رمز الخبر: ۱۰۸۷۴
تأريخ النشر: 11:10 - 01 March 2009
ان الحادث المؤلم المتمثل في مهاجمة اعضاء هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر للشيعة في المدينة المنورة يشكل جزءا من سيناريو المتطرفين الوهابيين لمواجهة الاصلاحات في السعودية.

عصر ايران – 1- ان هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر السعودية تعد احد اكثر التيارات السياسية – الدينية نفوذا وقوة في هذا البلد وكانت خلال الاعوام الاخيرة خاضعة بشدة لهيمنة الفكر الوهابي المتطرف بحيث ان قسما كبيرا من الاستياء العام لدى الشعب السعودي لاسيما الشبان السعوديين – الذين يشكلون ثلاثة ارباع السكان – ناتج عن الاداء المتطرف لهذه الهيئة.

وقد اقدم ملك السعودية اخيرا وفي خطوة غير مسبوقة على اقالة العديد من كبار المدراء في هذا البلد واحد اهمهم رئيس هذه الهيئة بحيث اصبح الشيخ عبد العزيز الحمي الرئيس الجديد لها.

ويعد الحمي ومقارنة بسلفه الشيخ ابراهيم بن عبد الله الغيث ، شخصية اصلاحية ومعتدلة ولهذا السبب فان الوهابيين المتطرفين غير مرتاحين من توليه اكبر منصب في تنظيم يمنحهم القوة السياسية ولذلك فانهم يحاولون من خلال ممارسة نفوذهم في المناصب الوسطى والدنيا في هذه الهيئة ، استعراض عضلاتهم وعدم السماح بتعديل واصلاح الممارسات المتطرفة لهذه الهيئة.

ان الحادث المؤلم المتمثل في مهاجمة اعضاء هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر للشيعة في المدينة المنورة يشكل جزءا من سيناريو المتطرفين الوهابيين لمواجهة الاصلاحات في السعودية.

ان حادث المدينة شكل في الحقيقة وسيله لهم لاستعراض العضلات وليعلنوا من خلاله انهم "مازالوا يفعلون ما يشاؤون".

2- ان الشيعة في السعودية يشكلون في الوقت الحاضر نحو 15 بالمائة من مجمل السكان في هذا البلد. ويهم يعيشون بشكل رئيسي في المحافظة الشرقية وفي مدينتي القطيف والاحساء رغم ان هناك جموعا من الشيعة تعيش في مناطق اخرى كاقلية.

ان المتطرفين الوهابيين بصدد تقديم الشيعة السعوديين لا على انهم مواطنون سعوديون بل "عملاء ايران" وبالتالي تكثيف الضغوطات عليهم من هذا المنطلق وبواسطة هذا التبرير الامني.

وقد وضعوا هذه القضية على جدول اعمالهم بصورة اكثر جدية عندما اقدمت الحكومة السعودية منذ العام الماضي على تقليص القيود المفروضة على الشيعة ورفعت العراقيل التي كانت تعترض توليهم مناصب حكومية غير رئيسية. ورغم ان هذا الامر لم يطبق على ارض الواقع وبقي في مستوى اطلاق الشعارات ، لكن ان تكون الحكومة السعودية تطرقت الى هذا المقولة ولو بمستوى الكلام يعد تقدما ملفتا في الهيكلية غير المرنة للحكومة السعودية.

3- ان الحادث المتمثل في مهاجمة عناصر هيئية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر السعودية ، للشيعة في المدينة المنورة رغم انه من صنع هذه الهيئة وليس مهمة حكومية ، لكن بما ان هذه المؤسسة ، حكومية ويتم تعيين رئيسها من قبل ملك السعودية ، لا يقلل من المسؤولية التي تقع على عاتق الحكومة السعودية ، لان جمعا من الزوار الابرياء الذين جاؤوا للزيارة والدعاء الى مدينة الرسول تعرضوا لهجوم عنيف نفذته هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ، في مقابل هذا الحادث المؤلم ما هو رد الفعل الذي كان يجب ان يصدر من جانب ايران. طبيعي ان المؤسسات الدينية ومراجع الدين يجب ان يتخذوا موقفا ، لا لكونهم ينطلقون من الموقع الايراني بل لانهم يتحدثون في اطار دعم اخوانهم في الدين، الامر الذي حدث وان العديد من مراجع الدين اصدروا بيانات في دعم الشيعة السعوديين والتنديد بمهاجمتهم والتعرض لهم بالاذى من قبل السعوديين.

الا ان الحكومة وابعد من ذلك الدولة في ايران كان يجب ان تتخذ موقفا اخرا تجاه هذا الحادث. ان المتطرفين الوهابيين كانوا يتوقعون ان تتخذ الحكومة الايرانية موقفا "من العيار الثقيل" تجاه هذا الامر كما فعلت في قضية غزة عندما اعلنت دعمها بشكل واسع النطاق لاهالي غزة وحتى انها تحدثت عن تزويد الفلسطينيين بالسلاح ، لكي يستطيع الوهابيون المتطرفون التاكيد من خلال هذا الامر على ان الشيعة في السعودية هم "عملاء لايران" وان يحولوا اشتباكا بين عدد من الزوار الشيعة مع عناصر سعودية في المدينة المنورة الى قضية كبرى ترتبط "بالامن القومي السعودي".

وعلي الرغم من ان ثمة مجموعات ارادت من خلال طرح شعار دعم الشيعة ، ايجاد هكذا اجواء لكن يبدو ان الحكومة الايرانية اتخذت موقفا اكثر منطقية تجاه هذه القضية تمثل في تولي مراجع الدين ووسائل الاعلام غير الحكومية مهمة التنديد بهذا الاجراء السعودي غير الصحيح والتصدي له.

ونتيجة هذا التكتيك كانت ايجابية بالنسبة للشيعة السعوديين بحيث تم الافراج عن المعتقلين منهم في حين انه لو كانت الحكومة الايرانية قد تدخلت بشكل مباشر وكانت تتخذ موقفا متشددا لما كان يتم الافراج عن المعتقلين وكان عليهم الرد على هذه التهمة ، وهي : ما هي المهمة التي كان يجب ان ينفذوها بالنيابة عن ايران؟!

وطبيعي ان الدفاع السئ واثارة الضجيج يكون في اغلب الاحوال لصالح الطرف الاخر لا لمصلحة الطرف الذي يتم الدفاع عنه. ان سياسة ايران قبال حادث المدينة المنورة كان يمكن ان تؤدي الى تكثيف الضغوط على الشيعة السعوديين المظلومين ، لكن لحسن الحظ لم يحدث هذا الشئ.

واضافة الى ذلك فان اضفاء طابع ايراني على حادث المدينة المنورة كان يمكن ان يصبح اداة ضغط بيد الوهابيين المتطرفين للتغطية على الاصلاحات في هذا البلد حتى وان كانت ضئيلة.

ان تجربة الاصلاحات في بلدان العالم الثالث تظهر بان احدى ادوات التيارات المعارضة لهذه الاصلاحات تتمثل في "ربط الظواهر الداخلية بالخارج" ، لان هذه التهمة لا يمكن اثباتها في مطلق الاحوال ولا توفر فرصة لرفضها ، وهذا الامر يشكل بحد ذاته فرصة لنسف الاصلاحات وربطها بالامن القومي وتدخل الاجانب وقضايا اخرى من هذا القبيل.

وبلا شك فان اللوبيات الوهابية في السعودية ومن اجل افشال الاصلاحات الهشة في السعودية واضفاء الطابع الامني على موضوع "الشيعة" في هذا البلد ، كانت ستكون مرتاحة للغاية لو تدخلت ايران رسميا وان تتخذ موقفا عن طريق المتحدث باسم الحكومة او الخارجية ، وعندها كانت ستتخد من هذه القضية ذريعة ، لكن السياسة الايرانية المعلنة لم تكن هكذا لحد الان لان ثمة طرقا واساليب افضل واكثر تاثيرا لدعم الشيعة في السعودية.