رمز الخبر: ۱۵۵۳۶
تأريخ النشر: 09:44 - 14 September 2009
 عصرایران ـ القدس العربي ـ اختار السياسي الاردني المحنك عبد الرؤوف الروابده قبل اسبوعين توقيتا مناسبا جدا للتدخل في ازمة اجتماعية بين عشرتين كبيرتين شمالي البلاد ليس فقط لكي يقول ان الحاجة ما زالت ملحة لشخصيات من طرازه ومن وزنه وفي المفاصل.

ولكن لكي يقول ضمنيا بأن البلاد في وضعها الحالي لا تستطيع بكل الاحوال الاستغناء عن الطبقة التي يمثلها الرجل وهي طبقة الشخصيات الوطنية.

الوضع الحالي نعني مجتمعا محافظا جدا يتداخل مع مؤسسة بيروقراطية حمتها الدولة لعدة عقود يحاول دون فائدة منذ سنوات الانتقال لدائرة المجتمع العصري.

الروابده الذي تدخل بعض رموز الحكم الجدد يوما لاقالته من منصبه في رئاسة الحكومة والذي حاول البعض في مناسبة اخرى توجيه بوصلة الدولة لعنوان آخر بعيدا عنه في الشمال، فرد اوراقه على الطاولة في محافظة عجلون وتمكن بدهاء وخبرة من حلحلة عقدة امنية واجتماعية وعشائرية شغلت الجميع في المملكة لعدة اسابيع بعد مقتل شاب على يد عائلة من عشيرة اخرى.

في تلك الازمة حرقت باصات وبيوت وسقط جرحى وحصلت اشتباكات وتدخلت شخصيات سياسية وامنية وحكومية وفوق حكومية، وبعد سلسلة وساطات حضر الروابده ليقطف ثمار المشهد ويضع الخاتمة وينهي الأزمة ويعيد الى المدينة السياحية في الشمال استقرارها المعهود.

وهذا الدخول الاعتراضي لرجل يتميز اصلا باشكاليته دلل على الكثير مما لا يمكن تجاهله فلم يعد سرا ان المجتمع ليس جاهزا لكل ما يقال في الاطار العصري والتحديثي، وان الناس في طبقات السياسة يفضلون الماركات المعهودة وان هناك نمطا من الاشكالات في عمق المجتمع لا يعالجه من يحمل كومبيوتره المحمول او ينغمس في المقايسات والمقاربات مع دول اخرى في العالم.

والدخول نفسه وبالطريقة التي غطاها الاعلام المحلي اثبت بأن رؤساء الوزارات السابقين وخصوصا المتميزين منهم صالحون لمهام اخرى مهمة خارج سياق قيادة وفود الخطبة والاعراس او بعيدا عن الانضمام لمتحف يعرفه الجميع.

الروابده وفي كل جاهة عرس يقودها درج على قول العبارة التالية: نحمد الله انه ما زلنا نقوم ببعض الوظائف مثل هذه التي اقوم بها الآن. اما نظيره علي ابو الراغب فحرض طاهر المصري وفايز الطراونة على مقاطعة دعوات الناس لحضور المناسبات الاجتماعية وتحديدا الافراح.

خلال ايام النقاش العاصف الخاص بقانون الضريبة الجديد اطلع علي ابو الراغب الذي يعتبر ماليا ضليعا على نسخة الحكومة فبادر للاتصال بوزير المالية باسم السالم محذرا من مصيبة ومتسائلا: ما الذي تفعلونه وتقصدونه؟ ثم اردف: كيف ينمي هذا القانون الاستثمار وهو يستهدف الشركات؟

تقليب اوراق النسخة نفسها وبعيدا عن القضايا الاساسية التي اثارت الجدل قاد الى اكتشاف مثير، فثمة ضريبة يفرضها القانون على الراقصات والفنانات والمجالسات في النوادي الليلية بمعدل يومي تبلغ ثلاثة دنانير، وعن سؤال خبير الضريبة الحكومي البارز اياد القضاة عن آلية التمييز بين راقصة رشيقة وجميلة ومنتجة واخرى كسولة او بشعة اشار لخبير ضريبي مهمته التفريق والتقييم.

في السياق اكتشفت بلدية العاصمة عمان التي يقودها ديجتالي من الطراز الاول ان حلحلة ازمتها مع عشائر جنوب المدينة التي ترفض الانضمام للعاصمة بحاجة للرئيس السابق فيصل الفايز فخضع الجميع لسطوة الرجل وقدرته على التدخل في مفاصل من هذا النوع.

وليس سرا اطلاقا ان دوائر الشرطة والامن في العاصمة عندما تريد احتواء او انهاء او تحديد نطاق تظاهرة او مسيرة لاهالي المخيمات تلجأ لشخص واحد معروف لا ثاني له وهو النائب خليل عطية، والرجل يقوم بنفس الجهد الوطني عندما يتعلق الامر بتهدئة جمهور كرة القدم الغاضب دوما.

الذاكرة السياسية القصيرة والطويلة في الاردن تحتوي عشرات القصص والحكايات عن تأثر وسط الناس برموز سياسية ووطنية وشعبية اما مهمشة او همشت، والسياسي ممدوح العبادي درج على القول بان الديمقراطية الحقيقية يصنعها ديمقراطيون والحكم المنتج يصنعه وسطاء سياسيون ووطنيون يعرفهم الناس ويحترمونهم ولهم دالة على المجتمع وفيه.

وهذا النمط من الشخصيات غير محصور لا في رواد المدرسة البيروقراطية ولا في انصار المعسكر الاصلاحي.

يقول وليد مطر وهو محلل سياسي متخصص بالملفات الاستراتيجية: في مجتمعنا عشرات الشخصيات الموثوقة التي تضيف للوظيفة ولا تضيف لها الوظيفة شيئا وبوضوح هذه الانماط غائبة عن واجهات القرار والغريب انه يتم استهدافها احيانا.

لسبب او لآخر هناك من يعتقد بأن مدارس ومشارب متعددة جربت خلال السنين الاخيرة والاهم طحنت بعضها لصالح اليومي والاستهلاكي والفردي وقصير المدى، اما استحضار نخبة من الشخصيات الوطنية المقنعة والقادرة على التواصل مع آلام المواطنين فهو الخيار الذي لم يجرب بعد خصوصا وان الجميع مضطر لسبب او لآخر لانتظار المحطة التالية بعد محطة الرئيس نادر الذهبي.