رمز الخبر: ۳۱۰۶۲
تأريخ النشر: 15:21 - 22 October 2011
والعالم هو الاخر يتحمل مسؤوليته في هذا القضية. وهذه الدول الغربية التي اضطلعت خلال الاشهر الاخيرة بدور مهم في الاطاحة بالقذافي ، ساهمت لسنوات في تعزيزه وتثبيت موقعه بواسطة الصفقات التي كانت تعقدها معه وغضت الطرف عن ديكتاتوريته وانتهاكه الصارخ لحقوق الانسان.
عصر ايران ، جعفر محمدي

في اعقاب وفاة معمر القذافي، سادت ليبيا ، موجة من الحزن والاسى. وافادت وكالات الانباء انه منذ الساعات الاولى من فجر اليوم حيث بث نبأ وفاة الزعيم الليبي، تجمع العشرات من اهالي طرابلس امام المستشفى الذي توفى فيه القذافي ليقيموا مراسم الحداد والعزاء على زعيمهم الراحل.

ويعتبر الشعب، القذافي بانه أب ليبيا الجديدة ، حول من خلال سياساته في اعادة البناء الاقتصادي والسياسي ، ليبيا من بلد فقير ومتخلف الى احد اهم بلدان القارة السوداء واكثرها ديمقراطية.

ورغم انه نقل قبل اكثر من 30 عاما، السلطة الى منتخب الشعب في انتخابات حرة ونزيهة، لكنه وطوال هذه الفترة التي لم يتول فيها اي منصب رسمي، حظي باحترام وتقدير الناس وكان يستشيره سياسيو البلاد ومدرائها.

وقد اصدر زعماء بلدان العالم بيانات ورسائل عبروا فيها عن مواساتهم مع الشعب الليبي.

ومن المقرر ان تقام مراسم تشييع جثمان الزعيم الليبي الفقيد، بعد غد بمشاركة حشود الشعب الليبي ومسؤولي جميع البلدان والمنظمات الدولية في طرابلس على ان يوارى الثرى في مسقط راسه سرت.
***

... ان ما اسلفنا ، كان يمكن ان يتحقق يوما على ارض الواقع لكن الشخصية الرئيسية للقصة، حولت مسار حياتها الى شكل اخر ودفعت الشعب الليبي بعد 42 عاما من ممارسة الحكم الاستبدادي ضده الى الثورة عليه وهرب بالتالي هائما على وجهه، وعثر عليه في النهاية في مجاري تصريف المياه ، فاخروجه منها واردوه قتيلا، فيما كان يتوسل بالا يقتلوه، لكنه قتل بمذلة وهوان ولم يذهب احد لتشييع جثمانه ولم يرسل احد رسالة مواساة وتعزية. ولم يلبس الشعب الليبي ثوب الحداد فحسب بل سادت مظاهر البهجة والفرح واحتفل الشعب بزوال الديكتاتور في مختلف المدن الليبية... .

وهل هناك مذلة وهوان اكبر لحاكم ، ان يخرج الناس في الشوارع ابتهاجا بمقتله ويطلقون الالعاب النارية ويشعرون بانهم قد تحرروا حقا واخذوا يتنفسون الصعداء؟!
***

وامام حكام العالم، خياران لا ثالث لهما ؛ اما ان يسلكوا الطريق الذي سيجعل الشعب يغرق في الحزن والاسى بعد رحيلهم ويذكرونهم بخير او ان تترجم وفاتهم الى "حرية الشعب" من وجهة نظر شعبهم ، مثلما حدث مع القذافي وخسر حياته وحياة بعض افراد اسرته وتشتت الاخرون منها هنا وهناك.

فالقذافي لم يكن منذ البداية ، ديكتاتورا وقاتلا همجيا. لقد كان ابن عائلة فقيرة اتسم بالثورية بداية. لكن ما الذي حول هذا الوجه الثوري الى شيطان مارد والشخص النحيف في اوائل عقد السبعينيات الى ديكتاتور مصاص للدماء لم يتوان حتى عن قصف تظاهرات ابناء شعبه؟

فالسلطة المنفلتة وغير المقيدة واغلاق منافذ الديمقراطية وعدم الرجوع المستمر الى الشعب ووجود حاشية متملقة وانتهازية تكيل المديح والعالم الذي اغلق عينيه على جبروت مورس على شعب ما ؛ كل ذلك تسبب بان يتحول انساني ثوري الى ديكتاتور مكروه.

القذافي لم يكن يتحمل المسؤولية فحسب بل كان حساسا ومتشددا للغاية تجاه اي انتقاد يوجه اليه وكان السجن والموت! جزاء اي انتقاد له. وحتى انه قيل بشان استشهاد الامام موسى الصدر ان الامام موسى الصدر اخذ على القذافي رؤيته تجاه الاسلام فما كان للقذافي ان امر بقتله.

والقذافي لم ير ثمة حاجة في اجراء انتخابات جادة لادارة بلاده وكان يعتبر نفسه "العقل المدبر" والشعب ، اناس لا يفهمون ويجب عليهم قراءة "الكتاب الاخضر" لكي يميزوا الصالح من الطالح.

ولم تكن اي وسيلة اعلامية حرة في ليبيا القذافي. وابان اندلاع الثورتين التونسية والمصرية ، استدعى القذافي، الشبان المدونين امام باب العزيزية وحذرهم بالا يفكروا بكسر عصا الطاعة وتوعدهم بالويل والثبور ان تمردوا على رايه.

والبطانة المتملقة والمتزلفة لعبت دورا اساسيا وتاريخيا في تحويل "القذافي الثوري" الى "القذافي الديكتاتور". واي انسان لا يتحلى بالمعنوية وبناء الذات بشكل خاص ، فانه سينقلب راسا على عقب ان استمع للمديح والثناء والطاعة من هذا وذاك على مر الزمن.

والعالم هو الاخر يتحمل مسؤوليته في هذا القضية. وهذه الدول الغربية التي اضطلعت خلال الاشهر الاخيرة بدور مهم في الاطاحة بالقذافي ، ساهمت لسنوات في تعزيزه وتثبيت موقعه بواسطة الصفقات التي كانت تعقدها معه وغضت الطرف عن ديكتاتوريته وانتهاكه الصارخ لحقوق الانسان.

وذات مرة ، القي القبض على هانيبال الابن الرابع للقذافي في سويسرا بسبب سوء معاملته لموظف وهذا الامر تسبب بتوتر العلاقات بين ليبيا وسويسرا ، ورغم ذلك تراجعت الحكومة السويسرية عن متابعة ملف هانيبال لان القذافي هدد بسحب الارصدة والاموال الليبية من سويسرا.

وبدء من هذه القضية البسيطة وانتهاء بالعقود والاتفاقات النفطية الضخمة التي ابرمها الغربيون مع القذافي ، وكان ملحقها غير المكتوب جميعها انه لا يجب الاكتراث بما يمارسه الطرف الليبي الموقع على هذه الاتفاقات ، من جور وعسف ضد ابناء شعبه.

ان القذافي الذي اطاح بالملكية ، واسس الجمهورية على حد تعبيره ، لم يحترم حتى مظاهر الديمقراطية فحسب بل نعت في اواخر حياته ، معارضيه – الذين كانوا يشكلون اغلبية الشعب – بالجرذان ، ومن مفارقات الدهر ان الشعب لم يقبض عليه في قصره في باب العزيزية بل عثر عليه في حفرة على مشارف سرت وسحبه منها وقتله!

ان قصة القذافي ورغم انها شكلت ماساة وعذابات للشعب الليبي على مدى اكثر من 40 عاما ، وكانت نهايته فرحة عارمة ، لكنها تحمل في طياتها عبر وعظات لجميع الحكام في ارجاء العالم وفي كل الازمنة ، وتؤكد بان الديكتاتورية هي خطر يتهدد الحكام انفسهم قبل ان تكون طامة ومصيبة على الشعوب.