رمز الخبر: ۲۶۸۶۸
تأريخ النشر: 13:43 - 03 November 2010
عصرایران - الوفاق - إنه حفل من نوع آخر! .. قاعة انديشة في طهران كانت على موعد مع ضيوف من فئة خاصة!.. 125 فنانا شعبيا من 18 محافظة.. ضيوف لم يألفوا أجواء كهذه، ولهذا السبب كان ينتابهم شعور بالغربة ممتزج بالذهول والإستغراب.. أناس لا يعرفون أدنى شيء عن كيفية الصعود على خشبة المسرح والوقوف أمام حشد من المتفرجين جالسين أمامهم ينتظرون بكل شوق ورغبة سماع ما سيقدمونه لهم!..

إنه حفل افتتاح ملتقى ومهرجان موسيقى الحرف والفولكلور الشعبي الذي أقيم مؤخرا في قاعة انديشة بطهران.

الراعي والغنم والناي .. قصة صداقة ربما تكون وصلت الى نهايتها!

رجال ونساء دخلوا القاعة مرتدين أزياء شعبية .. الرجال يحملون مسحاة والنساء بملابسهن الزاهية الملونة.. من بين كل هؤلاء هناك سيدة طاعنة في السن تبدو مذهولة وحائرة اكثر من غيرها!.. ترتدي قميصاً وردي اللون مع سترة قصيرة سوداء وتحمل آلة ناي في يدها تتطلع حواليها علّها تجد من يرشدها إلى المكان الذي يجب ان تذهب إليه أو العمل الذي من المفترض أن تقوم به!!

إسمها خديجة زرداري.. وهي آخر إمرأة خبيرة في عزف الناي الذي يمارسه رعاة الغنم.. من المقرر ان يبدأ الحفل بعزف على الناي تؤديه على خشبة المسرح.. لم يعد هناك شخص آخر لكي يعزف الناي للأغنام من بعدها.. إنها لا تعزف لقطيع الأغنام إنما تعزف لنفسها لكي لا يتغلب عليها النوم فيهجم الذئب على الأغنام ويقطعها.

السيدة خديجة جاءت الى طهران لغرض المشاركة في مهرجان موسيقى الحرف والفولكلور الشعبي. عندما استدعيت لإعتلاء خشبة المسرح من أجل تقديم فقرتها، بدت على ملامحها آيات الدهشة والاستغراب والذهول.. وقفت على المسرح وظهرها للجمهور ثم قربت الناي إلى شفتيها!!.. طبعا؛ فهي لم يسبق لها أن عزفت في قاعة كبيرة وسط العاصمة أمام حشد كبير من الناس كهذا، ينظرون اليها منتظرين عزفها لكي يستمعوا إليه، فهي تعودت طوال حياتها على أن تتجول مع أغنامها على مسرح الطبيعة اللامتناهية تعزف لهم وتستمتع هي بعزفها.

لا تعلم خديجة زرداري متى ولدت؛ وهل كان ذلك في الشتاء أم في الصيف، وكل ما تعرفه ان عمرها 75 سنة؛ أنفاسها لم تعد كالسابق فلم تعد قادرة على النفخ في الناي. انها تشعر بالاسى، ليس لأنها لم تعد قادرة على العزف، بل لعدم وجود من يخلفها في عزف الناي لقطيع الغنم.

تتكلم بلهجة أهل مدينة (تالش) التابعة لمحافظة كيلان (شمالي ايران) وتقول عن نفسها بأنها ام لخمس بنات وخمسة اولاد، وجدة لعدد كبير من الاحفاد. تعلمت عزف الناي من زوجها ومنذ ذلك الزمن والى الان وهي تنفخ بأنفاسها الدافئة في الناي. كما تقول بأنها تملك 20 قطيعا وتعتقد بأن أغنامها تستمتع بسماع صوت الناي الذي تعزفه لها.

أناشيد الزرع والحصاد

أثناء الحديث مع خديجة كانت زينب بهارمست جالسة بالقرب منا مرتدية قميصا أحمر اللون موشح بأزهار بيضاء. كانت زينب تستمع الى الحديث الدائر بيني وبين خديجة، وتعيد صياغة كلمات خديجة من اللهجة التالشية الكيلانية الى اللغة الفارسية.

بدأت حوارا جديدا مع زينب بهارمست هذه المرة. لقد جاءت هي الاخرى الى طهران لغرض المشاركة في المهرجان. انها تغني الاغاني التي يرددها المزارعون الشماليون عند غرسهم لشتلات الرز وكذلك عند قطفهم لأوراق الشاي (وهي محاصيل زراعية تشتهر المحافظات الشمالية في ايران اي مازندران وكيلان بإنتاجها).

وتبلغ بهارمست 57 عاما من العمر وهي ام لاربعة أبناء؛ إبنها الاكبر اخصائي في علم التخدير، أما الاصغر فهو خريج فرع هندسة الكهرباء. اما بالنسبة لبناتها فإحداهن حاصلة على شهادة الاعدادية ومتزوجة اما بنتها الاخرى فهي مازالت تدرس في الجامعة.

تقول بأن الاولاد لا يمارسون الزراعة ولا يرغبون في زراعة الرز والغناء حين غرس الشتلات، اما بالنسبة لها فهي تعشق الزراعة، وكلما تشعر بالتعب تبادر الى الغناء لكي يبتعد عنها التعب والإرهاق.

عندما تنظر حواليك فإن كل من تشاهده من المشاركين في اول مهرجان لموسيقى الحرف والفولكلور الشعبي هو من الكهلة والعجزة. مجتمعنا هو الاخر يتحول تدريجيا الى مجتمع صناعي وطبيعة الاعمال تتغير بسرعة تبعا لذلك، كما هو شأن باقي المجتمعات في العصر الحديث. في خضم هذه التغيرات يتبادر للذهن التساؤل التالي: ماذا سيكون مصير التقاليد والسنن وما الذي سيحل بهذا الموروث الشعبي الاصيل والغني؟!