رمز الخبر: ۹۴۰۵
تأريخ النشر: 10:34 - 12 January 2009
جلال عارف

عصر ایران - بعد عشرة أيام من المذبحة الإسرائيلية المستمرة للشعب الفلسطيني في غزة، خرج الرئيس الأميركي المنتخب أوباما عن صمته ليبرر غيابه بأنه في القضايا الخارجية لا ينبغي أن تتحدث أميركا الرسمية إلا بصوت واحد هو صوت الرئيس بوش حتى رحيله عن البيت الأبيض، ومؤكداً أن لديه الكثير ليقوله بعد أن يتولى مهام منصبه رسمياً في ۲۰ يناير الحالي.


من جانبنا لا ينبغي أن نأمل الكثير من أوباما، فقط أن تكون سياسة أميركا الخارجية محكومة بمصالح أميركا نفسها (وليست مرهونة لإسرائيل) وأن تتحدد هذه المصالح بالعقل وليس بالهوس الديني وأوهام تحقيق المشيئة الإلهية التي اختصت الرئيس بوش بها! ومع ذلك فها هي إسرائيل لا تترك شيئاً للصدفة وتستبق تولي أوباما لمسؤولية الحكم بهذه المجزرة البشرية التي ترتكبها بمشاركة كاملة من إدارة بوش.

تريد إسرائيل أن يصل أوباما على واقع تم تغييره على الأرض، وهي تدرك أن القضايا الداخلية ستشغل الإدارة الجديدة تماما مع ظروف الأزمة الاقتصادية الطاحنة، وأن ما تبقى من جهد أميركي لقضايا المنطقة سيكون للعراق وللملف الإيراني أولا بالطبع، وأن قضايا أخرى (مثل السودان) قد تأخذ حيزا اكبر من اهتمام الإدارة الجديدة.

أما فلسطين فلتكن مذابح غزة هي العنوان الذي يستقبل أوباما بشأنها .. فيعرف أن إسرائيل هي القوة التي ينبغي أن يعتمد عليها في المنطقة، وأن العرب والحمد الله قادرون على التحمل، وعلى الشجب والإدانة وليس أكثر! وليكون اقترابه من القضية الفلسطينية (إذا حدث) من باب فتح المعابر وتخفيف الحصار وإغاثة الضحايا، وليس من باب السلام الحقيقي الذي لا يمكن أن يبدأ إلا من النقطة الأساسية وهي أن هناك احتلالاً يجب إنهاؤه، وأرضاً عربية ينبغي أن تعود، ودولة فلسطينية ينبغي ان تقوم.

ووسط القتل والدمار كانت القيادة الإسرائيلية تريد أن تضع كلمة (النهاية) لمشروع التسوية الفاشلة بما يتضمنه من حل الدولتين، وإذا كانت إسرائيل لم تعلن ذلك بصراحة حتى الآن، فأظن أنها لن تتأخر عن ذلك بعد إتمام مذبحتها في غزة التي تحتاج فيها الى المشاركة الكاملة من إدارة بوش، وبعد رحيل أسوأ من حكم أميركا عن البيت الأبيض.

ومع ذلك فها هي (الرؤية) الأخرى التي اعتمدتها تظهر في (النعي) الذي نشره في عز المذبحة أحد أهم أنصارها جون بولتون مندوب أميركا السابق في الأمم المتحدة الذي عينه بوش في هذا المنصب رغم رفض الكونغرس، والذي يقول في مقال في (الواشنطن بوست) إن حل الدولتين مات وفات وقته، وأن البديل هو ما يسميه حل الدول الثلاث الذي يلغي اسم فلسطين تماما، ويضع الضفة تحت سلطة الأردن وقطاع غزة تحت سلطة مصر!
والرؤية المطروحة ليست جديدة، وقد سبق لإسرائيل وأنصارها طرحها من قبل، ورفضتها مصر والأردن والفلسطينيون بمختلف فصائلهم وبدون استثناء. وقد يكون طرح بولتون لها في هذا التوقيت من باب إشعال التوتر القائم حول معبر رفح، ومحاصرة الأردن بالمخاوف من تصدير المشاكل إليها بهدف شل حركة الجميع. لكن يبقى أن التعامل بجدية مع هذه ال(رؤية) الإسرائيلية التي تحاول تسويقها في مراكز صنع القرار الأميركي.

نعم.. إيقاف المذبحة هو الهدف في هذه المرحلة، وكل الإطراف العربية عليها أن تستخدم كل الإمكانيات لتحقيق ذلك، وأن تعلو فوق الخلافات، وتدرك أن الخطر داهم على الجميع، وأن الجميع شركاء ؟ وليسوا وسطاء ؟ في مواجهته. لكن علينا أن ندرك ونحن نواجه العدو المدعوم أميركياً بلا حدود، أن الأخطر قادم.. وأن المطلوب هو (تصفية) القضية الفلسطينية وليس (التسوية).. وأن الطريق لذلك لابد أن يمر بمذابح وحروب وفوضى قد تكون (خلاقة) بالنسبة لإسرائيل وأميركا، ولكنها ستكون قاتلة بالنسبة لنا.

إن حل (الدولتين) وضع أساساً لخدمة إسرائيل، ومع ذلك فهي ترى أن الظروف مهيأة لما هو أفضل بالنسبة لها، وهو استمرار الوضع الحالي حتى تنتهي من استكمال تهويد القدس وتقطيع أوصال الضفة وفرض أمر واقع جديد. وفي مواجهة ذلك لابد من رؤية عربية تنطلق من وحدة وطنية فلسطينية أصبح التأخير في إتمامها جريمة في حق الشعب الفلسطيني، وتنهي خمسة عشر عاماً من الفشل والتراجع منذ أوسلو، وتضع للمبادرة العربية إطاراً زمنياً لعام واحد يتم خلاله إقرار التسوية على أساس الدولة الفلسطينية في كامل حدود ۶۷ بما فيها القدس وضمان حق العودة، فإذا لم يحدث كان الخيار العربي والفلسطيني هو العودة للحل في إطار دولة واحدة على كامل التراب الفلسطيني تضم العرب والإسرائيليين معا.

وسيقول البعض إن هذا يعني إيقاف (عملية السلام) التي انطلقت في أوسلو وتعززت في (أنابوليس) والعودة لنقطة تجاوزناها. والرد هو: وهل بقي في عملية (السلام) هذه شيء بعدما فعله النازيون الجدد في غزة بمشاركة الإدارة الأميركية؟ ألا تكفي خمسة عشر عاما بعد أوسلو لنكتشف أننا سرنا من يومها في الطريق الخطأ؟

البيان الإماراتية