رمز الخبر: ۳۲۰۴۸
تأريخ النشر: 16:47 - 17 October 2012
جذور الخلاف بين الاسد واردوغان
ان التوترات مع الجيران، تركت اثارا امنية سيئة على تركيا. فانقرة تتهم سورية وحتى ايران، بانهما يدعمان المتمردين الاكراد في تركيا. وهنا لا نريد التحدث عن مدى صدقية او عدم صدقية هذا الادعاء بل ان ما هو واقع هو ان التدهور الامني في جنوب تركيا قد ازداد عدة امثال ما كان عليه قبل سنة، وحتى ان هناك خطر ان تمتد هجمات المتمردين لتطال المدن التركية الكبيرة.
عصر ايران ؛ علي قادري – عندما شد "اردوغان والاسد" على ايدي احدهما الاخر في اسطنبول ك "حليفين استراتيجيين"، قلما كان احد يتوقع بان يصل يوم يهدد فيه رئيس الوزراء التركي، جارته الجنوبية بشن هجوم عسكري.

ان امتعاض رجب طيب اردوغان من بشار الاسد، لم يات من فراغ: لان الرئيس السوري، لم يلب توقعات وطموحات رئيس الوزراء التركي على مرحلتين سبقتا اندلاع الازمة في سورية.

فدمشق ذهبت في ماراثون ما بعد الانتخابات البرلمانية العراقية الى الجانب الاخر من الخط في خاتمة المطاف. ورغم وجود الخلافات المعمقة بين بشار الاسد ونوري المالكي والتي ادت الى دعم دمشق لاياد علاوي في تلك الانتخابات، فان سورية ادارت ظهرها في النهاية لتركيا والسعودية وقطر، ووقفت الى جانب ايران.

ان سلوك بشار الاسد في الملف العراقي، شكل بزعم اردوغان اول علامة ضرب في سجل الرئيس السوري، العلامة السلبية التي اشتدت حدتها في ضوء لا مبالاة دمشق بالتطورات اللبنانية والتي اسفرت عن سقوط سعد الحريري.

وكانت انقره والدوحة تتوقعان من سورية، ان تستخدم نفوذها لدى حزب الله لاقناع السيد حسن نصر الله، بقبول المشروع التركي – القطري للتوسط لانهاء الخلافات الناجمة عن المحكمة الدولية بشان ملف اغتيال رفيق الحريري.

وهذا المشروع كان يتضمن بقاء سعد الحريري في السلطة وتطهير حزب الله من متهمي الملف، المشروع الذي ليس فرضه الامين العام لحزب الله فحسب، بل قوبل بردة فعل مماثلة من ميشيل عون ونبيه بري.

ومع ذلك، فان سورية فضلت الا تتدخل في الشؤون اللبنانية للمرة الاولى، وان تترك القرار حول مصير الازمة السياسية في لبنان للبنانيين انفسهم من دون ان تمارس الضغط على حلفائها اللبنانيين.

وكان سلوك بشار الاسد في هذين الملفين، بمثابة المحك لاردوغان بشان العلاقات التي تسمى بالاستراتيجية بين تركيا وسورية، السلوك الذي دفع رئيس الوزراء التركي الى اتهام الرئيس السوري ب "الكذب"، والا يصدق وعوده بالقيام باصلاحات في سوريا عقب اندلاع الازمة فيها.

وطبعا فان من الصعوبة بمكان قبول ان اردوغان تحول الى قاض في الازمة السورية، لان الحكومة التركية الحالية، قد تدخلت في هذه الازمة لدرجة تحولت فيها الى احد اطراف الصراع.

ولا يخفى بان الحدود المشتركة بين البلدين، تحولت الى ممر لعبور المسلحين الذين يوصلون انفسهم من اقصى نقاط العالم الى بلاد الشام "لتادية فريضة الجهاد"، بحيث ان جهاز الامن التركي (ميت) تولى عملية تقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي للجيش السوري الحر، الذي هو صنيعة الجهاز الاستخباراتي التركي حسبما يقول هيثم المناع رئيس هيئة تنسيقيات المعارضة السورية.

ان مشروع اردوغان لا يمثل المواجهة بين "الديمقراطية التركية" و "الديكتاتورية العربية". ان اردوغان ووفقا لرؤيته العثمانية الجديدة، يعتبر سورية ملكه الحكري فضلا عن اعتباره العراق موروث الامبراطورية العثمانية.

وعندما لم تستطع السياسة الخارجية التركية الامساك بزمام المبادرة في تشكيل الحكومة العراقية، تغيرت لهجة حديث رئيس الوزراء التركي الى نظيره العراقي.

وعلى الرغم من نشاط العديد من الشركات التركية في الساحة الاقتصادية العراقية، لكن العلاقات السياسية بين البلدين تدهورت بشكل كبير.

فالحكومة العراقية تتهم تركيا بانها تتدخل في الشان الداخلي العراقي، وتنتهك السيادة الوطنية العراقية. فعلى سبيل المثال، زار احمد داود اوغلو وزير خارجية تركيا، اقليم كردستان العراق من دون التنسيق مع الحكومة العراقية والتقى مسعود البارزاني في كركوك. او ان البرلمان التركي اوى طارق الهاشمي النائب السابق للرئيس العراقي بعدما ادانته المحكمة العراقية العليا بجرم الضلوع في التفجيرات في العراق.

وحتى ان الحكومة العراقية ترى ان بعض موظفي الشركات التركية العاملة في العراق، هم ضباط جهاز الاستخبارات التركي الذين ينشطون في العراق خلف واجهة هذه الشركات.

ان نتيجة هكذا توجه في السياسة الخارجية لاردوغان، تشكل نهاية لسياسة "تصفير المشاكل مع الجيران" الذين لدى كل منهم الان مشاكل مع تركيا. ان تركيا لم تعد تقف الان على مسافة واحدة من جميع اطراف الازمات الاقليمية.

وحسب استطلاع راي اجرته اخيرا مؤسسة "مارشال" الامريكية في تركيا، فان اكثر من 80 بالمائة من الشعب التركي، يرون بان تركيا ما كان يجب عليها ان تورط نفسها اكثر من هذا في الازمة السورية، لان تركيا لديها مشاكل اكثر جدية.

وفي العراق قررت حكومة المالكي مراجعة علاقاتها السياسية والاقتصادية مع جارتها الشمالية، وان تحقق ذلك فانه لن يمر من دون اضرار لتركيا.

ان التوترات مع الجيران، تركت اثارا امنية سيئة على تركيا. فانقرة تتهم سورية وحتى ايران، بانهما يدعمان المتمردين الاكراد في تركيا. وهنا لا نريد التحدث عن مدى صدقية او عدم صدقية هذا الادعاء بل ان ما هو واقع هو ان التدهور الامني في جنوب تركيا قد ازداد عدة امثال ما كان عليه قبل سنة، وحتى ان هناك خطر ان تمتد هجمات المتمردين لتطال المدن التركية الكبيرة.

ان التوتر الاخير على الحدود مع سورية والذي اندلع بعد سقوط قذائف هاون على قرية "اقجة قلعة" التركية، يظهر الى حد كبير جانبا من اضطرابات السياسية الخارجية التركية في المنطقة.
وحتى ان هذا التصور سائد داخل تركيا وخارجها بان هذا التوتر، استحدث بتوجيه من الجهاز الاستخباراتي التركي الذي يقود المجموعات المسلحة داخل سورية.

وافادت صحيفة "يورت" التركية ان الهجمات بقذائف الهاون على الاراضي التركية، تمت على يد المجموعات المسلحة التي يزودها "ميت" بالسلاح والتجهيزات والعتاد.

لكن الى متى تستطيع تركيا، احتمال الاثمان الناجمة عن تجاوز سياسية تصفير المشاكل مع الجيران، سؤال لابد للعثمانيين الجدد ان يردوا عليه. ان تركيا، ليست السعودية، وان الاتراك بوصفهم اناس واقعيين، ليسوا بالاشخاص الذين يعيشون في احلام.