رمز الخبر: ۱۳۷۷۷
تأريخ النشر: 10:17 - 01 July 2009
عصرایران - من الملاحظ أن الطلب الأميركي بتجميد البناء الاستيطاني في الأراضي المحتلة لم تلتزم به إسرائيل من ناحية ولم تعلن قبولها له من ناحية أخرى بل إن المناقشات التي أجرتها مع إدارة أوباما حوله استغرقت زمناً زاد على الشهرين حتى الآن، وفي النهاية قررت إسرائيل إرسال إيهود باراك ووزير الدفاع الإسرائيلي ويتسحاق مونحو المستشار الخاص لرئيس الحكومة نتنياهو لشؤون الضفة الغربية إلى نيويورك للاجتماع بالمبعوث الأميركي للعملية السلمية جورج ميتشيل من أجل التوصل إلى حل وسط في ظل توقعات إسرائيلية تشير إلى إمكانية خضوع إدارة أوباما للحل الإسرائيلي الذي يرفض تجميد البناء الاستيطاني. فمنذ أسابيع كثيرة أرسلت إسرائيل عدداً من الوزراء والمستشارين إلى واشنطن في محاولة للتأثير في القرار الأميركي الذي يطالب نتنياهو بتجميد الاستيطان ولو لفترة توفر للعرب نوعاً من بناء الثقة وتوفر لواشنطن جزءاً من مصداقية تجعلها تطلب من الدول العربية المتحالفة معها إبداء إجراءات بناء ثقة مقابلة.

وفي هذا الاتجاه ذكرت صحيفة جروزليم بوست الإسرائيلية أن زالمان شوفال السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن وأحد قادة الليكود الذي أصبح الآن مستشاراً لنتنياهو في الخارج زار واشنطن في الأسبوع الماضي وعاد إلى إسرائيل ليعلن أن إدارة أوباما تريد البحث عن طريقة تخرجها من «المأزق الذي ولدته لنفسها مع إسرائيل حين طالبت بتجميد البناء الاستيطاني». وقال شوفال للصحيفة إنه أصبح من الواضح أكثر فأكثر وجود رغبة أميركية تتفهم البناء الاستيطاني وإن هذا التفاهم كان في عهد شارون.

وليس صحيحاً أنه لم يكن موجوداً ولم تطلع عليه إدارة أوباما الجديدة، وأشار شوفال إلى التفاؤل بأن يحمل باراك معه إلى نيويورك المخرج الذي يرضي إسرائيل في البناء الاستيطاني ويرضي أوباما في طريقة إقناع العرب وخصوصاً بعد أن شعرت إدارة أوباما أن مطلبها لا يمكن أن يمر بسهولة.

وكان الإسرائيليون قد ضغطوا على إليوت أبرامس أحد المسؤولين عن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط داخل مجلس الأمن القومي للإعلان عن وجود مذكرة تفاهم بين إدارة بوش وشارون على استمرار البناء الاستيطاني وهو ما يرغب نتنياهو في الاستناد إليه لمطالبة أوباما باحترام ما فعلته إدارة بوش تجاه هذا الموضوع وإذا تم حقاً التوصل إلى تفاهم يبقي الباب مفتوحاً لعدم تجميد البناء الاستيطاني بعين باراك وميتشيل فإن مثل هذه النتيجة ستؤدي إلى منح أميركا لإسرائيل شرعية أكثر للوجود الاستيطاني كله وليس لاستمرار البناء الاستيطاني فقط.

ولعل هذا ما قصده نتنياهو حين طالب أوباما بأن يترك هذا الموضوع للمفاوضات التي يمكن أن تجري بينه وبين السلطة الفلسطينية وكأنه يتهم السلطة الفلسطينية بإمكانية أن تبدي مرونة في هذا الموضوع.

وقد جندت إسرائيل للحملة ضد أوباما ومطالبته بتجميد البناء الاستيطاني جميع مصادر قوتها السياسية والإعلامية بما في ذلك المعارضة التي رفضت الموافقة على تجميد البناء الاستيطاني لأنها كانت تتوسع في هذا البناء في عهد بوش وضمن مذكرة التفاهم معه. بل إن أحد قادة كاديما وهو حزب المعارضة الأكبر وصف مطالبة أوباما بإيقاف البناء الاستيطاني بمحاولة «ابتزاز أميركية» وحذر واشنطن من أن إصرارها على هذا المطلب سيجعل إسرائيل تعيد النظر في موافقتها على العملية السلمية.

وقال أوثنيل شنيللير عضو البرلمان الإسرائيلي من كتلة كاديما ساخراً من الرئيس أوباما: «ما الذي يعتقده الرئيس أوباما؟ هل يرى أن وجود شرق أوسط نووي أقل خطراً من النمو الطبيعي البشري لمستوطنة إسرائيلية؟ وأين دور اليهود الأميركيين الذين صوتوا لأوباما الذي يريد تعريض وجودنا البشري المادي للخطر إذا ما زاد عدد المستوطنين؟».

وطالب شنيللير وهو من المعارضة الإسرائيلية أوباما احترام الإجماع الإسرائيلي وعدم تجاوزه وكأن الإجماع الفلسطيني القائم والمستمر ضد الاستيطان والدعوة إلى نزع المستوطنات لا يحمل أي قيمة مقابل ما يسمى الإجماع الإسرائيلي!؟

وكشف شنيللير أن الولايات المتحدة كانت تعرف منذ عام 2000 أن المفاوضات تجري مع السلطة الفلسطينية للاتفاق على ما إذا كان على إسرائيل الاحتفاظ بـ8% من الضفة الغربية أو 12% وهذا يعني استمرار وجود المستوطنات على أجزاء كبيرة على حد زعمه.

وبينما ينشغل معظم الدول العربية بقضاياهم الخاصة لم يستطع الفلسطينيون تجنيد موقف عربي واحد مشترك يعلن لأوباما أن أي تراجع عن مطلبه تجميد البناء الاستيطاني لن يوفر له علاقة سهلة مع الدول العربية في الملفات الأخرى.. فإسرائيل نجحت حتى الآن بتحييد أوروبا عن ممارسة مزيد من الضغوط عليها في هذا الموضوع حين طلبت منها انتظار ما ستسفر عنه المساعي التي يقوم بها باراك مع ميتشيل لتجاوز هذه المسألة من جدول عمل المفاوضات مع السلطة الفلسطينية وعند ذلك فلتقبل أوروبا بالموقف الأميركي الذي سينشأ عن اجتماع باراك وميتشيل.

ويبدو أن احتمالات التوافق الأميركي أو «التساهل» مع إصرار نتنياهو على استمرار البناء الاستيطاني داخل المستوطنات أصبحت تحمل مؤشرات تزيد على مؤشرات عدم التوافق فقد ذكر الصحفي الأميركي ديفيد اغناتيوس في صحيفة واشنطن بوست الأحد الماضي أن مسؤولاً في البيت الأبيض قال له: «إن واشنطن تضغط على إسرائيل لتجميد الاستيطان لكي تشجع العرب على التقدم بمبادرات تطبيعية معها لكن العرب على ما يبدو لن يتقدموا بمثل هذه المبادرات ولذلك يصبح من غير المجدي إزعاج إسرائيل بلا مقابل».

ويرى أحد المحللين الإسرائيليين أن ما يمكن أن تطلبه واشنطن من عدد من الدول العربية لا يمكن مقارنته بما تطلبه من إسرائيل لأن هذه الدول ولو تراجع أوباما عن مطالبته بتجميد الاستيطان لن تستطيع الضغط عليه ولا عرقلة استمرار الوضع الراهن في الضفة الغربية. أما إسرائيل فالمسألة تختلف معها لأنها تستطيع بنظر المحلل الإسرائيلي شن حرب متى ترغب على قطاع غزة وإحراج واشنطن مع أصدقائها العرب وهو ما لا يفضله أوباما الذي حرص على محاولة كسب العرب والمسلمين لكي يمرر سياسته التي لا تفضل إسرائيل أن تتضمن شروطاً لا تقبل بها.