رمز الخبر: ۳۸۷۸۷
تأريخ النشر: 11:04 - 24 January 2018

عصر إيران - قرار الرئیس الأمریکی دونالد ترامب التمدید للمرة الأخیرة لتجمید العقوبات الاقتصادیة على إیران بغیة إعطاء فرصة أربعة أشهر لإصدار اتفاق ملحق یسد ما یعتبره ثغرات لمصلحة إیران فی الاتفاق النووى أو ما یعرف باتفاق (٥ + ١). فیما تقول إیران إنها تتمسک بالاتفاق کما هو، وترفض کلیا فتح باب التفاوض حوله، یمهد لأزمة خطیرة لا تعرف نتائجها فی شرق أوسط ملیء بالأزمات المتفجرة. یمثل هذا القرار بشأن ما یعتبره ترامب أسوأ اتفاق فی تاریخ الولایات المتحدة، نموذجا صارخا بما یعرف بسیاسة حافة الهاویة.

الرئیس الأمریکی یضع شرکاءه فى الاتفاق، الدول الأربع الأعضاء الدائمین فی مجلس الأمن ومعهم ألمانیا، فی وضع صعب، وهو وضع محرج تحدیدا لحلفائه الغربیین، فرنسا وبریطانیا وألمانیا. إنها سیاسة قلب الطاولة على الجمیع دون أن تعرف نتائج ذلک. فحلفاء الولایات المتحدة الثلاثة، وخصومها الاثنان، روسیا الاتحادیة والصین الشعبیة، کلهم متفقون على التمسک بالاتفاق. الاتفاق الذی صار وثیقة رسمیة دولیة مع صدور قرار مجلس الأمن (٢٢٣١ ) الداعم له.

انسحاب واشنطن، فیما لو حصل، لا یلغی الاتفاق بالطبع، ولکنه یزعزع الاتفاق سیاسیا من خلال ازدیاد التوتر والتشنج والصدام على الصعید السیاسی. کما یساهم ذلک دون شک فی زیادة مستوى الصراع وحدته فی الأزمات القائمة فی المنطقة.

جملة من الأسباب تقف وراء قرار ترامب وهى:

أولا: سبب سیاسى داخلى قوامه ضرب وإسقاط کل ما أنجزه سلفه الرئیس أوباما الذى یعتبره ترامب نقیضه سیاسیا فی جمیع المجالات والشئون الداخلیة والخارجیة.

ثانیا: حالة العداء السیاسى والاستراتیجى الحاد التی یحملها ترامب تجاه إیران ودورها وسیاساتها فی المنطقة، ولو کانت هنالک لحظات انفراج فى تلک العلاقات کما رأینا لحظة محاربة دولة «داعش» فی سوریا وفی العراق.

حالة تقوم على المواجهة مع إیران ینعکس ذلک فی تشجیع ترامب ودفعه للمواجهة العربیة الإیرانیة القائمة التی أنتجت حربا باردة إقلیمیة تعزز البؤر الساخنة فی المنطقة وتزیدها حدة واشتعالا. ثالثا: فی ظل هذا العداء المستحکم مع إیران یأتی الاتفاق لیضع واشنطن فی موقف مرتبک ودفاعی، إذ یسمح لإیران بتطبیع علاقاتها السیاسیة والاقتصادیة مع القوى الغربیة بشکل خاص مع ما لذلک من انعکاسات إیجابیة على الاقتصاد الإیرانی مع رفع العقوبات وفتح الأسواق للتجارة وجذب الاستثمارات، وبالطبع على قدرة إیران فى إعادة تطبیع علاقاتها الدولیة والاستفادة من ذلک.

والمثیر للاهتمام أن ما سمی ببدایة الربیع الإیرانی تأثر بوعود الرئیس روحانى بتحسین الوضع الاقتصادى الاجتماعى للشعب الإیرانى مع وقف العقوبات وإنجاح الاتفاق النووى، فى حین أن ما حصل مع بدایات الانفراج الاقتصادی هو أن مجمل میزانیة ٢٠١٨ قد رکزت على دعم وتوظیف «المال الإیرانی» فی توفیر مزید من الدعم للسیاسات الإیرانیة فی المنطقة بدلا من الاهتمام بمعالجة المشکلات الاقتصادیة الاجتماعیة الحادة والمتزایدة فی البلد.

رابعا: شجع ترامب على سیاسة قلب الطاولة منطق الأحادیة الحادة الذى یطبع سیاساته الخارجیة، إذ لا یأخذ ترامب بعین الاعتبار الالتزامات الدولیة أو مواقف ومصالح الحلفاء الأساسیین أو أیضا الحفاظ على تعاون أو تفاهم قائم فی مجال دولی أساسی مع الخصوم التقلیدیین مثل روسیا الاتحادیة وروسیا الشعبیة.

ترامب یرید اتفاقا أفضل حسب شروطه ورؤیته ضاربا بعرض الحائط نحو ثلاث عشرة سنة من المفاوضات التی لم تکن سهلة، وکانت متعثرة لفترات طویلة، وکذلک ضاربا بعرض الحائط فلسفة الاتفاق التى تقوم على تجمید النووى الإیرانى ولو لفترة محددة. یهدف ذلک بالطبع إلى دفع إیران عبر سیاسة الجزرة لإسقاط الخیار النووی نهائیا کون انخراط إیران فی عملیة تسلح نووی ستؤدی دون شک إلى سباق تسلح مفتوح فى الشرق الأوسط، وإلى ازدیاد التوتر فی المنطقة، خاصة أن الحرب لیست خیارا عقلانیا أو واقعیا لمنع إیران بالقوة من بناء قدراتها النوویة فیما لو قررت اتباع نموذج کوریا الشمالیة.

الخلاف الغربی مع إیران یتمحور حول نقاط ثلاث:
أولا: المسألة النوویة
قد جاء الاتفاق النووی لیعالج هذه المسألة الاستراتیجیة الحیویة عبر مسار احتواء هذه العملیة، ودفع إیران نحو التخلی الکلی عن السلاح النووی. والخوف الیوم، بدلا من العمل على إنجاح هذا النموذج لیکون نموذجا لکوریا الشمالیة التی هی قوة نوویة حالیا، فإن السیاسة الأمریکیة الجدیدة ربما تدفع إیران فی نهایة الشوط إلى اعتماد نموذج کوریا الشمالیة ولیس العکس.

ثانیا: تطویر إیران لمنظومة صواریخ بالیستیة، وهذا أمر ذو تداعیات استراتیجیة عسکریة خطیرة فی المنطقة تهدد التوازنات القائمة. وسیاسة ترامب بإسقاط الاتفاق النووی کما هو قائم لا تساعد محاولة تسویة مسألة الصواریخ البالستیة، لا بل إنها تزید هذه المسألة حدة وتصعیدا.

ثالثا: التمدد الإیرانی وتوسیع النفوذ الإیرانی فی المنطقة وهو یشکل محور الصدام الإقلیمی والحرب الباردة المتصاعدة التی تقتات على الحروب الساخنة القائمة فی نقاط مختلفة وتغذیها. وإعادة فتح الملف النووی لن تساهم فی مواجهة السیاسة الإیرانیة فی المنطقة فی إضعافها أو حصارها فی النقاط الساخنة.

إن الاتفاق النووی مع إیران لا یعنی أبدا إعطاء ضوء أخضر لإیران فی ما یتعلق بسیاساتها الإقلیمیة لا بل یفترض أن یشجع على التفاهم والتعاون فى المجالین الآخرین، البالیستی والإقلیمی، فیما انفجار الصراع مع ایران وازدیاد التوتر،کما تهدد بذلک سیاسة واشنطن، سیجعل إیران اکثر تمسکا وأکثر حدة فی سیاسة المواجهة خاصة فى ظل غیاب أی توافق دولی داعم للسیاسة الامریکیة.

وحدها سیاسة الانخراط الحازمة مع إیران، السیاسة التی تقوم على مزیج من العصا والجزرة، کما یقال، وذات المقاربة الشاملة لکل المسائل فى المنطقة حیث هناک نقاط صدام مع إیران، وحدها تلک السیاسة یمکن أن تساهم فی إعادة الاستقرار إلى الإقلیم.

فإذا لم یکن الاتفاق النووى بمثابة ضوء أخضر کما یحاول أن یصوره البعض بالنسبة لإیران لإطلاق یدها فی المنطقة، فلا یجوز أیضا أن یحوله الرئیس الأمریکی إلى ضوء أحمر ضد احتمالات الانخراط فی سیاسات مع إیران بغیة الوصول إلى تفاهمات إقلیمیة دولیة حول قضایا المنطقة ونقاطها المشتعلة وبالأخص سوریا والیمن والعراق ولبنان. صحیح أن هذا لیس بالأمر السهل ولکن سیاسة المواجهة التی یتبعها الرئیس الأمریکی ستجعل التوصل إلى تفاهمات شاملة أمرا مستحیلا.


المصدر: الشروق

الكلمات الرئيسة: ایران ، امریکا ، الاتفاق النووی