رمز الخبر: ۱۰۴۸۱
تأريخ النشر: 13:57 - 14 February 2009
أبو الفضل جليلي مخرج ايراني من مواليد عام 1957 في مدينة ساوة في اقليم "مركزي" ، يحمل في سجله السينمائي اخراج 15 فيلما من أهمها "ميلاد" ، "كال" فارغ أو ممتلئ"و"رقصة التراب" وقد حصل فيلمه الأخير "حافظ" على جائزة النقاد في مهرجان روما 2007.

حاوره في روتردام : محمد الأمين

أبو الفضل جليلي  مخرج ايراني  من مواليد عام 1957 في مدينة ساوة في اقليم "مركزي" ، يحمل في سجله السينمائي اخراج 15 فيلما من أهمها "ميلاد" ، "كال" فارغ أو ممتلئ"و"رقصة التراب" وقد حصل فيلمه الأخير "حافظ" على جائزة النقاد في مهرجان روما 2007.،

في فيلمه الاخير "حافظ" قدم  جليلي رؤيته السينمائية لموضوع العرفان الروحي ، ليس من منطلق كونه رافدا اساسيا في معظم الافلام التي انتجتها السينما الايرانية في العقود الثلاث الاخيرة فحسب ، وانما باعتباره مكونا ذا أهمية بالغة في سلوك وشخصية المواطن الايراني ، ففي هذا الفيلم يرصد جليلي شخصية حافظ الشاب(المريد وحافظ القرآن) الذي يقع في غرام ابنة شيخه من منظورين: الحالات الروحية التي تعتمل في أعماق حافظ ، وسلوكه وتصرفاته التي غالبا ما تكون مطبوعة ببصمة الحب .ومن هنا تأتي قصائد الشاعر الايراني الشهير حافظ الشيرازي وقد وظفها المخرج ببراعة وفنية عاليتين لتضيء الاشارة والإحالة التاريخية لأعظم شعراء الفرس حافظ الشيرازي

الجوائز المعتبرة وحضورك في أهم المهرجانات السينمائية الدولية ، ساهما في جذب اهتمام نقاد غير ايرانيين ، ففيما كتب ناقد ايطالي من أصل ايراني أن جليلي يسعى الى المحلية بعد ان حقق العالمية ، كتب الناقد الفرنسي المعروف جان ميشيل فرودون في مجلة كايه دو سينما :" ينجز جليلي افلاما ينقل فيها ابطاله من قلب العتمة الى فضاء نيّر ".

يسعدني أن استمع لهذين الاستشهادين في آن واحد  ، فأغلب أفلامي أنجزتها في ايران ، والمحلية هي أن تكون في المكان الذي تريد أن تكون فيه أو العالم الذي تشعر بانتماء حقيقي اليه ، لا أستطيع أن أقول أنني أسعى الى المحلية ، فسعي كهذا يستدعي وضع خطط وبرنامج ، وهذا ما أرفضه بقوة فأنا أتبع مشاعري وأحاسيسي وأحب التعامل مع أناس يستجيبون لعواطفهم ومشاعرهم ، لذا فانا أعيش جانبا من المحلية في علاقتي مع فريق العمل ومع الناس القريبين من أجواء الفيلم ، في فيلم رقصة التراب ، سافرت الى مناطق مختلفة في شمال وشرق وجنوب وغرب البلاد، بحثا عن  الأرض التي تغمرني بفيض من الشعور والعاطفة ، فعثرت على غربة الأرض وعزلة التراب ، وقد وقع اختياري على منطقة شبه مهجورة بالقرب من مدينة زنجان تضم مصانع وأفران الطابوق ، طلبت من فريق العمل أن يساعدني على تشييد جدار ، وساعدنا على ذلك  عمال المصانع المجاورة الذين سألوا مرات عديدة  عن القصد من تشييد جدار في مساحة شاسعة ، كنت سعيدا بمكان يجتمع فيه فريق العمل ، حينما تنوي ان تنجز فيلما متمحورا حول المشاعر والعواطف فلابد من ان تشيد مكانا تستظل فيه مشاعرك ومشاعر العاملين معك  ، انها مهمة شاقة ان تجعل مشاعرك متأهبة  للتحليق على الدوام ، حينما باشرنا العمل قالت لي إمرأة مسنة من أهالي المنطقة  كانوا يسمونها عمه سلطانه ، أنت من أولئك الناس الذي يطلون الكناري بالالوان ويبيعونه على اعتباره "فوكس واغن" وهو مثل شائع في ايران يطلق على اولئك الماهرين في الحيلة والخداع ، كانت تعتقد أننا نقوم بتصوير المنطقة فوتوغرافيا وخلق مناظر جذابة خادعة في منطقة لاترى فيها سوى التراب .

أثناء تصوير فيلم حافظ ، وافق  عدد من رجال دين متشددين لتعليم بطل الفيلم تلاوة القرأن على الرغم من اختلافهم المذهبي معه ، وبعد أيام لاحظت أنهم كانوا في غاية القلق عليه  حينما تأخر لساعات في المجئ الى موعد مقرر .

ودعاني أقول أن  المحلية تعني بالنسبة لي حضور مقام الشعور .
 
من هذا التصور يمكن أن نتفهم غياب تقنية الفلاش باك أو الأحالة الى الماضي في  أفلامك ؟

لايمكن الغاء ذاكرة الفرد ، والحاضر يتضمن تأثيرات كثيرة منها ، يمكن قراءة أثر الماضي في حاضر الأشخاص ، حينما تبلغ شخصيات الفيلم منبع النور بعد رحلة شاقة ، فذلك لايروق لراسمي طريق الخلاص ، لا أسعى الى تعيين سمات عامة وأنصب اشارات تؤدي الى طرق خلاص وهمية ، مع ذلك فأنا لن أتنازل على أن العاطفة  والمشاعر الصادقة يشكلان أهم عنصر في إضاءة الطريق السالكة بين الأعماق والآفاق .
 
في فيلم حافظ كما في أفلام سابقة لك ، نادرا ما نلاحظ شخصيات الفيلم في حالة استقرار وسكون ، انهم في حراك دائما بحثا عن ضالة ما ؟

شخصيات افلامي تمثلني ، انها تعكس قلقي في البحث عن ضالتي.
 
وهذا مايدفع للقول أن تباشر الاخراج من دون فكرة مسبقة ، خصوصا وأنك ذكرت أن الاخراج يمثل بالنسبة لك عملية بحث تؤدي الى حالات كشف وشهود .

ربما، ،فالبعد المعنوي والحالات الروحية التي  هيمنت عليّ في فيلم رقصة التراب ، كانت استثنائية في عملي في مجال الاخراج خصوصا أثناء تصوير شخصيات الفيلم ، فمالك افران الآجر كان يضع القرآن على صدره ويدعو ان لاتهطل الأمطار اذ أنها ستبدد ثروته ، فيما كان هناك شاب شاب يرقص فوق  لبنات الآجر كي يحفز المطر على الهطول أملا في أن يساهم ذلك في التخفيف من ارتفاع حرارة جسم ابنته التي أصابتها حمى خطيرة ، ، هذه المشاهد تركت فيّ أثرا معنويا  قويا لم يتكرر معي  في فيلم حافظ  كثيرا .

اذا لاتشكّل التقنية عنصرا مهما في منجزك السينمائي ؟
 
مهما طورت من الجانب التقني في عملية الاخراج فلابد من رسالة او مضمون .اذا يتعيّن عليك أن تهجرها بعد أن تكون قد نشرتها على حبل الغسيل .

لكن حركة الكاميرا في فيلمك الاخير تكشف عن اهتمام كبير  بالجانب التقني ؟

ما يهمني هو جمالية اللقطة وليس الجانب التقني ، واعتقد ان الجمالية تخدم مضمون ورسالة الفيلم . في فيلمي الأول "ميلاد" كانت افادتي من تقنيات السينما الاميركية كبيرة ، من بعد ذلك اتجهت الى البساطة  والعفوية . من الصعب عليّ أن أكمل مشاهدة الافلام التي  تهتم باستعراض الجوانب التقنية ، ولهذا السبب أرجح توظيف  أصوات شخصيات الفيلم على توظيف الموسيقى التصويرية.
 
ألا تعتقد أنك قد فرضت عنصرا غريبا على بيئة محلية شبه مغلقة من خلال حضور الممثلة اليابانية كوميكو آسو في دور أساسي في الفيلم، خصوصا وأن اختلافها في الشكل وأداء الكلمات كان في غاية الاختلاف ؟

هناك عدة أسباب يجعل حضورها طبيعيا ، سواء من الناحية التاريخية ،اذ حظيت نساء منطقة ما وراء النهر او جمهوريات اسيا الوسطى حاليا بمكانة في الغزل الكلاسيكي الفارسي  ، ولحافظ  الشيرازي أكثر من غزل في هذا المجال ، من ناحية اخرى  تؤدي كوميكو آسو دور بنت مفتي احدى الجماعات الدينية المتشددة ، وقد ولدت من زواجه من إمرأة في منطقة التبت ، وتعدد الزوجات هو في الحقيقة أمر مألوف بين زعماء هذه الجماعات الدينية . وفي كل الأحوال لابد أن يكون المعشوق مميزا . مع فيلم حافظ  أجد نفسي مضطرا لذكر جملة او جملتين قبل بداية عرض الفيلم

، هنا في روتردام أحببت أن أشير الى أن الحب الحقيقي يفرض على العاشق أن يتخلى عن معشوقه أن طلب منه ذلك ، ولو أننا تذكرنا مرآة الحقيقة التي سقطت على الأرض وتحولت الى شظايا صغيرة كل من مسك بقطعة منها ظن أنه رآى الحقيقة كاملة ، وحده العاشق يرى صورة المعشوق في المرىة ، ولنا ان نتخيل ذلك الايثار العظيم الذي يدعو محمد شمس الدين حافظ  الى التخلي عن معشوقته  رغم كل العذاب الذي لاقاه من أجل الوصول اليها ، مشاعر الحب هي ما نملكه وليس المعشوق .