رمز الخبر: ۲۱۶۳۵
تأريخ النشر: 09:49 - 05 April 2010
محمد صادق الحسيني
عصرایران - مهما علا الصوت الاسرائيلي هذه الايام فان ثمة حقيقة باتت شبه ثابتة في المستقبل المنظور على الاقل الا وهي ان تل ابيب ليست بقادرة على فرض تسوية مع العرب وتاليا مع محيط الجوار الاسلامي المساند للعرب بشروطها هي، ولا هي بقادرة على فرض حرب عليهم لا منفردة ولا شاملة!

بالمقابل فان العرب الذين تداعوا لتوهم الى قمة سرت اثبتوا بالمقابل بما لا يقبل الشك والترديد، بانهم انما يلعبون في الوقت الضائع في لعبة الامم، وهم لا يملكون اي تصور واضح لموقعهم في المعادلة الدولية لا على المستوى القريب ولا على المستوى البعيد!

صحيح ان الاسرائيليين يستغلون الوقت الصعب الذي يمرون فيه لممارسة مزيد من الاستضعاف ضد الفلسطينيين لاسيما المقدسيين منهم، لكن الصحيح ايضا بان نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة اثبتت كذلك بانها عاجزة حتى على فرض تسوية هي مهينة بالاساس حتى على المراهنين عليها من الجانب الفلسطيني، رغم كل 'بهلوانيات' التحدي التي مارستها ضد سيدها الامريكي مؤخرا!

من جانبهم فان الامريكيين ومعه ربيبتهم اسرائيل الذين يحاولون منذ مدة حشد اوسع رأي عام ممكن ضد ايران واظهارها العدو البديل للعرب عن اسرائيل، بدأو يتعثرون باذيالهم، رغم كل مظاهر التفوق الاعلامي والمعلوماتي والمخابراتي الذي يحاولون تصويره في حروبهم النفسية ضد طهران!
لكن المشكلة التي يبدو ان لا حل لها في المنظور، هي في النظام العربي الرسمي الذي تكاد تنطبق عليه مقولة: 'لا يموت فيها ولا يحيى' اذ انه فضلا عن كونه لا يريد ان يظهر وكأنه تابع ومستسلم للبرنامج الامريكي الاسرائيلي، الا انه بالمقابل يتوجس خيفة ليس فقط من التضامن مع ايران الجارة المسلمة والشقيقة، في معركتها 'النووية' المشروعة مع الغرب، بل وحتى الحوار معها حول قلقه منها او من مشاريعها او حول الخلاف معها كما اقترح عمرو موسى ورفضتها قمة سرت امام دهشة عقلاء الامة من عرب وغير عرب!

اذ لا احد يستطيع ان يفهم مطلقا وكما قال عمرو موسى نفسه في القمة، كيف ان الاوروبيين والامريكيين ورغم كل خلافاتهم بل وخصوماتهم الحادة مع ايران الا انهم لا يزالون غير قادرين على مغادرة خيار الحوار مع طهران، فلماذا يتردد العرب في اللجوء الى مثل هذا الخيار؟!

قد يستطيع منظرو معارضة الحوار مع ايران، لاسيما تلك النخب المقربة من الحاكم لاغراض فئوية وانانية ذاتية، الاتيان بعشرات الادلة التي تجعل الحاكم العربي يتوجس خيفة من الرهان على فتح قنوات الحوار مع طهران، لكن ما لا يدركه المواطن العربي الحريص على امنه ومستقبله هو تلك الحملة المضللة التي تقودها هذه النخب عن وعي او دون وعي في تصوير ايران بمثابة العدو الاخطر على الامة العربية حتى من العدو الاسرائيلي نفسه والذي يجاهرنا العداء الوجودي نحن العرب والمسلمين لاسيما فيما يتعلق بالمسألة الفلسطينية! اعرف ان اصوات المعارضين هؤلاء ستصدح باعلان قلقها من نوايا ايران في العراق مرة وحول الخلافات الحدودية مع هذا البلد العربي او ذاك مرة اخرى، وربما تصعيد اللهجة لتصل الى ما يسمونه بالخطر الايراني على الامن القومي العربي!

لكن ما لا يمكن قبوله باي حال من الاحوال، ولا يمكن لاي عربي حر شريف وصادق مع امته وشعبه ان يدركه هو ذلك الاصرار لدى البعض، بتصوير ايران وكأنها متواطئة مع اسرائيل وامريكا من اجل ما يسمونه اضعاف العرب او اذلالهم او تركيعهم ومن ثم التأسيس على ذلك بان ايران اخطر من امريكا واسرائيل على العرب، ذلك ان امريكا واسرائيل عدو ظاهر فيما ايران عدو باطن.

ان مثل هذا الكلام ليس فقط يجافي الحقيقة، بل انه يشكل في العمق طعنة قاتلة في جهود شرفاء العرب واحرارهم الذين يضحون بدمائهم وانفسهم من اجل رفعة العرب وعزتهم، بمساعدة جلية لا لبس فيها تتمثل فيما تتمثل فيها اعلى درجات التضحية والايثار من الجانب الايراني.

وعلى سبيل المثال لا الحصر نقول ولمن نظن فيه حسن النية نقول، الا يعرف هؤلاء بان الشرط الحصري الوحيد المطروح على طاولة الحوار الغربي مع ايران لقبولها قوة اقليمية عظمى تسرح وتمرح في المنطقة وعلى حساب العرب، هو تخليها عن القضية العربية المركزية اي القضية الفلسطينية حتى من دون الاعتراف الرسمي والعلني باسرائيل؟!

بل ونزيد هؤلاء من الشعر بيتا، فنقول لهم بان عربا اقحاحا من النظام العربي الرسمي هم من بين من ينقلون هذه الرسائل، ويضيفون عليها بان واشنطن تقول لهم حاولوا ان تقنعوا ايران بانها وهي الامة الاكبر والاهم تاريخيا وحضاريا بعدم الاصرارعلى ربط مصيرها بقوى او منظمات عربية صغيرة مصنفة في دائرة الارهاب، فضلا عن انظمة متهاوية لا تملك اية مشروعية بين جماهيرها غير توظيف العامل الفلسطيني!

انها معلومات يا اخوان وليست تخمينات او تحليلات، وهي تتدفق على طهران باستمرار، والامر لا ينحصر باعطاء دور ايراني ريادي في هذه الساحة العربية او تلك بل في المنطقة ككل، ولو كانت ايران تضمر العداء للعرب فعلا كما تقولون سواء كانظمة او كامة او انها 'تتاجر' بهذه القضية العربية او تلك او تستخدمها اوراقا للضغط للحصول على مكافأة الاعتراف بها كقوة نووية كما يروج آخرون، لكانت الصفقة مع الامريكيين اسهل مما تتصورون!!

لكن ايران تملك عقيدة سياسية نابعة عن عقيدتها الدينية لا مجال للتراجع عنها الا وهي بانها ومنذ عودتها لذاتها وتحولها الى جمهورية اسلامية اصبحت جزءا لا يتجزأ من استراتيجية النضال العربي ضد الصهيونية واسيادها وبذلك اصبحت هموم العرب واهتماماتهم جزءا لا يتجزأ من هموم الامن القومي الايراني، ايا كان شكل هذا النظام العربي او ذاك ملكيا ام جمهوريا ديمقراطيا ام وراثيا ... المهم انه عربي! في العقود الثلاثة الماضية حاول الكثيرون من اتباع نظريات واستراتيجيات الامن القطري اولا اخراج ايران من العرب وابعادها عن فلسطين وباءت كل خططهم بالفشل، وخلال الستة شهور الماضية وايا كان شكل التعقيدات التي اخذها مسار الفتنة الايرانية الداخلية فان الهدف النهائي كان اخراج فلسطين من العقيدة الايرانية وفشلوا ايضا ولله الحمد.

الم يئن الاوان للعرب ان يلتقطوا الفرصة الذهبية الحالية التي توحي بقرب الفرار الامريكي من المنطقة ليرسخوا فرائض الحلال والحرام في التعامل مع دول الجوار وفي المقدمة منها ايران دفاعا عن مصالح العرب انفسهم قبل مصالح ايران او غيرها؟

القدس العربی