رمز الخبر: ۳۱۲۸۳
تأريخ النشر: 13:55 - 23 January 2012
لنفترض ان ايران اعلنت انها لن تسمح اعتبارا من الساعة دقيقة واحدة من صباح يوم غد بمرور السفن عبر مضيق هرمز وانها ستقصف السفن المارة وتغرقها. وعندها فان اي شركة لن تجازف طبعا بتعريض سفنها وافراد طاقمها للخطر وتمريرها تحت القصف وبين الالغام التي قد تتفجر في اي لحظة.
عصر ايران – اصبح "مضيق هرمز" خلال الاشهر الاخيرة المفتاح الرئيسي للعلاقات العدائية بين ايران واميركا؛ ومنذ ان اثار الامريكيون موضوع حظر النفط الايراني، ارسلت طهران هذه الرسالة وهي : ان لم يتم تصدير نفطنا، فان نفط الاخرين لن يمر عبر مضيق هرمز.

ومن ثم اجرى الجيش الايراني مناورات في مضيق هرمز للتمرين على كيفية اغلاق المضيق. ومن المقرر ان تجري خلال الشهر الجاري مناورات اخرى ينفذها الحرس الثوري في هذه المنطقة.

وقد هدد الامريكيون انهم سيبدون ردة فعل ان اقدمت ايران على اغلاق مضيق هرمز. وقد بلغ التصعيد حدا ان ارسل الرئيس الامريكي باراك اوباما رسالة الى ارفع مسؤول في الجمهورية الاسلامية الايرانية اعتبر فيها ان مضيق هرمز هو "خط احمر" للولايات المتحدة الامريكية واكد في الوقت ذاته على المحادثات المباشرة.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ان ايران قادرة على اغلاق مضيق هرمز؟ وماذا يمكن ان يحدث؟ ونحاول في هذا المقال ان نرد على هذه التساؤلات.

متى ستغلق ايران مضيق هرمز؟

ان التهديد باغلاق مضيق هرمز، يشبه المقصلة التي طالما لم تجهز على المحكوم بالموت، فانه يمكن استخدامها كاداة ضغط. لذلك، فان ايران ستتجنب قدر الامكان انزال هذه المقصلة.

وفي عالم السياسة، ليس مهما ما الذي فعلته، بل المهم والاهم ربما هو ما الشئ الذي يمكن ان تفعله.

وعندما يصل الاطراف الاخرون الى هذه القناعة بان ايران قادرة على اغلاق مضيق هرمز، فان ذلك يعد بحد ذاته عامل ردع واداة ضغط ومساومة.

ان انزال مقصلة "اغلاق مضيق هرمز" سيحدث عندما يكتمل التهديد الغربي بحظر النفط الايراني ويحول الغرب حقيقة دون بيع النفط الايراني في العالم، وان تصل الضغوط الاقتصادية على ايران حدا بان لا يبقى خيار امام ايران سوى مواجهة الخصوم.

بعبارة اخرى، ان اضطرت ايران فانها ستقدم على اغلاق مضيق هرمز لالحاق الضرر المتبادل باقتصاديات الدول المتخاصمة (سواء الدول العربية التي تمهد الطريق لمقاطعة ايران من خلال زيادة انتاجها النفطي في انتهاك سافر لحصتها في اوبك او الدول الغربية التي فرضت العقوبات على ايران).

فاستراتيجية طهران، "تقاسم الخسائر الناجمة عن حظر ايران"

كيف سيتم اغلاق مضيق هرمز؟

ان اغلاق مضيق هرمز لن يتم طبعا من خلال استخدام السلاسل والجنازير(!) ؛ فقد قامت القوات المسلحة الايرانية لاكثر من عقدين من الزمن بتصنيع وتخزين احدث الاسلحة المضادة للسفن واكثرها تنوعا.

فاذا كان قبل هذا اغلاق مضيق هرمز يتحقق من خلال القوات البحرية وتجهيزات ساحل – بحر ولكان العدو قادرا على احباط هذه العملية من خلال التغلب على القوات البحرية والساحلة، لكن اصبح الان بالامكان ليس اطلاق انواع الصواريخ الايرانية المضادة للسفن من الشواطئ فحسب بل يمكن اطلاقها حتى من محافظة اذربايجان الغربية (شمال غربي ايران) ومحافظة خراسان الشمالية (شمال شرق ايران) باتجاه السفن التي تمر عبر مضيق هرمز.

واضافة الى هذه الصواريخ البالستية، فان الصواريخ متوسطة المدى مثل "القارعة ونصر-1" قادرة على قصف مضيق هرمز على الدوام انطلاقا من شواطئ الخليج الفارسي وحتى محافظة كرمان (شرقي ايران).

كما ان زرع مضيق هرمز بالالغام خاصة من خلال استخدام الزوارق السريعة – التي تملك القوات المسلحة الايرانية اعدادا كبيرة منها وهي مجهزة وحديثة للغاية – وقادرة على اغلاق المضيق؛ ناهيك عن القذائف والمدفعة الساحلية والزوارق الطائرة والطائرات الايرانية بلا طيار و... .

ومعلوم ان عرض مضيق هرمز لا يسمح بان تمر عبره السفن الكبيرة وناقلات النفط العملاقة، وهناك قناة عرضها نحو 10 كيلومترات فحسب تشكل ممرا لناقلات السفن والبواخر العملاقة. لذلك فان اطلاق وابل من القذائف على قناة صغيرة يبلغ عرضها 10 كيلومترات فقط، ليس بالعمل الشاق.

وماذا سيحدث بعد اغلاق مضيق هرمز؟

وهذا السؤال اهم من كيفية اغلاق المضيق ؛ وهو ماذا سيحدث بعد اغلاق مضيق هرمز وهل سيكون بوسع ايران الابقاء على المضيق مغلقا؟

لنفترض ان ايران اعلنت انها لن تسمح اعتبارا من الساعة دقيقة واحدة من صباح يوم غد بمرور السفن عبر مضيق هرمز وانها ستقصف السفن المارة وتغرقها. وعندها فان اي شركة لن تجازف طبعا بتعريض سفنها وافراد طاقمها للخطر وتمريرها تحت القصف وبين الالغام التي قد تتفجر في اي لحظة.

وحينها فان اول سفينة تمر في ظل الدعم الامريكي ومرافقة الاسطول الامريكي لها، ستكون مصيرية وحاسمة.

فان لم تتعرض هذه السفينة للهجوم الايراني وتجري حركة الملاحة في المضيق بشكل طبيعي ، فان المقصلة تكون قد سقطت من دون ان تقطع رقبة، وتكون ايران قد خسرت اللعبة. لذلك فعندما "ترغم" ايران بالاعلان عن اغلاق المضيق، فانها ستكون "مرغمة" على وضع هذا الاغلاق موضع التنفيذ وحينها تحدث اول الانفجارات وترتفع اسعار النفط بشكل غير مسبوق.

وفي ظروف كهذه لن يكون امام اميركا سوى خياران : اما ان تقف متفرجة على تفعله ايران برغم ادعائها بجبروتها وقوتها واما ان تدخل ساحة المواجهة لفتح المضيق واعادة تدفق الطاقة الى حالته الطبيعية.

وطبعا فان اميركا شانها شان ايران، لا تريد ان تكون الخاسرة هذا القدر لذلك فانها ستقرر اتخاذ اجراء ما. لكن اي نوع من الاجراء؟ فان كانت عملية اغلاق مضيق هرمز تقتصر على المضيق وشواطئه، لربما كان بالامكان من خلال معركة بحرية ضارية، دحر القوات البحرية والساحلية الايرانية وتامين ناقلات النفط من خلال نشر عدد اكبر من الوحدات البحرية الامريكية. لكن القضية تكمن في ان الطرف الاخر الذي تواجهه القوات الامريكية، هو ليس البوارج والفرقاطات المالوفة بحيث يمكن تدميرها واغراقها بواسطة عدة صواريخ، بل التحدي الاساسي الذي يواجهوه هو الكم الهائل وغير المتكافئ من الزوارق السريعة الحربية والاهم منها الصواريخ التي تنطلق ليس بالضرورة من نقاط ثابتة على الشاطئ بل من نقاط متحركة من كل موقع في ايران باتجاه تلك ال10 كيلومترات التي ستجعل المضيق غير آمن وتغلقه.

وهنا ستكون اميركا امام ثلاثة خيارات :

- التأقلم مع الوضع الجديد
- الدخول في مباحثات مع ايران وتقديم تنازلات للعودة الى الظروف السابقة
- ازالة العوامل المهددة لمضيق هرمز ؛ اي ان يوسع الجيش الامريكي نطاق الحرب لتكون ابعد من المواجهة في البحر والمناطق المحيطة بالسفن وناقلات النفط ليجرها الى عمق الاراضي الايرانية ويسعى لتحديد جميع قاذفات الصواريخ الايرانية وتدميرها بالتالي.

وبديهي فان الخيار الاول يعني هزيمة اميركا ، لذلك فان هذا الخيار لن يدرج على جدول اعمال الولايات المتحدة.

ویبقی الخياران الاخران، اذ ان تنفيذهما يتوقف بالكامل على ظروف المتنافسين في تلك الفترة. فاذا كانت اميركا وحلفاؤها يمرون بظروف يتيقنون فيها من انهم سيخرجون منتصرين من حرب مع ايران، فانهم لن يترددوا في اعتماد هذا الخيار وفيما عدا ذلك فانهم سيلجأون الى الحوار لان اقتصادياتهم لن تستطيع الاستمرار ومواصلة حياتها على المدى البعيد في ظل اسعار نفط مرتعفة.

ان الاجراء الامريكي المحتمل لتدمير القوة الصاروخية الايرانية في عمق الاراضي الايرانية، يعتبر هجوما عسكريا على وحدة اراضي البلاد وستكون نتيجته حربا من العيار الثقيل.

لكن وبعد التجارب القيمة التي اكتسبتها اميركا في افغانستان والعراق فان مهاجمة بلد ثالث في المنطقة لا يقع في سلم الاولويات اطلاقا. ان العسكريين الامريكيين وحلفاءهم مازالوا يتكبدون خسائر بعد عقد من احتلال افغانستان وان البيت الابيض اعلن في الاونة الاخيرة انه جاهز للدخول في حوار مع طالبان ، اي طالبان التي هاجموا افغانستان من اجل القضاء عليها!

وعلى الرغم من ان الهجوم الامريكي ربما يتسبب بخسائر لايران قد تكون اكثر من الخسائر التي تتكبدها اميركا لاننا نحارب داخل اراضينا، لكن الامريكيين وفي قرارهم بمهاجمة ايران لا ياخذون خسائر ايران بنظر الاعتبار بل سيقيمون بداية الخسائر التي سيتكبدونها وهذا التقييم الغربي الذكي هو الذي حال اصلا لحد الان دون شنهم هجوما عسكريا على ايران التي لا يمكن اصلا مقارنتها بالعراق وافغانستان.

وعلى افتراض مهاجمة اميركا لايران، فان اوضاع مضيق هرمز لن تتحسن فحسب بل ان النيران التي تشتعل في هرمز ستطال المنطقة برمتها وستكون لها عواقب لا يعلم احد نطاقها ومدى اتساعها ومدتها.

وبناء على ذلك ، فان هجوما شاملا على ايران لفتح مضيق هرمز ، سياتي بنتائج عكسية.

لذلك ، فان كان مقررا ان يشن هجوم شامل على ايران ، فان القرار المتخذ بشانه لن يكون ذا طابع تكتيكي لاعادة فتح مضيق هرمز ، بل سيكون بالضرورة تابعا للاستراتيجية الامريكية العامة ازاء ايران. لذلك فان الهاجس الاستراتيجي الامريكي يمكن ان يتمثل في ان اقدام ايران على اغلاق مضيق هرمز يمكن ان يحدث قبل ان تتهيأ اميركا وحلفاؤها لشن هجوم على ا يران.

وعلى هذا الاساس فان الامريكيين كرسوا جل اهتمامهم وجهودهم منذ الان بالا يسمحوا لايران بان تضع تهديدها باغلاق مضيق هرمز موضع التنفيذ لانه في وضع كهذا، فاما عليهم ان يدخلوا في حرب مع ايران مع مستقبل مجهول – لكلا الطرفين – او ان يدخلوا في مفاوضات ويقدموا تنازلات.

ولذلك فان الرسالة الاخيرة التي وجهها اوباما الى القيادة الايرانية ، تضمنت بعد اطلاق التهديدات فيما يتعلق باغلاق مضيق هرمز، دعوة الى الحوار، وهذا خيار عقلاني بالنسبة للامريكيين بان يكونوا جاهزين في حالة اللا حرب لاجراء مفاوضات من اجل عدم اغلاق مضيق هرمز بدلا من المحادثات في حالة الحرب لاعادة فتح المضيق.