رمز الخبر: ۱۰۹۵۹
تأريخ النشر: 15:18 - 02 March 2009
سليمان تقي الدين

العدالة في جمهورية الخوف!

عصر ایران - لن تقوم دولة القانون في بلادنا ما لم يتم إخراج السلطة القضائية بجميع مؤسساتها من التجاذبات السياسية. ملء الشواغر وتحريك عجلة بعض الهيئات لا يكفي من أجل استعادة الثقة بمرفق العدالة بعد كل ما أحاط به من شبهات. السلطة القضائية يجب أن يكون لها مرجعية وحيدة هي القواعد والمعايير القانونية. إن المحاصصة السياسية والطائفية تنزع عن هذه السلطة الشرعية التي تعطيها حق الفصل في ما يتعلق بحقوق الناس وحرياتهم وكذلك بحياتهم. ثمة شكوك واسعة بكل إجراءات العدالة وقراراتها في المرحلة السابقة التي سادت فيها الاستنسابية السياسية والتدخل المكشوف.


لن يفيد أي فريق سياسي تركيز الانطباع بوضع يده على هذه الهيئة أو تلك. المجلس الدستوري يتعاطى بقضايا وطنية تتعلق بصحة التشريعات وصحة العمليات الانتخابية. خبرنا نتيجة استتباع هذا المجلس، وحين عجز عن بت الطعون النيابية وقعنا في مشكلة عدم الاعتراف بشرعية بعض النواب وبالتالي المجلس النيابي.

التشكيلات القضائية متوقفة منذ ثلاث سنوات لأن خارطة توزيع النفوذ لا توافق المرجعيات السياسية. هذه العدالة صار الاعتراض عليها في الشارع عبر التجمعات والتظاهرات وقطع الطرق هو الدليل على شحوب صورتها وفقدان هيبتها ومصداقيتها. قريباً سيصبح رد القضاة وطلب تنحيهم عن الملفات لأسباب طائفية ومذهبية قاعدة مقبولة.

العدالة أبهى بكثير من أن تظل صامتة تجاه أسئلة الرأي العام حول تشعبات وتفرعات قضية اغتيال الشهيد رفيق الحريري. دستور لبنان يعطف في مقدمته على ميثاق حقوق الإنسان الذي يلزم القضاء بتوجيه (التهمة) إلى الموقوف في أسرع وقت ممكن. فكيف يجوز توقيف الناس لسنوات دون توجيه تهمة محددة لهم؟! على طبيعة التهمة تترتب مدة التوقيف القانونية الاحتياطية على ذمة التحقيق. ثم كيف لنا أن نفسر إخلاء السبيل المفاجئ لبعض الموقوفين بدون أي تعليل؟ إن قرار التوقيف يجب أن يكون معللاً وكذلك قرار التخلية. حين تختلط العدالة بالسياسة إلى هذا الحد، نكون قد غادرنا موقعنا كدولة قانون. وزارة الخارجية الأميركية نفسها أشارت في تقريرها السنوي عن حقوق الإنسان إلى أوضاع (النظام القضائي اللبناني) برمته، معددة الانتهاكات المتعلقة بالتعذيب والمماطلة وأوضاع السجون والتدخل السياسي والتعدي على الخصوصية والحريات الأخرى.

لقد انشغلت لجنة الإدارة والعدل النيابية في تعديل قانون أصول محاكمة الرؤساء والوزراء بصراحة ووضوح من أجل تحصينهم ضد المساءلة والمحاسبة القضائية. أرادت حسم الجدل حول مرجعية الملاحقة لكي لا يتورع أحد عن تحريك ملفات الفساد السياسي الممهور بالجرائم المذكورة في قانون العقوبات. علماً أن تاريخ هذه المسألة يؤكد أن (الحصانة) كانت فولاذية بغياب المحاسبة السياسية بدرع الطائفية وغياب المحاسبة القضائية بدرع تطويع القضاء وشل يده. لقد صرنا في جمهورية شعبية فاقدة الأركان والحدود، وصار الشارع السياسي المذهبي يملي إرادته أينما كان، وصارت العدالة خجولة بل خائفة ومحاصرة ولا تقوى إلا على الفقراء والمستضعفين وصح فيها المثل العربي: شرُّ الحكّام من لا بطشه يُخشى ولا عدله يُرتجى.