رمز الخبر: ۲۵۳۵۹
تأريخ النشر: 10:32 - 02 September 2010
 مقال في صحيفة البلاد البحرينية بقلم/ مرتضي بدر


ثلاثون عاماً علي التوالي والمسلمون يحيون ذكري يوم القدس في آخر جمعة من شهر رمضان من كل عام، والذي دعا إليه الإمام الخميني (رحمه الله) في أغسطس من عام 1979.
   
الدعوة كانت مدوية، والتلبية كانت أشبه بنفرة جماهيرية استجابت لها معظم شعوب العالم الإسلامي. وقد شاءت الأقدار أن يستمر إحياء هذه المناسبة العظيمة سنوياً في مختلف أقطار العالم الإسلامي وخارجه، ويتم من خلالها تجديد النصرة للقدس الشريف وللشعب الفلسطيني المظلوم.

يوم القدس العالمي يعد ثاني وقفة وحدوية للأمة الإسلامية بعد يوم عرفة في الحج من كل عام.

 إن إحياء هذه المناسبة في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك من كل عام جعلت القضية الفلسطينية حية في ضمير المسلمين، وضمير أحرار العالم. هذا الضمير الإنساني والديني الذي سعت الصهيونية العالمية لإضعافه وتمييعه من خلال إعلامها المضلل، ومحاولاتها المستمرة لتهويد القدس، وخطتها في تغيير هويتها العربية والإسلامية، إضافة إلي قيامها بإحداث أنفاق تحت المسجد الأقصي وقبة الصخرة؛ بحجة البحث عن الهيكل المزعوم، حيث بلغ عدد الأنفاق التي أحدثتها لغاية اليوم حوالي 34 نفقًا.

وأما محاولات الاعتداء والانتهاك والتدنيس للمسجد الأقصي فقد تجاوز المائة والعشرين محاولة منذ عام 1967 لغاية اليوم، وأهمها حين اقتحم الإرهابي الاسترالي المسجد الأقصي في 21/8/1967 وأضرم فيه النار، وارتكاب مذبحة الأقصي الأولي في أكتوبر من عام 1990 وقتل 34 فلسطينياً وجرح 113، حينما أقدمت جماعة ما يسمي بـ (أمناء الهيكل) علي دخول الحرم القدسي، وحاولت وضع حجر أساس للهيكل المزعوم.

ومنذ عام 1967 والمسجد الأقصي يئن تحت بطش الاحتلال. فقد عرف عام 67 بعام النكسة، وفيه حدثت أول هزيمة كبيرة للجيوش العربية (المصرية والسورية والأردنية) مقابل الغارات الجوية والهجمات البرية لجيش العدو الصهيوني. فقد شنت القوات الصهيونية هجمات علي عدة جبهات، وتقدمت واحتلت مدينة القدس والمدن والبلدات الفلسطينية الأخري، واحتلت شبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان. ومن حينها توالت معاناة ومآسي الشعب الفلسطيني، كالتهجير القسري، والتطهير العرقي، وإحراق المدن والقري، والقتل الجماعي.

إننا لم نجد في التاريخ الحديث شعبًا عاني مثلما عاني ويعاني اليوم الشعب الفلسطيني، وستبقي هذه المأساة وصمة عار علي جبين كل فرد أو أمة رضي بالأمر الواقع، ولم يتعاطف مع هذا الشعب الذي اغتُصب وطنه، وقُتل وشُرّد أبناؤه، وانتُهكت مقدساته. وأما العار الأكبر فسيظل محفورًا في جبين منظمة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن طالما بقيت القضية الفلسطينية عالقة دون حل عادل يضمن انسحاب المحتل من الأراضي التي احتلها عام 67، وعودة اللاجئين، وقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف. وهذا يعتبر الحد الأدني من حقوق هذا الشعب؛ فما اقترفتها العصابة الصهيونية من مجازر، واغتصاب للأراضي والممتلكات، واغتيالات، وانتهاكات متكررة للمسجد الأقصي تعتبر جرائم حرب تستوجب معاقبة مرتكبيها ومحاكمتهم وفقاً للقانون الدولي، لكن هذا القانون بقي عاجزاً ومشلولاً أمام منطق القوة والغطرسة الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية وربيبتها إسرائيل.

ووفقاً لمنطق القوة، فإن كفة الصراع مرجحة اليوم لصالح الكيان الصهيوني، وهذا بحد ذاته رسالة إلي كافة الحكومات في العالم العربي والإسلامي بأن تعيد حساباتها، وتسعي لامتلاك أسباب القوة حتي تتمكن من استرجاع الحقوق المغتصبة. وبالطبع لن يتحقق ذلك دون إصلاح الوضع الداخلي بالدرجة الأولي، فالإصلاح السياسي يعتبر أساس قيام دولة مبنية علي احترام حقوق الإنسان، فمن دون التحول نحو الإصلاح الحقيقي ستبقي دولنا وشعوبنا في خانة التخلف والتبعية، ويستمر أعداء الأمة وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني في انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني والمقدسات الإسلامية، واعتداء علي أية دولة تسعي لبناء قدراتها الدفاعية.

يعتقد المسلمون وأحرار العالم أن المدينة المقدسة التي يعتبرها اليهود حلمهم، وتراثهم، ومهد هيكلهم المزعوم، وعاصمتهم الأبدية، ستعود إلي أحضان الأمة الإسلامية بإذن الله تعالي مهما طال الزمن؛ لأن أرضها الطاهرة قد باركها الله وفقاً للآية القرآنية، فيكفي أنها مسري الرسول الأكرم، ومعراجه إلي السماء، وأولي القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، ومن أجلها أريقت الكثير من الدماء الزكية. كل إنسان مسلم وصاحب ضمير سيظل يدافع عن الحقوق والمقدسات المغصوبة في فلسطين، وسيبقي يوم القدس العالمي منبرًا من منابر الجهاد والنضال، وصرخة مدوية تنطلق من حناجر الملايين التي تخرج في عواصم ومدن عديدة في العالم، وستظل القضية حية حتي قيام دولة فلسطينية كاملة الحقوق، تكون عاصمتها القدس الشريف.