رمز الخبر: ۳۱۵۷۸
تأريخ النشر: 16:30 - 21 May 2012
عصر ايران يناقش "جذور ومستقبل الخلافات"
ان الدعم المادي الهائل الذي اغدقته السعودية على نظام صدام البائد ابان الحرب المفروضة حقيقة لا يمكن التكتم عليها. لقد كانت الرياض طوال الثماني سنوات من الحرب احد الحلفاء الرئيسيين لبغداد ضد طهران وبلا شك فان معنى هذا الدعم السعودي، لم يكن سوى ابداء العداء السافر لايران.
عصر ايران ؛ علي قادري - لا يمكن اليوم العثور على جهة في ايران تحمل انطباعا ايجابيا تجاه العربية السعودية، والامر كذلك الى حد ما في الجانب الاخر بمعنى ان انطباعا سلبيا يسود بشكل عام العربية السعودية تجاه ايران.

وجذور هذا التشاؤم المتبادل تعود فضلا الى العوامل التاريخية ، الى الخلافات الواسعة في رؤى ومواقف ايران و السعودية من العديد من الموضوعات الاقليمية. ان هذه الخلافات ادت الى اندلاع توترات واسعة في العلاقات بين البلدين لدرجة ان تراكمات الخلافات اسفرت عن ايجاد جدار مرتفع من عدم الثقة بين ايران والسعودية.

ماضي الخلافات

على الرغم من ان محمد رضا بهلوي تسبب في انفصال البحرين عن ايران لكن وقبل انتصار الثورة الاسلامية وبسبب ان الشاه كان شرطي الغرب في الخليج الفارسي، فان حكام العربية السعودية لم يسمحوا لانفسهم ابداء العداء تجاه ايران.

لكن انتصار الثورة الاسلامية في ايران والتوقيع على معاهدة كامب ديفيد بين مصر واسرائيل عام 1978 اوجدا فرصة ملائمة لتنامي النفوذ الاقليمي السعودي ، لكن هذا الابتهاج لم يحل دون اخفاء الاسرة السعودية الحاكمة قلقها البالغ من صدور الثورة الاسلامية. وطبعا فان الخطاب الذي كان سائدا في تلك الفترة في ايران هو تصدير الثورة.

ان الدعم المادي الهائل الذي اغدقته السعودية على نظام صدام البائد ابان الحرب المفروضة حقيقة لا يمكن التكتم عليها. لقد كانت الرياض طوال الثماني سنوات من الحرب احد الحلفاء الرئيسيين لبغداد ضد طهران وبلا شك فان معنى هذا الدعم السعودي، لم يكن سوى ابداء العداء السافر لايران.

وربما ان المذبحة التي ارتكبت ضد الحجاج الايرانيين في بيت الله الحرام كان يمكن ان لا تحدث في ظل التنسيق الذي نشهده اليوم خلال مراسم الحج ، لكن مهما يكن فان هذا الاجراء السعودي اعتبر في ايران كعمل معاد.

ان العلاقات بين ايران والسعودية في عقد التسعينيات كانت تتسم بهدوء نسبي ، الهدوء الذي انتبه الكثير الى انه كان مؤشرا على هدوء ما قبل هبوب عاصفة كبيرة. ان التقدم الذي احرزته ايران بعد الحرب وسقوط صدام حسين مهدا لتنامي القوة والنفوذ الايرانيين في الشرق الاوسط.

وبناء على ذلك ، اتسمت التحديات بين طهران والرياض بصيغة اقليمية على الفور والقت هذه التحديات بظلالها على معظم الملفات الاقليمية.

وخلال هذه السنوات اتهمت السعودية ، ايران بانها تتدخل في قضايا العالم العربي او ان طهران بصدد نشر التشيع في الشرق الاوسط. كما ان ايران، اتهمت السعوديين ببث الفتنة الطائفية في المنطقة وترى بان السياسات السعودية، تعرض امن الشرق الاوسط للخطر.

وقائمة التهم المتبادلة بين الجانبين، تطول، التهم التي تؤشر على وجود خلافات جذرية بينهما.

ان الخلافات الرئيسية بين ايران والسعودية في الوقت الحاضر تتمثل في الحالات التالية :

أ) القضية الفلسطينية
ب) المستقبل السياسي للعراق
ج) الازمة السورية
د) لبنان
ه) البحرين
و) ...

ورغم التدخل السعودي الواسع في الملف النووي الايراني ، يجب اعتبار هذا الملف وملف امن الطاقة في الخليج الفارسي خارج جدول اعمال الرياض لان الطرف الاخر المباشر في مقابل ايران في هذه الملفات هو الولايات المتحدة الامريكية.

ان هذين الملفين وبسبب الخصائص الفريدة فيهما ، يتم دراستهما على الصعيد الدولي. الخصائص التي تتسبب لايران بتهديدات بالغة من جهة وتوفر لها فرصا منقطة النظير من جهة اخرى.


جذور الخلافات

وبداية يجب الفصل بين مفردتي العرب والعربية السعودية. ورغم ان الاسرة الحاكمة في السعودية تسعى ان تعطي لنفسها توكيلا مطلق الصلاحية فيما يخص مفردة "العرب" لكن هذا التوكيل لا يحظى اطلاقا بقبول الكثير من العرب.

فعلى سبيل المثال، تمتلك السعودية اسوا مكانة بعد اسرائيل في مصر لدى الراي العام المصري او في العراق، فان العديد من المواطنين العراقيين ، يعتبرون العربية السعودية الجهة الرئيسية التي تقف وراء التفجيرات الارهابية في العراق.

ويذهب الكثير الى الاعتقاد بان هذه الخلافات ناجمة عن التنافس الاقليمي بين ايران والسعودية لكن يمكن ايجاد نماذج عديدة تظهر اساسا بان هيكلية التعامل بين الطرفين قد خرجت لفترة طويلة من نموذج التنافس وبلغت عمليا مرحلة المواجهة.

على سبيل المثال ، المحاولات السعودية الحثيثة لفرض حظرعلى النفط الايراني تخرج بشكل عام عن اطار المنافسة ونظرا الى اهمية النفط في الصادرات الايرانية، فانها تعتبر اجراء معاديا بامتياز.

ان عدم وجود مصالح مشتركة بين ايران والسعودية في العديد من الملفات ادى الى تصاعد الخلافات بين الجانبين.

على سبيل المثال، على الرغم من وجود خلاف جاد في وجهات النظر بين ايران وتركيا ازاء بعض الملفات الاقليمية مثل الازمة السورية او ملف العراق لكن المصالح المشتركة تحول دون ان يصل مستوى التعامل بين طهران وانقرة الى مواجهة.

لكن الامر مختلف تماما فيما يخص العلاقات بين ايران والسعودية، لانه تشاهد معادلات في نموذج المواجهة بينهما، حاصل جمعها الصفر، فربح طهران هو خسارة للرياض والعكس بالعكس صحيح.

ان الهوة الدينية السحيقة بين ايران والسعودية (التشيع – الوهابية) تعد احد العوامل الرئيسية للخلافات بين الطرفين.

ولا يمكن ربط جذور الخلاف بين ايران والسعودية بالتدخلات الاجنبية. وطبعا لاشك بان هذه التدخلات تلعب دورا مهما في توتير العلاقات بين البلدين، لكن اختلافات الطرفين هي اكثر تجذرا من ان تسوى مع زوال التدخلات الاجنبية.

فمثلا، حتى ان وافق الامريكيون على وجود ايران نووية، فان السعودية لا تملك القدرة اللازمة على احتمال هذه الحقيقة.

مستقبل الخلافات

لا يشاهد افق واضح في العلاقات بين ايران والسعودية وحتى يمكن القول بصراحة بان هذه العلاقات ستشهد توترا اكثر في المستقبل. رغم انه يبدو بان حدور التطورات الاقليمية والدولية يسير على حساب السعودية.

والحقيقة ان ما نراه اليوم من السعودية في الشرق الاوسط هو اكبر من حجمها ووزنها المنطقيين. الوزن الذي يبدو انه سيتعدل مع عودة مصر والعراق الى المعادلات الاقليمية، وهي العودة التي تحتاج الى زمن.

وواضح ان السعودية تسعى لاسقاط النظام الحالي في سورية. لا لان السعودية حريصة على الديمقراطية في الشام(!) بل ان الرياض تريد من خلال اقصاء بشار الاسد، التعويض عن عدم التوازن في مقابل ايران والناجم عن سقوط مبارك في مصر.

وفي مطلق الاحوال، وطالما لم يستقر الوضع والاضطرابات الحالية في الشرق الاوسط فان العلاقات بين طهران والرياض لن تشهد هدوء هي الاخرى.

وفي النظام الاقليمي والدولي المستقبلي، فان العلاقة بين ايران والغرب وبالتحديد مع اميركا، لن تبقى متوترة من حيث المصالح المشتركة للطرفين. ان تحسن هذه العلاقات سيعيد الى حد كبير ايران والسعودية الى وزنهما الحقيقي.

يبقى ان نقول بان طهران والرياض يجب ان يرفع احدهما في النهاية الراية البيضاء، وهذه هي قاعدة جميع الحسابات التي حاصل جمعها هو "الصفر".