رمز الخبر: ۲۵۳۳۲
تأريخ النشر: 13:11 - 30 August 2010
عصرايران - للشعر الجديد معنيان، زمني، وهو آخر ما استحدث فني، أي لا يماثله ما قبله.

أما الحديث فذو دلالة زمنية يعنى كل ما يصبح عتيقا. فكل جديد بهذا المعنى حديث، ولكن ليس كل حديث جديد. معيار الجديد يكمن في الإبداع والتجاوز عن الماضي واحتضان المستقبل.

الجديد هو شيء جديد يقال وطريقة قول جديدة. اختلافا عن الآثار الماضية وإغناء للحاضر والمستقبل.

المجتمعات ذات الثقافة الحية تتطلب من الشاعر أن يكون له صوته الخاص، أن يكون فريدا وأصيلا. أما المجتمعات ذات الثقافة الميتة فتتنكر للأصالة وترفض كل شاعر أو كاتب يتميز بلغة أصيلة جديدة. لأنها تريد أن تكون الكتابة صناعة يعرفها الجميع ويفهمها الجميع.

معنى أن يكتب الشاعر الجديد قصيدة، فهو يحول العالم إلى شعر. يؤسس (باللغة والرؤيا) عالم واتجاه لا عهد لنا بهما. يخرج عن مجموعة القيم والمفاهيم والآراء التي لم تكن من تراثنا وشخصيتنا إلى الأشكال الخارجية والقوالب الجاهزة التي سادت مناخنا وحولته إلى تمارين في الوزن والزخرف واللهو وفي كل ما يجعل الحياة فقيرة وضيقة.

التراث المكتوب يدخل في ثقافة الشاعر فقط، لا في إبداعه، فالإبداع مرتب بروح الأمة وحياتها وتطلعاتها للمستقبل.

لئن كان للقصيدة المغلقة شكل مغلق بالضرورة، فإن للقصيدة المنفتحة شكلا منفتحا بالضرورة. فالشكل الكثير سيحل محل الشكل الشعري الواحد، لأن الشعر الجديد تجاوز حدود النوعية القديمة وصار عالما فسيحا من الأوضاع والحالات الروحية والتعبيرية فيما وراء الحد والنوع والقاعدة والتقليد.

ليس هناك وجود قائم بذاته نسميه الشعر، ونستمد منه المقاييس والقيم الشعرية الثابتة المطلقة، ليس هناك بالتالي خصائص أو قواعد تحدد الشعر ماهيةً وشكلا وتحديدا ثابتا مطلقا، الموجود الحقيقي هو الشاعر، هو القصيدة. فالشعر أفق مفتوح وكل شاعر مبدع يزيد من سعة هذا الأفق.

القصيدة شكل إيقاعي واحد أو أكثر، ضمن بناء واحد، لكن الشكل الإيقاعي وحده لا يجعل من القصيدة أثرا شعريا بل يجعلها مصنوعات شعرية، إذا فلابد من توفر (البعد أو الرؤيا)، (الشعر هو الكلام الموزون والمقفى) عبارة تشوه الشعر، فهي العلامة والشاهد على المحدودية والانغلاق، وهي معيار يناقض الطبيعة الشعرية العربية ذاتها، فهذه الطبيعة عفوية، فطرية وذلك حكم عقلي منطقي.

لا موضوع في الشعر، بل تعبير وطريقة تعبير. ولا حقائق مستقلة بذاتها، بل رؤى ووجهات نظر. طبيعي إذن أن لا تكون هناك قاعدة صالحة للأبد، لذلك ليس امتياز الشعر في أنه يخضع لقاعدة ثابتة (شأن العلم) بل امتيازه في أنه يسبق القاعدة.

إن الخليل بن أحمد لم يضع تلك الأوزان لتكون قاعدة للمستقبل، وإنما وضعها لكي يؤرخ بها للإيقاعات الشعرية المعروفة حتى أيامه. ولكن الإيقاع كالإنسان يتجدد، وليس هناك أي مانع شعري أو تراثي من أن تنشأ أوزان وإيقاعات جديدة، ثم ان الوزن الخليلي لا يؤلف الشعر العربي كله، وإنما يؤلف جزءا منه.

الأشكال الشعرية بلا نموذج
وكل شكل كاف بذاته

* ينفذ الشاعر برؤياه إلى ما وراء قشرة العالم وبقدر ما يغوص في أعماق العالم ليخلق أبعاداً إنسانية وفنية جديدة، ترسخ في نفسه محل الصورة الواقعية المحدودة، باحثاً عن الممكن اللانهائي. هذا السفر إلى ما وراء الواقع لا يعني هروباً من الواقع، أنه يستعين بالحلم والخيال والرؤية لكي يعانق واقعها لآخر، ولا يعانقه إلا بهاجس تغيير الواقع وتغيير الحياة.

* وكل واقع نتجاوزه يوصلنا إلى واقع آخر أغنى وأسمى، هذا البحث عن الواقع الآخر، عن الممكنات هو ما يعطي للكشوف الشعرية فرادتها.

والشاعر يطمح إلى أن يكون وأن يبقى ثورة دائمة ضد التقليد والثبات والممكنات كائنة في المستقبل ومن هنا يعيش الشاعر ويكتب مأخوذاً بالمستقبل. غير أن المستقبل يل مستقبلاً والشاعر كباحث عنه يشعر بالحسرة الخانقة، حسرة خلاف يسير إلى مستقبل يعرف أنه لن يدركه وفي انتظار مجيئه يشعر كأنه خارج الزمن في حالة ليست زمنية ولا أبدية ومن هنا يحدث أن يبدو الشاعر غامضاً، ومتناقضاً.

الشعر نقيض الوضوح الذي يجعل القصيدة سطحاً بلا عمق.. الشعر نقيض الإبهام الذي يجعل من القصيد كهفاً مغلقا.. الشعر نوع من السحر لأنه يهدف إلى أن يدركه العقل، الشعر ليس بلغة تعبير بقدر ما هو خلق لغة.

ليست هناك كلمات شعرية وكلمات غير شعرية، هناك كلمات تتضمن في استخدامها أو لا تتضمن طاقة شعرية.

القيم الشعرية القديمة التي تحولت او تغيرت والتي تجاوزها الشعر العربي الجديد:

- الحكمة: الشاعر العربي الجديد يستبدل الحكمة بالتساؤل لأنه يستبدل المعطي بالبحث.

أخلاقية الحكمة (القناعة – الصبر – الخضوع للقضاء والقدر والعرف ..... إلخ) هكذا كله نراه شائعاً في الشعر العربي القديم لكن الشاعر العربي الجديد يستبدل أخلاقية الحكمة بأخلاقية التساؤل والبحث (القلق – الخوف – اليأس – الرجاء – الأمل – التمرد ....إلخ).

- الزهد: الشعر العربي الجديد يتمسك بالدنيا.. شعر الإنسان وقضاياه في الأرض.

- النموذج: الشعر القديم شعر نموذجي (عمود الشعر) والشاعر الجديد يرفض هذا النموذج.

- الشكل الثابت: للشعر العربي القديم شكل بنائي ثابت، الشاعر العربي الجديد يتجه نحو الشكل المتحرك، قد يصبح لكل قصيدة جديدة شكلها الخاص دون أن يتحدد بوزن أو نثر.
- الزمن: الشاعر العربي القديم وجد الكمال الكلي في الماضي كان التقدم بالنسبه له هو التشبه بالماضي، الشاعر العربي الجديد يرفض الزمن المغلق ويتبنى زمن التغير.

- معنى الشعر: الشعر العربي القديم كان ضمن إطار جزئي من الحياة والعالم وإطار ثابت من التعبير وكان معناه يقوم أساسياً على الشكل، الشعر الجديد يحاول ان يكون تجربة شاملة، أن يكون موقفاً من الإنسان والحياة والعالم، معناه يقترن بالخلق والتغيير لا بالصناعة والوصف، لم يعد الشعر شكلاً وإنما أصبح وضعاً أو حالة، لكن توجد قيم حضارية عربية مستمرة في الحركة الشعرية الجديدة وهي تلك التي تبعث من نصوص التصوف وهذه القيم هي:

- تجاوز الواقع (اللا عقلانية): واللا عقلانية في التصوف تعني الثورة على قوانين المعرفة العقلية وعلى المنطق والشريعة (من حيث هي أحكام تقليدية تعني بالظاهر) وعلى الفلسفة (بالمعنى التقليدي) هذه الثورة تؤكد المقابل على الباطن أي على الحقيقة (مقابل الشريعة)، وإباحة كل شيء للحرية.

- الحدس الصوفي (الشعري): طريقة حياة وطريقة معرفة: ولهذا الحدس نتصل بالحقائق الجوهرية ونشعر أننا أحرار قادرون بلا نهاية.

- الحرية: في الجاهلية كانت فروسية ومغامرة وفي التصوف تصاعد مستمر نحو لا نهاية المطلق. والحرية أهم من التراث وبالتالي فالإنسان أهم من المذهب.

- التخيل: وهو يعني شيء أشمل وأعمق من الخيال، فالتخيل هو رؤية الغير.

- اللا نهاية: ليست هناك في الحدس الصوفي محدودية أو حواجز فالكون حركة لا نهائية. الغيب نفسه ليس نقطة نصل إليه، وإنما هو عالم يتحرك بلا نهاية وكلما ظننا أننا عرفناه نزداد جهلاً به وشوقاً إليه.

- معنى الحياة والموت: لم يعد الموت نهاية وإنما أصبح باب حياة حقيقة ولم تعد الحياة أن يعمر الإنسان طويلاً وإنما صارت أن يعرف. الحياة إكتشاف ومعرفة، والمعرفة لا تتم إلا بالموت (الإتحاد مع المطلق والعودة للأصل) هكذا يتراءى معنى جديد للبطولة والفروسية. الإنسان كائن للموت بل أن جوهره هو الموت لذلك يغامر ويحيا بطلاً.

* تجاوز الماضي لم يعد يهم الشاعر العربي الجديد قدسية مطلقة نهائية وإنما أصبح يهمه بقدر ما يدعوه للحوار معه، فالشاعر الجديد يأخذ من أصوات الماضي تلك التي تعانق المستقبل ويتفاعل معها ويستفيد منها.

* إن القصيدة الأكثر حدسا لا تكون بالضرورة أكثر قيمة، فالإغراء في التقدم شأن الإغراء في القدم لا يتضمن بالضرورة قيمة فنية. إن قصيدة جريئة في ابتكاراتها واستباقاتها الشكلية لا تعني بالضرورة أنها أكثر قيمة أو أجمل من قصيدة تستقي أصولها المباشرة من الينابيع القديمة. غير أن هذا لا يعني بأية حال أن أسلوب التعبير في الماضي صالح للتعبير في عصرنا الحاضر، فالأساليب القديمة لم تعد تنتج إبداعاً له أثر عظيما والدليل ينهض كل يوم، فالذين يحافظون على المنهجية القديمة ليس لهم حضور في عالم الإبداع الشعري المعاصر. إنهم ظلال شاحبة وتكرار عقيم. أما الذين يعطون اليوم للشعر العربي أعمق خصائصه فهم الشعراء المجددون.