رمز الخبر: ۱۲۱۵۴
تأريخ النشر: 08:58 - 20 April 2009
ومن اجل فهم ارتياح الصهاينة للعبة التي اعتمدها مبارك ضد المقاومة يكفي القاء نظرة خاطفة على ما تورده وسائل الاعلام الاسرائيلية. فخلال الاسبوعين الاخيرين لم تغب هذه القضية عن صدارة الاخبار والتعليقات التي تبثها وسائل الاعلام هذه.
عصر ايران ، محمد بخشندة – عندما يتم الحديث عن العوامل الكامنة خلف كواليس الحرب السياسية التي يخوضها الساسة المصريون مع حركة المقاومة ، فان جميع الانظار تتجه تلقائيا نحو تل ابيب كما ان جميع المحللين يطرحون حينها هذه النظرية من ان سيناريو مثل هذه الحروب غير الميمونة يجري تصميمها خلال اللقاءات المنتظمة بين الدبلوماسيين الاسرائيليين والمسؤولين المصريين.

ان هذه التكهنات ليست ببعيدة عن الحقيقة ، لان المسافة الطويلة بين تل ابيب والقاهرة قد ازيلت منذ فترة طويلة وان العلاقات السياسية بين مصر مبارك مع الجانب الصهيوني هي متينة بمكان حتى انه في عهد اكثر التيارات السياسية تطرفا في تل ابيب وفيما ضغط القادة العرب على دواسة مكابح قطار التسوية ، فان مبارك وجه دعوة رسمية الى رئيس وزراء اسرائيل الجديد ووزير خارجيته المتطرف.

والطريف ان بدء حرب المصريين مع حزب الله تزامن مع تولي المتطرفين السلطة في تل ابيب ولذلك راى بعض المفكرين العرب بان حسني مبارك قدم من خلال هذا العمل هدية خاصة لجيرانه الصهاينة. لانه في الوضع الحالي اي شئ لا يستطيع تهدئة القلق الامني لتل ابيب بقدر الصراع بين الحكومات العربية مع حركات المقاومة فما بالك اذا كانت حربة هذا النزاع موجهة ضد الحركة التقدمية للمقاومة التي اذلت الجيش الاسرائيلي واذاقته مر الهزيمة.

ومن اجل فهم ارتياح الصهاينة للعبة التي اعتمدها مبارك ضد المقاومة يكفي القاء نظرة خاطفة على ما تورده وسائل الاعلام الاسرائيلية. فخلال الاسبوعين الاخيرين لم تغب هذه القضية عن صدارة الاخبار والتعليقات التي تبثها وسائل الاعلام هذه.

لكن الحديث لا يقتصر على صدى مثل هذا النزاع في الاراضي المحتلة ، لان الحرب السياسية لمبارك ضد المقاومة قد تجاوزت الان حدود الصراع المرحلي والتكتيكي ، ودخلت عناصر جديدة في القضية ربما لم تكن محسوسة في بداية الحدث.

وكانت النيابة العسكرية المصرية الخاضعة للاستخبارات المصرية قد بدأت مشروع هذه الحرب النفسية ضد حزب الله ، وان مجمل هذا المشروع الذي اثيرت الضجة حوله يتلخص في اعتقال احد اعضاء حزب الله الذي لم تكن التهمة الموجهة له سوى ارسال السلاح للمناضلين الفلسطينيين ، وفي المرحلة اللاحقة دخلت وزارة الخارجية ووسائل الاعلام المصريين على خط الحملات الاعلامية ضد المقاومة اللبنانية والفلسطينية.

لكن المرحلة الحديثة من هذا الصراع ليست بيد ضباط استخبارات مبارك بل هي بيد الامراء السعوديين. ان جميع وسائل الاعلام السعودية مليئة اليوم بموضوعات تتعرض بصورة مشينة وسافرة لحركات المقاومة. فقد اقحمت صحيفة الشرق الاوسط وقناة العربية اللتان تعدان المنبرين الرئيسيين للسعوديين ، معظم كتابهما في هذه اللعبة.

اما بعض وسائل الاعلام المصرية وبعد الانذار الذي وجهه المفكران العربيان الشهيران فهمي هويدي ومحمد حسنين هيكل ، انسحبت من المضمار لكن كلتي الوسيلتين الاعلاميتين السعوديتين الانفتي الذكر ذهبتا الى ابعد من ذلك وفتحتا تحت هذه الذريعة الملف القديم المتعلق بالخلاف بين الشيعة والسنة وايران والعرب.

والطريف انه حتى في ذروة المواجهة بين المفاوضين العرب ومبعوث اوباما مع الحكومة الاسرائيلية المتطرفة ، بادر رئيس التحرير وصاحب الامتياز وكتاب الاعمدة في الشرق الاوسط الى اثارة التهم والسباب السياسي ضد الشيعة والمقاومة اللبنانية وايران. وحقا ما هو الفرق بين "العربية" السعودية و "معاريف" الصهيونية اللتين كرستا جهدهما لتقويض المقاومة ، فمعاريف تتحدث عن تفوق اليهود على العرب والعربية تزعم تفوق السلفيين على جميع المذاهب والفرق الاسلامية.

وفي هذا الاصطفاف الذي تبلور الان ضد ايران والتشيع والمقاومة في الرياض والقاهرة فانه ليس هناك افضل من اطلاق مفردة الرجعية العربية عليه. وربما ان الدبلوماسيين المصريين الذين اشعلوا بداية فتيل هذه اللعبة المقيتة ، لم يكونوا يتوقعون ان تصل الامور الى هذا المستوى. وواضح تماما ان خلاف الساسة المصريين مع حركة المقاومة اللبنانية وكما اوضح السيد حسن نصر الله ، يتمركز حول مواقف مبارك تجاه كارثة غزة الا ان تعارض السعوديين مع هذه الحركة له جذور اعمق ويكمن اساسا في هزيمة التيارات المنضوية تحت حماية الرياض في بيروت وبغداد والمناطق الاخرى من الشرق الاوسط.

ان شعور الامراء السعوديين بالفشل والهزيمة ، دفعهم منذ مدة الى فتح جبهة التوتر مع حركات المقاومة خلال الازمات الثلاث في الشرق الاوسط. وفي هذا الاطار يمكن تقييم الهوة بين الرياض ودمشق او الرياض وكل من بغداد وبيروت وطهران. ان الامراء السعوديين يعتقدون انهم تخلفوا خلال ازمات العراق وفلسطين ولبنان عن منافسيهم العرب وغير العرب. ان التكتيكات الانتقامية التي اتخذتها الرياض لارباك اللعبة في بيروت نابعة من هذا الاعتقاد.

ويرى المراقبون ان الرياض لا تعلق اي امل على الاحزاب المنضوية تحت حمايتها في المواجة التي بدات عشية الانتخابات النيابية المهمة في لبنان. ان الامراء السعوديين يرون ان فوز تيار المقاومة في هذا الانتخابات حتمي ومؤكد ولذلك فانهم سيستخدمون جميع الفرص والامكانات لارباك التنافس السياسي في لبنان وتشويه صورة المقاومة.