رمز الخبر: ۱۷۶۲۳
تأريخ النشر: 12:41 - 17 November 2009
ماجد حاتمی


الحرب السادسة ضد الحوثيين تاتي في سياق سياسة الهروب الى الامام من قبل السلطة في اليمن وتوجيه الاتهام للاخرين بغية التغطية على عدم فاعلية السيادة لمدة 20 عاما على شطري اليمن وقمع احتجاجات الشعب الفقير والمضطهد بالقوة العسکرية.
   
ورغم ان اليمن بما يتمتع به من موقع جيوسياسي متميز وثروات طبيعية الى جانب وجود مضيق باب المندب، يمکنه ان يوفر الحد الادنى من الحياة المعيشية اللائقة للشعب اليميني فان حکومة علي عبدالله صالح عجزت عن تلبية مطالب هذا الشعب بصورة مناسبة، وهي التي مارست کذلک سياسة التمييز ايضا.

وعلى الرغم من ان مسؤولي اليمن وبعض الحکومات العربية في المنطقة سعوا الى تصوير ازمة صعدة على غير حقيقتها وحرف الراي العام عن اسبابها الحقيقية الا ان صمود المسلمين الشيعة في اليمن فضحهم وسيميط اللثام عن استراتيجيتهم الاقليمية هذه.

الحرب الاخيرة في صعدة والتي مضى عليها 3 اشهر لحد الان واستخدمت فيها الحکومة اليمنية کل قدراتها الجوية والبرية والدبلوماسية الاقليمية، لم تعد سوى بالاستنزاف والفشل لهذه الحکومة.

فالجيش النظامي واستخدام الاسلحة الجوية والبرية والدروع والمدفعية والاسناد اللوجستي والدعم العلني والسري الخارجي في مقابل الامکانيات المحدودة لسکان شمال اليمن، لم تکن فاعلة ولم تعد للحکومة في اليمن سوى بالخسائر المادية واسر الجنود وتکبد الخسائر في الاليات بين مدمرة وواقعة بيد الحوثيين کغنائم، الى جانب تشريد ومقتل المواطنين العاديين والابرياء العزل في شمال اليمن.

منذ بداية الحرب هرب الکثير من السکان من ساحة المعرکة کامر طبيعي في مثل هذه الحالات الى المناطق الاکثر امنا بانتظار الاجراءات الانسانية من قبل المنظمات الدولية في الحدود اليمنية السعودية الا انهم واجهوا قيودا وضغوطا من جانب السلطات السعودية حتى ان المنظمات الدولية وجهت انتقادات کونها لم تستطع ان تقدم المساعدات الانسانية عبر الحدود السعودية واعتبرت هذه الحرب بانها ستمهد لکارثة انسانية.

ولو اعتبرت الاحداث في صعدة والنزاع بين سکان شمال اليمن والحکومة في صنعاء امرا داخليا لکان من المفروض الا نشاهد الاجراءات اللاانسانية ومن ثم الحملة العسکرية الواسعة من جانب السعودية والتي تم خلالها استخدام الاسلحة المحرمة مثل القنابل الفسفورية ضد المسلمين الشيعة في شمال اليمن.

وعلى المسؤولين السعوديين ان يقدموا تبريرا لسياساتهم وهم الذين يقومون منذ اعوام طويلة عبر ترويج المدارس السلفية والوهابية في انحاء اليمن ولاسيما في جنوبه والدعم المالي لبعض رؤساء العشائر والشخصيات اليمنية، لفرض الهيمنة والنفوذ في اليمن وحتى انهم قاموا بضم بعض المناطق الحدودية في شمال اليمن الى المحافظات السعودية المجاورة لها.

ويواجه المواطنون في جنوب السعودية ولاسيما في المناطق المجاورة لشمال اليمن وهم من الاقليات الزيدية والاسماعيلية، کباقي المناطق في السعودية سياسة القمع والتمييز الاجتماعي والاقتصادي وهيمنة الوهابيين والکبت المذهبي، ولهذه الاقليات اواصر طبيعية مع الشيعة الزيديين في شمال اليمن الذين يعيشون ظروفا مشابهة.

وفي الحقيقة فان النظام السعودي وبسبب سياسة القمع المذهبي والتمييز الذي يمارسه يعتبر صمود ومقاومة سکان صعدة والحوثيين امرا مقلقا بالنسبة له.

ورغم ان الاقليات الزيدية والاسماعيلية والشيعة في السعودية لقيت على الدوام القمع والسجن والقيود المختلفة الا انها لم تال جهدا للحصول على حقوقها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية.

وان استراتيجية الملک عبدالله للاصلاحات الداخلية وخفض الضغط على الاقليات وتدشين بعض الرموز الاجتماعية التدريجية تاتي بهدف الحيلولة دون حدوث الانفجار السياسي الاجتماعي.

ان السلطة في اليمن وحماتها السعوديين ومن اجل تبرير ممارساتهم اللاانسانية والحرب ضد الشيعة في اليمن يسعون للربط بين شعارات سکان صعدة وشعارات الشعب الايراني، واعتبار هذا التيار الشعبي والمقاوم الجدير بالاشادة بانه مرتبط بايران للتغطية على المطالب الطبيعية لسکان شمال اليمن وکذلک تبرير المجازر المرتکبة بحقهم.

ان فشل السلطة في اليمن في قمع الحوثيين يطرح في الوقت الذي تتمتع فيه بدعم مالي واعلامي ودبلوماسي ولوجستي کامل من السعودية وحتى ان احد المسؤولين الامنيين السعوديين سافر الى دولة عربية اخرى لوقف دعمها لسکان شمال اليمن واجرى مساومة امنية سياسية، حيث انه وازاء وقف تلک الدولة العربية مساعداتها حول هذا المسؤول موقف تنظيم القاعدة فيها من ممارسة الارهاب والسعي الاطاحة بزعيم تلک الدولة الى موقف المديح والثناء له.

واللافت انه وبعد ان اصبح التدخل السعودي اکثر علنيا في حرب صعدة وضد الشيعة في اليمن، دعا محمد راشد احد قادة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الى الحرب ضد الشيعة في کل انحاء المنطقة، ولا ننسى انه تزامنا مع التفجير الارهابي الذي قام به اذناب ريغي في محافظة سيستان وبلوستان (جنوب شرق ايران) دعت صحيفة "الوطن" السعودية الى اشعال النيران في الف نقطة في ايران.

ورغم ان جهودا کبيرة بذلت على مدى اعوام للتغطية على مسالة ان القاعدة مدربة ومعدة من قبل السعوديين واجهزة الاستخبارات الاميرکية وبعض دول المنطقة الا ان بعض مسؤولي هذه الدول يفقدون احيانا السيطرة على انفسهم ويبدو "ذنب الديک" بارزا کما يقال.

وان حرب صعدة اليوم وبعد الدخول العلني للسعودية فيها ضد سکان هذه المنطقة قد اکتسبت طابعا جديدا لاسيما وان الالاف من سکان القرى المجاورة لصعدة من الزيديين والاسماعيليين قد تم اجلاؤهم من هذه المحاور وان السلطات السعودية تسعى ايضا وراء انشاء حزام امني مفرغ داخل اليمن ومنطقة صعدة والدليل على ذلک القصف المستمر منذ اسبوعين تقريبا لهذه المنطقة.

ان الدبلوماسية الاقليمية للسعودية والى جانب حرب اعلامية شاملة ضد الحوثيين والشيعة وايران على صعيد المنطقة، تسعى لکسب الدعم اللازم للتدخل في شؤون اليمن وهو الامر الذي يعد مساسا واهانة لسيادة واستقلال اليمن.

وفي جانب اخر فان المسؤولين الاميرکيين اعلنوا دعمهم لاجراءات السعودية تحت عنوان "التدابير الدفاعية" و"حق السعودية المشروع" کما ان الاردن بارساله وحدتين للقوات الخاصة لمواکبة الجيش السعودي في قمع الحوثيين الشيعة في اليمن قد اضفى الصفة الاقليمية الکاملة على هذه الحرب، کما ان موقف وزير الخارجية المصري الذي صبغه بسمة القومية العربية يرى بان "الدول العربية يمکنها مواجهة التدخلات غير العربية".

وبطبيعة الحال فان هذه المواقف الشجاعة! لم تتخذ ابدا للدفاع عن فلسطين واهالي غزة في مواجهة العدوان الهمجي الصهيوني بل على العکس من ذلک فقد شارکوا هذا الکيان ولحد الان في فرض الحصار على غزة ايضا.

ان هذه الشجاعة! للنظام المصري تتجلى اکثر عندما نعرف ان جرائم الحرب الصهيونية التي ادينت من قبل القاضي غولدستون وهو قاض يهودي، لم يقم المسؤولون المصريون بمواکبة هذا الموقف ولم يعبروا هذا الخط الاحمر بغية کسب ود الکيان الصهيوني ومسؤولي البيت الابيض.

ومن الافضل ان نقوم بدراسة ماهية هذا الحدث الاقليمي لتتوضح اکثر فاکثر جذور الموقف السعودي المصري الاردني والذي يحظى بطبيعة الحال بدعم اميرکي.

اذ يرى الخبراء الغربيون وفقا لاستطلاعات الراي والاستنتاجات الاخرى بان السعودية ومصر قد فقدتا نفوذهما ومکانتهما في منطقة الشرق الاوسط، وهو الامر الذي يعود السبب فيه الى مواکبتهما للسياسات الغربية والصهيونية.

وقد عبرت هذه الدول الثلاث عن قلقها علنيا من اي حوار لاميرکا مع ايران وتعتبر کالکيان الصهيوني اي اتفاق وفي اي مستوى کان لاميرکا مع ايران بانه ليس في مصلحتها (هذه الدول).

ان هذه الدول، ومن جانب، تتضرر من وجود التحدي والتوتر بين ايران واميرکا والذي من الممکن ان يؤدي الى المواجهة العسکرية ومن جانب اخر لا يمکنها ان تقبل بان تقدم اميرکا تنازلا لايران للخروج من الازمات الاقليمية والاعتراف بالحقوق النووية والمکانة الاقليمية لايران.

وترى النخب السياسية في هذه الدول الثلاث انه يجب تفعيل "توتر اقليمي ممنهج" بارضية مذهبية ضد ايران للحفاظ على مکانتها (الدول الثلاث) في اي معادلة اقليمية جديدة.

وهذا الامر يجري تنفيذه بوضوح في فلسطين ولبنان والعراق واليمن من جانب هذه الدول وتعتبر "اداة الفتنة الطائفية" امرا لازما لتحقيق هذه المکانة الجديدة لها.

وتعتبر السعودية ومصر والاردن سياسة "النزاع" هذه بانها فاعلة في ثلاثة محاور وهي:

1- ان مثل هذه الاجواء تحول دون المواجهة العسکرية للغرب مع ايران ولا تتضرر الدول العربية الثلاث المذکورة.

2- تقوم هذه الدول من خلال تصعيد هذا التوتر الاقليمي بالحيلولة دون اي اتفاق اميرکي مع ايران.

3- ان هذه الاستراتيجية توفر الارضية لايجاد التوازن في تعامل دول المنطقة مع ايران.

لذا فان ماهية الحرب غير المتکافئة والظالمة في صعدة وشمال اليمن مرتبطة بالاستراتيجيات الاقليمية لهذه الدول الثلاث من جانب، وهي من جانب اخر تعتبر جزءا من السياسة الاقليمية للسعودية التي قامت خلال العقود الثلاثة الاخيرة برفع مکانتها من خلال اثارة الحروب الاقليمية واضعاف الدول المنافسة لها.

ان النزاع الداخلي في اليمن انما يمکن حله وتسويته فقط عبر الحوار الوطني والاعتماد على الاساليب السلمية حيث بامکان اللاعبين المحليين او المؤسسات الاقيمية والدولية تنفيذ ذلک بصفة "مساعي حميدة".

ولابد للمؤسسات الدولية ان تقوم بمسؤولياتها القانونية في حماية سکان شمال اليمن ومد المساعدات لهم والحيلولة دون "استخدام الاسلحة المحرمة" او "الاستخدام اللامتوازن للقوة".

وعلى السعودية ان تعلم بان التشجيع المصري والاردني للدخول في حرب صعدة هو فخ لها لتوسيع دائرة الازمة الى داخل السعودية لکي ترتاحا هما من منافس لهما على الصعيد الاقليمي.

ان عدد الاسرى والجرحى والخسائر التي مني بها الجيش السعودي في المواجهة مع الحوثيين جديرة بالوقوف عندها، ومن المؤکد ان استمرار تاجيج الحرب والتدخل العسکري في حرب صعدة، سيصيب السعودية بـ "استنزاف قاتل" ويوفر الارضية لتغيير ترکيبة وهيکلية السلطة الحاکمة في هذا البلد.