رمز الخبر: ۱۳۰۴۶
تأريخ النشر: 10:35 - 18 May 2009
محمد صادق الحسيني
عندما تصبح 'فلسطين اولا' هي العدو!
 
 
عصرایران - القدس العربی - اعرف جيدا بان الرئيس المصري محمد حسني مبارك لا يطيق سماع اسم الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد ولا سياساته الموصوفة غربيا واسرائيليا بالمتشددة والارهابية، لسبب بسيط جدا هو انني سمعت ذلك منه شخصيا وقد كررها اكثر من مرة خلال لقائه احد كبار المسؤولين الايرانيين الموصوف بالمعتدل، مؤكدا في حينها بضرورة 'اسكات الرجل لانه يذكره بزمن جمال عبد الناصر المنقضي زمانه' والتعبير للرئيس مبارك.
 
لكن ما لا يمكن لعاقل ان يستسيغه هو ان يعلن الرئيس مبارك قبل ايام في تصريحات لافتة له للتلفزيون الاسرائيلي بان ' الاجندة الايرانية انما هي السيطرة على المنطقة' واضعا هذا الكلام في سياق قضية مساعي حزب الله اللبناني لايصال المساعدات اللوجستية والتي من بينها السلاح الى المقاومين في قطاع غزة مؤكدا اتفاق وجهة نظره مع وجهة نظر مندوب المؤسسة الاسرائيلية في اتهام الحزب اللبناني بانه يقوم بذلك لصالح المشروع الايراني وان الحزب انما يريد بذلك جرنا الى الحرب، وعند هذه النقطة بالذات قد نفهم سر كل ذلك الضجيج الذي احيط بقضية خلية حزب الله اللبناني توقيتا وشكلا ومضمونا !

فالحكم الاسلامي الايراني الحالي وفي عهد احمدي نجاد بالذات متهم اكثر ما هو متهم فيه من قبل القوميين الايرانيين المتطرفين بانه ليس سوى 'لوبي عربي' داخل المجتمع والدولة الايرانيين قام عمليا باختطاف القرار الايراني، عندما جعل من اولى اولوياته مساعدة الفلسطينيين في برنامجهم التحرري من اجل العودة وحق تقرير المصير.

وحزب الله اللبناني متهم اكثر ما هو متهم فيه من قبل جماعة لبنان اولا من الانعزاليين اللبنانيين بانه حزب عروبي تحرري يسعى لتقديم اقصى المساعدة والاسناد للمقاومين الفلسطينيين من اجل التحرير والعودة اكثر مما هو مناضل من اجل القضايا اللبنانية الداخلية المطلبية.

فاذا كان الرئيس المصري وكل من يوافقه الرأي من المصريين معتقدين بان ايران وحزب الله يسعيان بجد ومثابرة من اجل ايصال المساعدات والاسناد الى اخوانهم الفلسطينيين باي شكل من الاشكال وانهما لن يتخليا عن اخوانهم في الدين والانسانية تحت كل الظروف ومهما كانت النتيجة فهذا الاعتقاد صحيح. اما اذا كان الجانب المصري متخوفا وقلقا من ان تفضي هذه السياسات الايرانية واللبنانية الى تدخل ايراني او لبناني في الشأن الداخلي المصري كما نمي الى سمعنا من اكثر من جهة مصرية سواء بخصوص الموقف من التوريث او من الاخوان المسلمين او اية جماعة معارضة اخرى، فهذا الاعتقاد خاطئ تماما اذ لا احد في طهران او لبنان مهتما بالوريث السياسي للرئيس محمد حسني مبارك سواء كان اسمه جمال مبارك او احمد فؤاد الاول او اي ضابط او زعيم مدني مصري.

ذلك ان ما يقلق الايرانيين واللبنانيين من جنس احمدي نجاد او جنس نصر الله ويدفعهم للحركة والفعل بهذا الاتجاه او ذاك ليس اسم الرئيس او الحاكم هنا اوهناك ولا نوعه ان كان ملكيا وراثيا او جمهوريا ابويا بقدر ما يقلقهم وضع اخوانهم الفلسطينيين الذين هم امانة شرعية في اعناق كل مسلم او مسيحي متدين حر شريف في هذا العالم العربي والاسلامي الممتد من طنجة الى جاكارتا !

وفي هذا السياق فقد كان اكثر ما اقلقنا مثلا في الايام الاخيرة من اخبار مصر التي نعشقها ونعشق اهلها هو الخبران المحزنان اللذان اعلنت عنهما السلطات المصرية.

الاول القاضي باحراق نحو 200 طن من الدقيق والارز من المساعدات الاخوية التي تبرع بها اخواننا العرب والتي تركت لاشهر عديدة في المخازن السلطوية في العريش لتفسد ومن ثم لتذهب الى النفايات بدل ان تصل الى اخوانهم المحاصرين في غزة هاشم الابية !

والثاني القاضي بتخصيص 50 مليون دولار من اموال المنحة التي تقدمها الولايات المتحدة لمصر من اجل مراقبة الحدود الفلسطينية المصرية ومنع تهريب البضائع بكافة اشكالها والقضاء على اية انفاق !

فهل بعد ذلك يصبح معقولا يا فخامة الرئيس ان تطلب من سماحة الامين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله ان يستأذن عندما يريد ارسال الاسلحة الى اخوانه الفلسطينيين عبر الاراضي المصرية كما ورد في مقابلتكم الملفتة للتلفزيون الاسرائيلي في توقيتها وشكلها ومضمونها مرة اخرى؟!

السؤال نفسه مطروح على كل وطني مصري غيور يرى ما يراه فخامة الرئيس !

من جهة اخرى فان ما يلفت الانتباه فعلا ويثير الشكوك كثيرا في هذه الايام هو هذا التاكيد والتكرار الامريكي الاسرائيلي على ان ما يسمعونه من الحكام العرب لا سيما دول معسكر الاعتدال هو الحديث المتنامي لديهم عن الخطر الايراني الاستراتيجي، وتضاؤل الحديث عن الخطر الاسرائيلي ! حتى ان مساعد وزيرة الخارجية الامريكية جيفري فيلتمان ذهب في مرافعته التي قدمها لاخذ الثقة من الكونغرس الى ابعد من ذلك عندما ذهب الى القول بان ثمة تحولا دراماتيكيا يحصل حاليا في العالم العربي حيث بدأنا نسمع الكثير عن الخطر الايراني فيما بدأ يتلاشى الكلام الذي كنا نسمعه قبل خمس سنوات عن الصراع العربي الاسرائيلي !

واذا ما اضفنا الى تلك الانباء سلاسة استقبال وقبول واستضافة نتنياهو في عاصمتين من عواصم دول الطوق وهما القاهرة وعمان ومن ثم خروجه على الملأ من بعد الزيارتين وهو يتحدث عن توافق وتحالف غير مسبوق بينه وبين الحكام العرب تجاه الخطر الايراني الاستراتيجي، فاننا عند ذلك سنكتشف بالضبط سر التشويش الشديد الذي رافق مسرحية الاعلان عن خلية سامي شهاب اللبنانية، وكذلك التشويه المنظم لتصريحات ايران وسياساتها النووية السلمية المعلنة لاسيما تلك المترافقة مع اسم احمدي نجاد ذلك ان الظاهرتين تصبان فعلا في سياق واحد الا وهو 'فلسطين اولا' وكما يقول المثل العربي الشهير اذا عرف السبب بطل العجب !

لكن المصيبة الاعظم هي عندما يقع بعض المحسوبين على التيار القومي العروبي من المصريين من جماعة مصر اولا، في فخ هيلاري كلينتون وهي تتحدث عن تنازلات متبادلة بين العرب والاسرائيليين تحت ضغط امريكي متوقع يقدم مكسبا ما موعودا في المجال الفلسطيني مقابل التحالف ضد الخطر الايراني الموهوم فيصفون ذلك 'بالصيغة السحرية' التي قد تكون مخرجا لحالة العرب الضعيفة والمتراجعة وهو ما يفترض ان يعلن عنه الرئيس الامريكي اوباما من القاهرة في اطار تعميم المبادرة العربية لتشمل التطبيع مع العالم الاسلامي كله هذه المرة كما يروج العاهل الاردني متحمسا وهو يتنقل بين العواصم المختلفة!

نقول لهؤلاء كما قلنا ونقول لامثالهم من المنبهرين والموهومين بامريكا قبل اوباما او بعد اوباما من القوميين الايرانيين واللبنانيين من جماعة ايران اولا ولبنان اولا : اما تعلمتم من دروس التاريخ وعبر الزمان بان الامريكيين لن يقدموا احدا على اسرائيل ايا كان ومهما قدم من خدمات او تنازلات ومهما جنح للسلم او للحوار، لان القوى العظمى لا تخضع الا لمنطق الغلبة للاقوى ومنطق النصر بالرعب وتوازن الردع وانه تاليا 'لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين' كما جاء في الحديث الشريف؟ !