رمز الخبر: ۱۴۵۸۰
تأريخ النشر: 11:21 - 10 August 2009
عصرایران - أکّد العلاّمة السيّد محمّد حسين فضل الله أنّ الاستکبار العالمي، لم يکن معنيّاً بأيّ عمليّة ديمقراطيّة انتخابيّة في إيران، وإنّما بضرب استقرار الداخلي فيها، داعياً جميع الايرانيين المخلصين، للتنبّه إلى محاولات الخارج للتأثيرعلى مجرى الأحداث وتطورها في إيران.
   
جاء ذلک في بيان وجّهه السيد فضل الله إلى الشعب الإيراني،أمس الأحد هذا نصّه:

ليس خفيّاً على أحدٍ، ولا سيّما جيل الثورة الأوائل الذين کانت حرکتهم انطلاقةً إسلاميّة رائدةً، أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران اليوم باتت لا تمثّل تلک المساحة الجغرافيّة التي تحتضن إيران والشعب الإيرانيّ، بل أصبحت ـ في قيمها المعلنة منذ انطلاق الثورة وحرکتها وتعاظم قوّتها ـ السند الحقيقي لقضايا العدل في العالم؛ ذلک العدل الذي يمثّل هدف الرسالات کلّها، حيث قال تعالى: (لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الکتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط). ومن هنا، بات لزاماً على کلّ قادة الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران أن لا يفکّروا ـ وهم يقاربون همومهم ومشاکلهم الداخليّة ـ بحجم الدولة في کيانها السياسي والجغرافي فحسب، بل بأبعد من ذلک؛ بما تمثّله الدولة من اتّساع تأثيرها على کلّ الذين يلتقون على فکرها ـ في مبادئه الأساسيّة ـ في العالم الإسلامي کلّه.

و أضاف: :لقد کادت أن تکون هذه الدولة هي التجربة الحديثة الأولى التي يقدّر فيها للعلماء والحرکيّين الإسلاميّين أن يمارسوا تجربتهم في الحکم، استناداً إلى منظومة اجتهاديّة مرتکزة إلى النصّ، بما يعنيه الاجتهاد أيضاً من حيويّة وحرکة وعدم جمود على فکرةٍ معيّنة بطبيعة الحال.

وتابع السيد فضل الله: إنّنا من خلال موقعنا الإسلامي الذي يشعر بالمسؤوليّة تجاه کلّ التجارب الإسلاميّة الرائدة، وفي مقدّمها تجربة الحکم الإسلامي في إيران، وأمام التطوّرات الأخيرة التي شهدتها الساحة الإيرانيّة قبل الانتخابات الرئاسيّة وبعدها، ومن خلال متابعتنا الدقيقة لما يجري على المسرح السياسي الدولي والإقليمي، ليس في السنوات الأخيرة فحسب، بل منذ انتصار الثورة المبارکة في إيران، نرى أن نؤکّد على جملة من النقاط التي نعتبرها أساسيّة في حرکة ضبط الواقع في إيران، ومنها إلى کلّ الواقع السياسي المحيط:

أوّلاً: لقد بات واضحاً للجميع أنّ الاستکبار العالمي، ولا سيّما الولايات المتّحدة الأميرکيّة، ليس معنيّاً بأيّ عمليّة ديمقراطيّة انتخابيّة وما تفرزه من نتائج، وإنّما يتحرّک في أمنياته وخططه وبرامج عمله من أجل خروج الأمور والأحداث عن طورها في إيران، واختناق الثورة من داخلها بعد أن عجز عن ضربها بالحصار المفروض عليها، فضلاً عن الحرب الظالمة التي شنّها النظام العراقي البائد بعد انتصار ثورتها بدعمٍ مباشر من کلّ الدول الغربيّة، فتکتوي إيران عندئذٍ بنيران المشاکل الداخليّة التي تأکل استقرارها الداخلي، وتجعلها فريسة للفوضى العارمة، والتي قد تتحوّل إلى فوضى دامية، لا تؤثّر على مشاريعها الاستراتيجية للنهوض فحسب، بل تؤدّي إلى تراجعها الکبير إلى الوراء وإسقاط کلّ ما تحقّق إلى الآن، إضافةً إلى الابتعاد القسري عن کلّ قضايا التحرّر والعدالة في العالم الإسلامي، وفي مقدّمها قضيّة فلسطين، بما يعنيه سقوطها من بداية السقوط للعالم الإسلامي برمّته.

ولذلک فإنّه يقع على عاتق کلّ القيادات المخلصة، والتي کانت جزءاً لا يتجزّأ من حرکة الثورة وانتصارها، کما من حرکة بناء الدولة الإسلاميّة ومواجهتها للتحدّيات الکُبرى في مدى ثلاثة عقود من الزمن، ممّن يسمّون بالإصلاحيّين أو بالمحافظين أو غيرهم، وذلک أکثر من أيّ وقتٍ مضى، التنبّه إلى هذا الواقع الخارجي الذي لم يخبُ إواره يوماً، ولم تضمر نار شرّه لحظةً، ولم يحرّک عداءه للجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة بالتصريحات السياسيّة فحسب، وإنّما حاول الدخول من أکثر من منفذ، واللعب على أکثر من حبلٍ، من أجل التأثير الواقعي على مجرى الأحداث وتطوّرها.

ولذلک، فنحن لا نؤکّد على هذه النقطة من أجل الهروب إلى الأمام تجاه أيّ استحقاق داخليّ، أو نقدٍ مشروعٍ ضمن حرکة النظام الإسلامي، بل لأجل التأکيد على ما لا يخفى على کلّ القيادات الواعية من خطط فعليّة حقيقيّة تتحرّک على وتيرة مستمرّة وإن اختلفت المراحل والأساليب، ولکنّها تبقى ثابتة في خطّ الاستراتيجية الاستکباريّة في المنطقة، وهي أنّه لا يُسمح للإسلاميّين أن يکونوا قوّة على الصعيد العلمي والتکنولوجي، بل لا بدّ أن يتحرّکوا في الدائرة التي ترسمها السياسات الاستکباريّة، ولا سيّما في ظل وجود الکيان الصهيوني الغاصب لفلسطين، والذي أصبح يواجه تحدّيات وجوديّة لا تخفى.. ولذلک نجد أنّ عمق المشکلة في الملفّ النووي الإيراني ليست في إمکانيّة امتلاک إيران السلاح النووي ـ کما يقولون ـ، وإنّما في أنّه يمثّل القوّة العلميّة الإيرانيّة التي تسمح بتطوير حرکتها العلميّة في تحقيق الاکتفاء الذاتي على أکثر من صعيد علمي، وبما يمکّن العالم الإسلامي من الاستفادة من تلک الخبرة في خطّ الخروج من استضعاف الدول المستکبرة له ولسياساته إلى أن يمثّل القوّة التي تنازع تلک الدول نفوذها على مقدّرات مناطقنا وثرواتها، والتحکّم بحاضرها ومستقبل أجيالها.

وإنّ هذا الأمر ليس مجرّد عناوين عامّة وشعارات فارغة، بل هو الواقع الذي لا يزال يتحرّک في کلّ حرکة الدولة المستکبرة تجاه العالم الإسلامي.

ومن هنا، فنحن نعتقد أنّ السماح بتداعيات سلبيّة للواقع في إيران سوف يکون له دوره في إقصاء جميع الإٍسلاميّين عن الساحة، لتعود الکرّة إلى حکم الديکتاتوريّات البائدة، التي عانى منها الشعب الإيراني قبل غيره، وعرف معنى أجواء الحرّية مع انتصار الثورة الإسلاميّة، بغض النظر عن مداها وکلّ النقاش الدائر حولها، والذي نعتقد أنّه جزء من حيويّة الشعب الإيراني وحرّيته الفکريّة في التعبير عن رؤيته مهما کانت متناقضة مع الواقع القائم.

ثانياً: إنّه لا يستطيع أحد أن يُنکر أنّ الکيان الإسلامي الذي يقوم على قيم الإسلام هو الذي يضمن حرّية النقد في إطاره، حيث يکون النقد حرکة إغناء للقيادة في عملها، وفي لفت نظرها إلى ما قد لا تلتفت إليه في إطار الاستغراق في حرکة السلطة والحکم، وهذا ما أکّد عليه أمير المؤمنين عليّ (ع) عندما خطب في أصحابه قائلاً: «فلا تکلّموني بما تکلّمون به الجبابرة، ولا تتحفّظوا منّي بما يتحفّظ به عند أهل البادرة، ولا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنّوا بي استثقالاً لحقّ قيل لي، ولا التماس إعطام لنفسي؛ فإنّه من استثقل الحقّ أن يُقال له أو العدل أن يُعرض عليه، کان العمل بهما عليه أثقل؛ فلا تکفّوا عن مقالة بحقّ، أو مشورة بعدل، فإنّي لست في نفسي بفوق أن أخطئ ولا آمن ذلک من فعلي إلا أن يکفي الله من نفسي ما هو أملک به منّي؛ فإنّما أنا وأنتم عبيد مملوکون لربّ لا ربّ غيره»، وکلّ حرکة نقدٍ تهدف إلى تأصيل الحرکة في الواقع؛ بل کلّ تفکير اجتهاديّ يعمل على تفعيل نظريّة الحکم في الإسلام وتطويرها نحو الأفضل، هو أمرٌ مشروع؛ بل ضروريّ لأجل انسجام الفکر مع التجربة التي قد تتمخّض عنها إشکاليّات بحاجة إلى تفکير مستجدّ، واجتهادٍ جديد في فهم النصوص استناداً إلى حرکيّة الاجتهاد.. إلا أنّ ذلک لا بدّ أن يتحرّک بحذرٍ وفق التحدّيات الداخليّة من جهة والخارجيّة من جهة أخرى.

إنّ هناک فرقاً بين أن تتحرّک المعارضة ضمن الخطّ الإسلامي الذي يرتکز إلى أنّ الإسلام هو قاعدة الحکم، وبين أن يرکب من هم ضدّ هذا المبدأ موجة الأحداث، لقلب الطاولة فوق رؤوس الجميع، فيتحوّل الاحتجاج من احتجاجٍ ضمن الثوابت إلى حرکة تصطدم بالثوابت التي نعتقد أنّ جميع القيادات اليوم، على تنوّعها الإصلاحي والمحافظ، لا تزال تلتزم بها؛ وهذا کلّه يحمّل الإسلاميّين الذين قد يکون لديهم وجهات نظر مختلفة عن وجهة نظر السلطة القائمة، أن يکونوا حذرين تجاه إمکانيّة أن يکونوا جسراً يعبر الآخرون من خلاله للانحراف بالثورة عن مسارها وقاعدتها.

ولقد بات الجميع يعلمون مدى خطورة التحدّيات الخارجيّة إذا ما استطاعت النفوذ إلى الساحة الداخليّة الإيرانيّة، واللعب على حيويّتها السياسيّة لتحويلها إلى تناقضات تأکل ساحات الجميع؛ لأنّنا نقول ولا نزال إنّه لا يُخشى على إيران من خارجها؛ لأنّ التحدّي الخارجي يوحّدها، وإنّما نخشى عليها من داخلها إذا ما سُمح للاعبين من العبث بواقعها.

ثالثاً: لقد کان في أولى تجاربنا الإسلاميّة في حرکة الحکم مشکلة خلافة رسول الله (ص)، وکان الإمام عليّ (ع) عنوان المعارضة السياسية لما آلت إليه الأمور آنذاک، ومع ذلک وجدناه يتحرّک ضمن استراتيجية المحافظة على الإسلام، في وجوده الفاعل، حتّى لو شابته شائبة من سلبيّات يراها أو يرصد تداعياتها في المستقبل؛ ومن هنا وجدناه عندما دار الأمر لديه بين أن يُمحق الإسلام وبين أن يجمّد حقّه ويتحرّک بإيجابيّة تجاه الواقع القائم، انطلق ليغلّب مصلحة الإسلام على أن يبقى في حرکة المعارضة، وذلک هو قوله في کتابه لأهل مصر: «فما راعني إلا انثيال الناس على فلان يبايعونه، فأمسکت يدي، حتّى إذا رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دين محمّد (ص)، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تکون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتکم التي إنّما هي متاع أيّام قلائل يزول منها ما زال کما يزول السراب أو کما يتقشّع السحاب، فنهضت في تلک الأحداث حتى زاح الباطل وزهق واطمأنّ الدين وتنهنه»، وقوله في ولاية عثمان: «لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يکن فيها جورٌ إلا عليّ خاصّة».. ولا نعتقد اليوم أنّ إيران کانت بحاجة إلى مثل هذه الروح کما هي بحاجة إليها اليوم؛ فإنّ ما تمرّ به في هذه المرحلة، ومن ورائها الواقع الإسلامي کلّه، من تحدّيات قد تزيد أضعافاً مضاعفةً عمّا کان يواجهه المسلمون الأوائل بعد النبيّ (ص).. إنّ الإسلام اليوم في خطر، وإيران ـ التي مثّلت السند للمستضعفين والإسلاميّين وطلاب الحرّية والعدالة في کلّ أنحاء العالم ـ يقع على عاتقها حماية الإسلام في کلّ أبعاده، السياسية والثقافية والأمنية والاقتصاديّة، وما إلى ذلک ممّا أثبتت الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة فيه ـ بما منّ الله عليها من طاقات وقدرات وموارد ـ أنّها الساحة المتقدّمة فيه، والکيان القابل للاضطلاع بتلک المسؤوليّة من بين الأمم.

وأخيراً: إنّنا نقول للشعب الإيراني الذي أثبت أنّه الشعب الذي يمتلک حيويّة مميّزة عبّرت عن نفسها في أکثر من جانب: لقد مثّل الإسلام لهذه المنطقة مکمن عزّتها بين الأمم في مدى التاريخ، ولم تصل إيران إلى ما وصلت إليه اليوم إلا عندما تحرّکت في خطّ قيم الإسلام الکُبرى، فأخذت بمبدأ العزّة الذي ارتفع بها إلى مصافّ الدول الکُبرى، وأکّدت مبدأ العدل حتّى ساندت کلّ قوى المقاومة والتحرّر متحمّلة لضريبة ذلک في المسرح الدولي، وهذا هو مکمن القوّة لديها؛ ولذلک فإنّ السماح بتغييب أو غياب الحسّ الإسلامي النابض عن حرکة القيادات، وساحة الجماهير، من شأنه أن يکون له تداعيات کبيرة على واقعکم، ومن ورائکم واقع المسلمين جميعاً..

وإنّ هذا الأمر يفرض على کلّ القيادات الواعية، إلى أيّ تيّار انتمت، أن تتحرّک وفق مسؤوليّتها الشرعية، في تأکيد الدعوة إلى الله وإلى الإٍسلام، ولا سيّما ضمن جيل الشباب الذي يقع على عاتقه حمل مسؤوليّة الجمهوريّة الإسلاميّة للمستقبل، وهو الجيل الحيّ النابض الذي يحتاج إلى رعاية الجميع، وإلى تضافر قوى کلّ المخلصين؛ بل يحتاج إلى تنوّع الرؤى والأفکار التي تتنوّع بتنوّع التيّارات والاجتهادات والحرکات في إيران، على أن ينضبط هذا التنوّع في ظلّ القواعد الإسلاميّة التي أکّدها القرآن الکريم في إدارة حرکة الاختلاف السياسي والفکري وما إلى ذلک.