رمز الخبر: ۹۵۲۷
تأريخ النشر: 14:30 - 15 January 2009
عبدالستار قاسم

المعركة على أرض فلسطين

عصر ایران - الصهاينة يقصفون بكل وحشية وهمجية وهم يعون تماماً ما يفعلون. إنهم يقصفون المدنيين بلا رحمة وبلا هوادة، ويهدمون البيوت على رؤوس أصحابها، ويجربون آخر ما توصلت إليه التقنية الأميركية من مخترعات تدميرية مرعبة. لا يشذ الصهاينة اليهود في هذا عن سيرتهم التاريخية إلا في نقطة واحدة وهي كثافة القصف. لقد قتلوا المدنيين من قبل في فلسطين من أجل الترويع والتهجير، وقصفوا إربد والسلط وبحر البقر واللاذقية وأبو زعبل وعيتا الشعب ومروحين وبيروت، الخ ، لكن انحطاطهم الأخلاقي يتحول الآن إلى هستيريا انحطاطية، وكأنهم قد فزعوا مما يرون.


هذه معركة تاريخية تؤشر إلى تحولات تاريخية كبيرة ستترك بصماتها على مجمل المنطقة العربية الإسلامية، وعلى سير القضية الفلسطينية. من هذه التحولات، أذكر ما يلي:

أولاً: لأول مرة تدور معركة عسكرية حقيقية بين الفلسطينيين وإسرائيل على أرض فلسطين. وقعت معارك سابقة مثل معركة الكرامة، ومعركة الليطاني، لكن هذه المعركة تختلف من حيث أن المقاتل الفلسطيني موجود الآن على أرض فلسطين، وهو يواجه جيشاً نظامياً مدججاً ويقف ببسالة منقطعة النظير مدافعاً عن نقطة ارتكاز استراتيجية لها انعكاساتها على تطور القضية الفلسطينية.

في النظرية الأمنية الإسرائيلية، يجب أن تدور المعارك على أرض العدو، وهذا ما حرصت عليه إسرائيل عبر الزمن. لكن القدرة العربية تطورت مع الزمن حتى باتت الصواريخ تنطلق من أرض العرب نحو فلسطين المغتصبة، وحتى باتت العمليات الإستشهادية تضرب في قلب التجمعات السكانية الصهيونية. اندفع حوالي ربع سكان إسرائيل عام ۲۰۰۶ نحو الملاجئ وجهة الجنوب بسبب صواريخ حزب الله، وما زالوا يحسبون لأيام قادمة ستكون المواجهة فيها أعتى وأشد. أما الآن فالمعركة على أرض فلسطين، الأرض التي تحتلها إسرائيل وتطرد شعبها وتبقيهم في مخيمات التهجير والتشرد. وإسرائيل تعي أن صمود المقاومة الآن يعني أن المعركة القادمة على أرض فلسطين ستكون أعتى وأشد.

إنني على يقين بأن اليوم الذي ستدور فيه المعركة على أرض فلسطين المحتلة/۴۸ ليس ببعيد. زمن الهزائم قد ولى، والمنحنى التنازلي لإسرائيل يهوي بتسارع.

ثانياً: الذين يقاتلون في غزة هم أهل السنة، والذين قدموا لهم الدعم والعون في الغالب هم أهل الشيعة. لقد أسقطت هذه المعركة تماماً محاولات إسرائيل والأنظمة العربية لبث الفتنة بين أهل السنة وأهل الشيعة. كثير من الذين يقفون مع إسرائيل في هذه المعركة هم من أهل السنة، وكثير من الذين يقفون مع المجاهدين هم من أهل الشيعة. لقد انحاز كل إلى معسكره، فذهب الشيعي الساقط وحليفه السني الساقط ناحية إسرائيل، وذهب أهل السنة وأهل الشيعة الشرفاء ناحية المجاهدين.

هذه معركة ستخرس معها وبها كل الأصوات التي حاولت تمزيق المسلمين لسنة وشيعة إرضاء لأميركا وإسرائيل.

ثالثاً: عانى الفلسطينيون عبر الزمن من مقولة (شعبنا تعب)، وأهدروا بذلك تضحياتهم ودماء شهدائهم. كنا مع كل هبة في وجه إسرائيل ندفع ثمناً باهظاً وتضحيات جساماً، وكان دائماً من يظهر علينا من قادة فلسطين ليقول للشعب بأننا قدمنا الكثير من التضحيات والشعب لم يعد يتحمل، وعلينا أن نتنازل أو نتوقف. حصل هذا عام ۱۹۳۶ عندما أنهت قيادات فلسطين الإضراب لأن الشعب جاع وتعب، وحصل في كثير من الحالات مثل انتفاضة عام .۱۹۸۷ كنا نقدم التضحيات دائماً، ولم نكن نكمل المشوار، فظهرت أعمالنا وكأنها ارتجالية فوضوية لا ننال منها سوى الآلام والأحزان. ولهذا بقي الأعداء يذكروننا بهزائمنا المتكررة، ويطلبون منا الجلوس على طاولة المفاوضات لأنها قد تعطينا شيئاً نفتقده.

هذه معركة مختلفة. التضحيات عظيمة وكبيرة، والشهداء يتقاطرون، لكن الإصرار على الاستمرار في القتال واضح وجلي وهو عين الصواب. يدرك المجاهدون الآن أن التراخي والتراجع سيصيبنا بالوهن، وسيساهم في تراجع القضية الفلسطينية. بصورة خطيرة. شهداؤنا أعزاء علينا، والدم الفلسطيني عزيز، كما أن دموع الأطفال وأنات الأمهات تضرب في لب قلوبنا، ولهذا علينا أن نعض على الألم بالنواجذ عسى الله أن يأتينا بنصر مبين.

رابعاً: لأول مرة يتراجع الكلام الرنان والخطابات المفعمة بالشعارات الجوفاء لصالح إدارة رزينة وهادئة للمعركة. كانت كلماتنا دائما أكبر من حجمنا، وسيوفنا أطول من قاماتنا، أما الآن فالوضع مختلف تماماً، والقول للميدان وليس للخطباء على منابر الخشب.

المقاومة صامدة، وستبقى كذلك بإذن الله، وسيكون لصمودها ما يثلج صدور قوم مؤمنين.

الحقائق- لندن