رمز الخبر: ۱۳۷۷۸
تأريخ النشر: 11:19 - 01 July 2009
عصرایران - كانت الحركة الصهيونية أول منظمة سياسية أيديولوجية في بداية القرن العشرين تعمل على «شرعنة» العنصرية وتقديمها على شكل يزعم أنها «حركة تحرر» لليهود في العالم علماً أنها كانت من حيث أهدافها ومن ناحية القوى التي تدعمها بارزة في عنصريتها..

ولم يعد المراقبون والمحايدون بل الكثيرون من المؤيدين للحركة الصهيوينة قادرين الآن على تجنب الاعتراف بهذا الشكل أو ذاك بعنصرية هذه الدولة قانوناً وممارسة وبجميع الأشكال التي انتهجها الاستعمار الاستيطاني العنصري تاريخياً.


ويبدو أن هذه الحركة العنصرية لم تفرض أفكارها العنصرية في فلسطين المحتلة منذ عام 1948 واستعمارها الاستيطاني العنصري في الأراضي المحتلة منذ عام 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان فحسب بل فرضتها حتى في الدول التي يعد اليهود مواطنين فيها منذ أجيال كثيرة.. ففي قلب بريطانيا التي شكلت أول قاعدة لتبني الفكرة الصهيونية ودعمها وتحقيق أهدافها تمارس الصهيونية عنصرية علنية غير خفية في لندن نفسها وفي نفس عام 2009 الذي أصبح فيه العالم شبه خال من أشكال التمييز العنصري وجرائمه. فقد قضت محكمة بريطانية في لندن بأن مدرسة تدعى «المدرسة اليهودية الحرّة» في كينتون شمال لندن تحمل أنظمة عنصرية لأن استمارة قبول التلاميذ والطلاب فيها تتضمن تحديدات عنصرية لأنها لا تقبل تسجيل أي طالب إلا إذا كانت أمه يهودية وبعد معرفة كيفية اكتسابها هذه الصفة؟!


وذكرت المحكمة المدنية البريطانية في قرارها أن مدرسة توجد في أرض بريطانيا وتحت سيادتها تضع مثل النظام للقبول وتمنع أي طالب لا تكون أمه يهودية على طريقة الحاخامين أو ما يشرعه اليهود من أن يكون طالباً فيها تعد عنصرية بموجب قانون بريطاني أقر عام 1976. ففي عام 2007 رفضت المدرسة التي تطلق على نفسها «اليهودية الحرّة» قبول تلميذ لأن أمه غير يهودية بحسب رأي الحاخامين الرسميين للمذهب اليهودي السائد في إسرائيل وحين احتجت أسرة هذا التلميذ إلى محكمة مدنية بريطانية أصبح القضاء البريطاني والدستور هما المرجعين في هذه المسألة. وقال بعض القضاة إن دافع الضرائب البريطاني لن يسره أن تتلقى مثل هذه المدارس مساعدات ومخصصات وتمارس أحد أشكال العنصرية المحظورة والتي يعاقب عليها القانون.


ورغم أن هذه المدرسة لليهود إلا أن القانون البريطاني لا يسمح حتى بهذا الشكل من التمييز في أنظمة المدارس الخاصة بالطوائف الأخرى وكأن النظام البريطاني يريد أن يمنع اليهود من ممارسة العنصرية ضد أفراد آخرين من الطائفة اليهودية نفسها في بريطانيا.


وإذا ما قورن وضع اليهود في بريطانيا بوضع اليهود في النظام الإسرائيلي في الأراضي المحتلة منذ عام 1948 فسوف نجد أن شرعنة العنصرية في إسرائيل عملية رسمية لا يتعرض لها الفلسطينيون داخل فلسطين المحتلة منذ عام 1948 فحسب بل يتعرض لها اليهود فيما بينهم، فثمة مدارس دينية يهودية لا يمكن أن تقبل أنظمة التسجيل فيها وجود يهود أميركيين من «المذهب اليهودي الإصلاحي» حتى لو أصبحوا إسرائيليين من المهاجرين الجدد علماً أن نسبة «اليهود الإصلاحيين» الأميركيين تشكل مع«المذهب اليهودي المحافظ» 85% داخل الطائفة اليهودية الأميركية، وعلى الرغم من القوانين الأميركية التي تحظر جميع أشكال العنصرية داخل الولايات المتحدة إلا أن المنظمات اليهودية الصهيونية في الولايات المتحدة الدينية وكذلك العلمانية غالباً ما تتجاوز هذه القوانين وتمارس فيما بينها أشكال تمييز عنصري يتغاضى عنها رجال السياسة الأميركية للمحافظة على الدور الوظيفي لهذه المنظمات في خدمة المصالح الأميركية.


وتعد تجربة اليهود الصهيونيين بعد ظهور الحركة الصهيونية في جنوب إفريقيا من التجارب الوحشية في التمييز ضد السود أصحاب الأرض في تلك البلاد، فقد كانت نسبة اليهود بين المستوطنين البيض في جنوب إفريقيا 4% ومارسوا خلال خمسة عقود كل أشكال التمييز الوحشية ضد السود وشكلوا الجسر المتين بين إسرائيل العنصرية عام 1948 ونظام «الأبارتيد» في جنوب إفريقيا.


فمنذ عام 1911 كانت نسبة اليهود بين المستوطنين البيض العنصريين 3.7% ثم أصبحت 4.5% وبلغ عددهم عام 1936 مئة ألف وحين انتهت العنصرية ونظامها الأبيض في جنوب إفريقيا مع بداية عام 1990 واستلام قادة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي برئاسة نيلسون مانديلا كانت نسبة 80% من اليهود في جنوب إفريقيا قد غادرت وهاجرت إلى أستراليا وكندا والولايات المتحدة.. وحين قضت المحكمة البريطانية بممارسة «المدرسة اليهودية الحرّة» للنظام العنصري دعا أحد أنصار التلميذ اليهودي البريطاني الذي رفضت المدرسة تسجيله إلى استخدام عبارة «معاداة اليهود لليهود» بدلاً من تهمة «معاداة السامية» التي تلصقها بكل من ينتقد الصهيونية وسياسة إسرائيل من غير اليهود في العالم.


ومن أهم أهداف العنصرية الصهيونية في إسرائيل إفراغ الأرض من أصحابها الشرعيين وهم الفلسطينيون فقد أعد البرلمان الإسرائيلي منذ تأسيسه عام 1949 قوانين بمثابة «الدستور» لعزل وحصر إقامة ووجود الفلسطينيين في الأراضي المحتلة منذ عام 1948 تمهيداً لإجبارهم على التخلي عن قراهم وما تبقى منها ومن أراضيهم في فلسطين المحتلة منذ عام 1948. وكان آخر مشروعات القوانين التي طرحت على البرلمان مشروع قانون يدعو إلى حرمان أي فلسطيني من «الإقامة» و«الجنسية» أي «المواطنية» إلا إذا وقع على وثيقة يعترف بها بيهودية إسرائيل وبيهودية الأرض وبشرعية الصهيونية «كحركة تحرر وطنية» وما زال مشروع القانون معداً للتصويت في البرلمان.


ومن الملاحظ أن الدول الكبرى والأوروبية تتجنب لأسباب سياسية وتوظيفية للدور الإسرائيلي الاعتراف بالنظام العنصري لإسرائيل وبالأنظمة العنصرية التي تسعى الطوائف اليهودية في بريطانيا وأميركا ودول أخرى إلى فرضها حتى داخل أنظمة تندد بالعنصرية وترفض وجودها.. فالمحاكم الإسبانية والبريطانية وغيرها في دول أخرى تقضي بمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين بموجب قوانين تلك الدول على حين أن حكومات معظم تلك الدول وخصوصاً بريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا تدافع عن مجرمي الحرب سياسياً وتقدم الدعم لهم.


فمن المؤسف أن نجد وزيرة ألمانية تطالب باعتقال المطران وليامس لأنه شكك في صحة أرقام الحركة الصهيونية حول «المحرقة» لمحاكمته بتهمة نفي «المحرقة» المزعومة وتغييب حقائق لا لبس فيها ولا غموض يستوجب من هذه الدول الوقوف ضد عنصرية إسرائيل والحركة الصهيونية، فالسياسة لدى هذه الدول تتجاوز حقائق وقرارات المحاكم في بلدانها.