رمز الخبر: ۱۰۲۲۹
تأريخ النشر: 13:42 - 05 February 2009
محمد كريشان

منظمة التحرير الفلسطينية بيت الجميع

عصر ایران - كل هذا الجدل الصاخب حاليا بين الفرقاء الفلسطينيين بكل عناوينه الرئيسية والفرعية كان يمكن أن يجري كله داخل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية لو كانت هذه المؤسسات تعمل حقيقة بكامل نبضها.

لقد عرفت الساحة الفلسطينية في السابق منعطفات ومشاحنات لا تقل ضراوة عما يجري حاليا، قطباها ما اصطلح على تسميته وقتها من قبل البعض ب(اليمين المفرط) و(اليسار الثوري)، الأول ممثل بالأساس بالزعيم الراحل ياسر عرفات و(فتح) ومؤيديها والثاني بفصائل الجبهتين الشعبية والديمقراطية وفصائل أخرى. لم يكن التصنيف وقتها قائما بين (الخط التفاوضي) أو (خط أوسلو) كما سمي بعد ۱۹۹۳ و(خط المقاومة) كما هي الحال اليوم لأن لا أحد في ذلك الحين كان بمقدوره اتهام (الختيار) أبو عمار بأنه غير مقاوم وهو الذي كان دائما بين مقاتليه في كل مواجهة عسكرية كبرت أو صغرت منذ .۱۹۶۴

تغيرت الأحوال اليوم، وصلنا للمرة الأولى إلى تصنيف من نوع آخر هو الأسوأ لأنه تقسيمي فصارت هناك (سلطة رام الله) مقابل (سلطة غزة). لم تعد (فتح) بفتح التي نعرف ولم يعد اليسار باليسار الذي عرفنا فقد صعدت قوى وتراجعت أخرى أو تلاشت تقريبا. بات التيار الإسلامي الفلسطيني حقيقة جديدة لا سبيل للآخرين إلى نكرانها أو محاولة تغييبها أو الالتفاف عليها تماما كما على هذا التيار التعايش مع غيره وعدم الاعتقاد بأنه الأوحد والأصوب والأصلح. في تاريخ منظمة التحرير من الصراعات بين مختلف التيارات ما يمكن له اليوم أن يتكرر تحت عناوين جديدة، لا ضير في ذلك أبدا طالما ظل الجميع يحتكمون إلى أدوات الحسم الديمقراطي وفن الوصول إلى تسويات يلتقي عليها الجميع لكنها لا ترضي أيا منهم بالكامل.

منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي حضرتُ كل اجتماعات المجلس الوطني الفلسطيني (البرلمان في المنفى) وهو الهيئة الأعلى في المنظمة وكم كان رائعا وممتعا أن تتابع خطبا سياسية كثيرة بتلوينات سياسية متعددة: من (فتح) كان ياسر عرفات التعبوي ولكن معه كان أيضا خالد الحسن (أبو السعيد) المنظر الواضح وصلاح خلف (أبو إياد) البراغماتي المفوّه. ومن فصائل اليسار المعارض كان الحكيم جورج حبش صاحب الطرح المبدئي النقي الذي جعله يسمى ب(ضمير الثورة الفلسطينية) وكان هناك أيضا نايف حواتمة وحديثه المسهب في كل التفاصيل. كان ممتعا كذلك تلك النقاشات الليلية المتأخرة التي لا تخلو من (قفشات) خفيفة الظل بين عرفات ومعارضيه. اختلفوا حول مسائل عديدة كالتحرير الكامل والحل المرحلي وإقامة الدولة والقرار ۲۴۲ وحرب المخيمات عام ۱۹۸۳ وخطة الرئيس الأمريكي ريغان للتسوية عام ۱۹۸۴ والاتفاق الفلسطيني الأردني العام نفسه وفكرة الكونفدرالية مع الأردن والعلاقة مع مصر كامب ديفيد وسورية حافظ الأسد والذهاب إلى مدريد والقائمة طويلة لكنهم في كل مرة كانوا يعودون إلى المنظمة بعد أن يكونوا قاطعوا لفترة مؤسساتها أو جمدوا عضويتهم في لجنتها التنفيذية.

ما الذي يمنع اليوم أن تكون المنظمة وعاء للجميع يتصارعون داخلها ويتفقون، وما الذي يمنع أن نتابع خطب قادة (فتح) و(حماس) و(الجهاد) وغيرها وهم يتجادلون عوض أن نراهم يفعلون ذلك على المنابر الإعلامية؟ وما الذي يحول فعليا دون تنفيذ اتفاق القاهرة الموقع في آذار (مارس) ۲۰۰۵ لتفعيل المنظمة وإعادة بنائها بما يستوعب المعطيات الجديدة على الأرض إذ لا يعقل أن تظل قوى فاعلة ومؤثرة كحركة (حماس) خارج هذا الوعاء الجامع وتبقى أخرى لم تعد تمثل شيئا كثيرا؟! وسواء كان السيد خالد مشعل في خطابه في الدوحة قصد فعلا الدعوة إلى إنشاء منظمة بديلة أم لا فإن التوضيحات المتعاقبة الصادرة لاحقا والنافية لأي نية من هذا القبيل لا يمكن سوى الترحيب بها فلا يعقل أن يتخلى المرء على محل مشهور في شارع رئيسي لبناء آخر جديد في طريق خلفي حتى وإن كان المحل يحتاج إلى إصلاح وترميم فالصبر على هكذا إصلاح أضمن وأنجع من أي خيار آخر.

إصلاح المنظمة بات أمرا ملحا للغاية فعلا فلا التهديد بغيرها معقول ولا التلكؤ في إصلاحها مفهوم.
القدس العربي - لندن