مرغمة في النهاية على الرد. ان معلومات العملاء والجواسيس الاسرائيليين ونقل ادوات التفجير من اسرائيل الى لبنان بحرا والتي تستخدم من اجل تنفيذ عمليات اغتيال، يفضح اكثر فاكثر دور اسرائيل في ملف اغتيال الحريري. ومن جهة اخرى فان امتناع اسرائيل عن الرد ، وكما قال سعد الحريري ، سيحول اسرائيل من موقع المتهم الى موقع المدان.

7- واذا ما حظيت تصريحات السيد حسن نصر الله باهتمام قضائي ، فان ذلك سيفتح بابا جديدا للتحقيق في ملفات مسلسل الاغتيالات التي شهدها لبنان والتي يقال بان لاسرائيل ضلع فيها ، لان الذين اغتالوا رفيق الحريري ، واصلوا بلا شك تنفيذ سلسلة الاغتيالات تلك في لبنان وان اوجه الشبه بينها كلها هي "عدم وجود خيوط عن المنفذين للاغتيالات" وهو مؤشر عادة على تواجد الصهاينة واستخدامهم للحدود البحرية كمنفذ لادخال فرق الاغتيال الاسرائيلية.

8- لقد اصحبت الحكومة اللبنانية الان في موقع المدعي الرسمي من المحكمة الدولية لتاخذ بعين الاعتبار قرائن السيد حسن نصر الله، وان تبدا رسميا التحقيق مع الاطراف الاسرائيلية بوصفها المتهم في القضية.