رمز الخبر: ۱۴۴۰۰
تأريخ النشر: 11:53 - 03 August 2009
القدس العربی
عصرایران - مع كل يوم يمر على الحراك الصاخب الذي تمر به إيران تزداد قناعة اهل الاختصاص بوجود حيوية لافتة لدى المجتمع الايراني من جهة وامتلاك الدولة الايرانية صلابة وقوة الدول العريقة من جهة اخرى!

فلا المعارضة رغم انفلاش قواها الفاعلة وتداخل حراكها بين ارادة الداخل التغييرية وارادة الخارج التخريبية دخلت في مرمى المحظور من سلوكيات العنف العدمي، ولا السلطة الحاكمة رغم كل مؤاخذات المعارضين الداخليين والاعداء الخارجيين عليها دخلت في الممنوع او الخطير من اجراءات ممارسة 'عنف' الدولة التقليدي المعروف !

وكل من يعرف ايران من الداخل جيدا يعرف تماما بان ما جرى خلال الاسابيع القليلة الماضية ومر على إيران إنما جرى في إطارين أو مسارين اثنين :

الاول: وهو عبارة عن تشديد لمراجعات داخلية عميقة بدأت منذ نحو عقدين من الزمان على قاعدة ان التغيير لازمة حياتية للثورات عبرت عنها قوى المجتمع الايراني الحية بصورة حضارية ملفتة، كما أبرزت الوقائع والاحداث مجتمعة عن امتلاك جسم الدولة الايرانية العريق لديناميكية خلاقة بمقدورها تجاوز مرحلة الازمة باستمرار والعبور نحو شاطئ الأمان في نهاية المطاف .

الثاني: وهو تصاعد ملحوظ في حدة الصراع الاجنبي مع ارادة الاستقلال والتحرر الايرانية في سياق الحرب المفتوحة بين الخارج والداخل منذ قيام الثورة الاسلامية الايرانية في العام 1979.

ولما كانت ايران الداخل في الآونة الاخيرة تعيش في اوج ممارسة كفاحها المشروع من اجل انتزاع الاعتراف الدولي بحقها في الاستقلال من جهة وذلك من خلال ثنائية أصولية المرشد الاعلى للثورة وحزم وصلابة الموقف السياسي العام للرئيس احمدي نجاد، تماما كما كانت تمارس كفاحها المشروع من اجل مجتمع حر ومتحرر من جهة اخرى من خلال آليات الديمقراطية الاسلامية الفتية والمفصلة على الطريقة الايرانية اللاشرقية واللاغربية من جهة اخرى فقد اغاظ ذلك الغرب العنصري والهيمني واثار حنقه ما جعله يصعد من مستوى الحرب المفتوحة على ايران بهدف خلط الاوراق في معادلة الداخل متأملا باحداث اختراق ملموس لمصلحة انجاح استراتيجية زعزعة استقرار السلطة الحاكمة في طهران وتفتيت المجتمع الايراني من الداخل في اطار سياسة تشجيع وإفشاء الحروب العرقية والاثنية والطائفية المتنقلة المعروفة بالفوضى الخلاقة أو الثورات المخملية كما صار يطلق عليها في الآونة الاخيرة بعد تغيير جلدها !

لكن ايران 'الخمينية' المتجددة بزعامة آية الله علي خامنئي كانت له بالمرصاد على ما يبدو فلم توفر له ما اراد رغم قساوة التجربة وما رافقها من صخب وضجيج دعائي كانت قد اعدت له امبراطورية 'عاجل' الاعلامية الاخطبوطية والعنكبوتية الناعمة !

اذ كما كان الغرب الامبراطوري يحضر لهذه الساعة الموعودة كانت القيادة الايرانية العليا على ما يبدو مستعدة لساعة المواجهة 'الناعمة' تلك، فكان ما كان من استنهاض انتخابي هو الاول من نوعه في تاريخ الانتخابات حتى تلك العريقة في ديمقراطياتها وذلك من خلال مشاركة نسبة الـ85 بالمائة الامر الذي لم يكن يتوقعه لا الداخل التغييري ولا الخارج التخريبي .

وهنا اضطر الخصم اللدود للكشف عن خطته الأصلية والتي تبينت ابعادها على امتداد الاسابيع الماضية والتي كانت تقوم على خطة :

تغيير الأفكار ثم تغيير السلوك ثم تغيير الهيكلية، وهي الخطة التي كانت تقضي بدفع النظام والسلطة الحاكمة للجوء الى تكرار نموذج تيان آن مين الصينية المعروفة اي الدفع بسلطات طهران لقمع جموع المتظاهرين بالقسوة والوحشية المطلوبة لبلورة المشهد المطلوب غربيا.

لكن لجوء طهران الى ما صار يعرف بنموذج 7 ايار/مايو اللبناني الشهير اي الى نوع من العملية الجراحية القيصرية لوقف مخطط الاستنزاف الداخلي باقل الاكلاف الممكنة احبط مرة اخرى مخطط الخارج المتربص بالتجربة الايرانية كلها .

في هذه الاثناء فان ايران الدولة الفتية والتجربة الجديدة الخارجة على المشهور والمألوف من التجارب العالمية المعروفة تكون قد دخلت مرة اخرى في حركة تصحيحية اصلاحية.

إذ بعد تجربة الاسلام أولا والتي قادها الزعيم المؤسس آية الله الموسوي الخميني ومن ثم تجربة بناء الدولة العتيدة والتي كان شعارها ايران اولا والتي التصقت باسم الرجل الثاني على الدوام الرئيس الاسبق ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام حاليا آية الله اكبر هاشمي رفسنجاني، ومن ثم تجربة الديمقراطية أولا والتي طبعت باسم الرئيس السابق محمد خاتمي، فانه جاء دور المشروع الاسلامي التحرري العالمي اولا بزعامة المرشد الاعلى الحالي آية الله علي خامنئي .

واذا ما اردنا ان نؤرخ لهذه المرحلة فاننا نستطيع ان نقول عنها بانها بدأت عمليا منذ ظهور الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد على المسرح العلوي للسلطة مدعوما بدعم المرشد الاعلى وحماية مؤسسات الثورة الاساسية وعلى رأسها حرس الثورة الاسلامية .

وهنا بالذات يكمن جوهر الصراع المحتدم والمفتوح على مصاريعه حاليا بين مشروع الاسلام التحرري والرؤيوي الذي يقوده المرشد خامنئي والقاضي ليس فقط بتعزيز قوة ايران الدولة الايرانية فحسب بل وتعزيز كل قوى التحرر والمقاومة والممانعة المؤتلفة او المتحالفة مع ايران اقليميا ودوليا ان على مستوى القوى الحرة او على مستوى الدول وبين مشروع الدولة الامبراطورية الهيمنية الامريكية المنافحة عن المشروع الصهيوني العنصري ومحاولة فرضه اما بالقوة الخشنة او بالقوة الناعمة منذ عهد بوش المحافظ وصولا الى عهد أوباما الديمقراطي !

انه الصراع الذي طبع ولا يزال يطبع كل حراك المنطقة الصاخب منذ عقود وليست حوادث ايران الداخل الاخيرة سوى فصل جديد من فصول هذا الصراع الذي سيظل محتدما ومتفجرا على مستوى المنطقة برمتها ما لم تذعن الولايات المتحدة الامريكية نهائيا بخسارتها لمشروع فرض الكيان الصهيوني المغتصب على قوى المنطقة الحية والتي اخذت قرارها النهائي بوعي على ما يبدو هذه المرة بخوض هذا الصراع حتى الفصل الاخير منه أي تفكيك هذا الكيان والمعسكر النشاز ونقل اجزائه المتناثرة الى خارج المنطقة تماما..

وهنا بالذات تظهر اسرائيل في احرج ايامها على الاطلاق فلا هي قادرة على تحمل اعباء مثل هذه الحرب المفتوحة وقد باتت بعض فصولها تجري على تخومها من جهة ولا هي قادرة على أخذ قرار الدخول على خط المواجهة مباشرة من خلال قرار يعتبر الاكثر مغامرة في تاريخ اسرائيل الا وهو توجيه ضربة عسكرية لإيران في محاولة لوقف تقدم مشروعها!